آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ

لأن متعلق الحزن ماضٍ، والخوف مستقبل، والجواب عنه أن النكرة في سياق النفي تفيد العموم بالإِجماع، والفعل في سياق النفي مختلف فيه هل يفيد العموم أولا؟. والماضي محصور؛ لأنه مشاهد مَرْإيّ فمتعلقه غير متعدد، والمستقبل متعلقاته متعددة؛ لأنه غير محصور فالخوف منه يعظم؛ لكثرة الخواطر التي تخطر ببال الإِنسان فيه.
فلذا نفى الخوف بلفظ الاسم الدال على العموم بإجماع، ونفى الحزن بالفعل المحتمل للعموم، وعدمه.
ورُدَّ بمنع الإِجماع؛ لأن النكرة عند النحويين لا تعم إلّا إذا كانت مبنية مع لا.
وأجيب: بأنها أعم من الفعل بلا شك.
٢٧٥ - (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ..) وجه مناسبتها لما قبلها أنه تقدمها إنفاق الصدقة، وهي لا عن عوض.
و (الربا) في ظاهر الأمر زيادة عن عوض؛ لأنه يدفع قليلًا في كثير. وقرر الفخر: المناسبة بأن الصدقة من المال، والربا زيادة فيه فالنفوس تحبه، وتكره الصدقة فجاءت الآية إشعارًا بأن ذلك النقص زيادة، وتلك الزيادة نقص.
والتشبيه بمن (يتخبطه الشيطان) إما حالة تخبطه أو أثر ذلك،

صفحة رقم 355

والظاهر العموم، لأن آكلين الربا متفاوتون في الأكل فالمكثر منهم شبيه به حالة التخبط، والمقلل يشبهه أثر التخبط.
واعلم أن قدماء المعتزلة ينكرون الجن بالأصالة، وهو كفر لا شك فيه؛ لأنه تكذيب للقرآن، والحديث.

صفحة رقم 356

قال شيخنا ابن عرفة: كان الشيخ ابن عبد السلام يحكي: أنه كان هناك طالب يتحدث أنه كان في بلاد الجريد بعض المدرسين له طالب جلف بليد فصُرِعَ ذلك الطالب البليد ذات يوم فجاوبه بعنف فقال المدرس:

أعلمه الرماية كل حين فلما اشتد ساعده رماني
فقال له ذلك الطالب: أخطأت إنما هو " استد " بالسين المهملة فدلّ على أن

صفحة رقم 357

الجنِّي نطق على لسانه، والبيت يُروى بالوجهين معا. وجرى ذكر هذا البيت بمجلس السلطان أبي العباس بحضرة شيخنا ابن عرفة، وكبار طلبته، وذكر الروايتين، فقال السلطان الصواب عندي أنه بالسين المهملة؛ لأنه الذي من فعل العلم، والحاصل من تعليمه فقال له بعض الطلبة الحاضرين: يحق لهذا الكلام أن يكتب بماء الذهب.
- (ذلك). الإِشارة لأكلهم (الربا)؛ لأنه سبب في عقوبتهم، وسبب السَّبب سبب، وهذا قياس تمثيلي. وذكروا منه قياس الشبه، والتسوية، وهو قياس آخر بمعنى: أن الحكم في المقيس عليه ثابت في الفرع المقيس من باب أحرى، فينعكس فيه التشبيه ومثله ابن ملك في " المصباح " بهذه الآية، ويقول الشاعر:
وكأن النجوم بين دجاها:. سنن لاح بينهن ابتداع
فجعل أهل السنة بين المبتدعة بمنزلة النجوم في الظلام.
وقال غيره: إن الابتداء بالنجوم محتاج فيه إلى معرفة استدلال، واتباع

صفحة رقم 358

أهل السنة لا يحتاج فيه تكلف دليل فكان أحرى.
وقال الزمخشري: الإِشارة للعقاب.
- (وأحل اللَّه البيع وحرم الربا). تحتمل أن يكون من كلامهم كالاعتراض على حكم اللَّه تعالى، واستشكالاً لتحريم أحدهما، وتحليل الآخر مع تساويهما عندهم.
وجعله الزمخشري ردّا على قياسهم، والصواب أنه تجهيل لهم؛ لتقدم النص، فهو قياس في معرض النص فهو فاسد الوضع.
وعلى ما قال الزمخشري: يكون النص غير متقدم، والواو تحتمل الحال، والإِستئناف.
واختلف الفقهاء في لفظ: (البيع) " هل هو من قبيل المجمل ثَمَّ بيِّن، أو عام مخصوص، وقيل: لم يخصص، فعلى الاوَلينَ يكون حقيقة لغوية، وعلى الثالث: يكون حقيقة شرعية؛ لأنه إذا كان

صفحة رقم 359
التقييد الكبير للبسيلي
عرض الكتاب
المؤلف
أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد البسيلي التونسي
الناشر
كلية أصول الدين، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض - المملكة العربية السعودية
سنة النشر
1412
الطبعة
1
عدد الأجزاء
2
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية