
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، قَالَ الْأَخْفَشُ: جَعَلَ الْخَبَرَ بِالْفَاءِ، لِأَنَّ الَّذِينَ بِمَعْنَى «مَنْ»، [وجواب من بالفاء في الجزاء ومعنى] [١] الْآيَةِ: مَنْ أَنْفَقَ كَذَا فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ، وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧٥]
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لَا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا، أي: الذين يُعَامِلُونَ بِهِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَكْلَ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنَ الْمَالِ لَا يَقُومُونَ، يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ، أَيْ:
يَصْرَعُهُ الشَّيْطانُ، أَصْلُ الْخَبْطِ: الضَّرْبُ وَالْوَطْءُ وَهُوَ ضَرْبٌ عَلَى غَيْرِ اسْتِوَاءٍ، يُقَالُ: نَاقَةٌ خَبُوطٌ لِلَّتِي تَطَأُ [٢] النَّاسَ وَتَضْرِبُ الْأَرْضَ بِقَوَائِمِهَا، مِنَ الْمَسِّ، أَيِ: الْجُنُونِ، يُقَالُ: مُسَّ الرَّجُلُ فَهُوَ مَمْسُوسٌ إِذَا كَانَ مَجْنُونًا، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ آكِلَ الرِّبَا يُبْعَثُ يوم القيامة كَمِثْلِ الْمَصْرُوعِ.
«٣٢٦» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ، قَالَ:
«فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رِجَالٍ كَثِيرٍ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بَطْنُهُ مِثْلُ الْبَيْتِ الضَّخْمِ مُنَضَّدِينَ [٣] عَلَى سَابِلَةِ آلِ فِرْعَوْنَ، وَآلُ فِرْعَوْنَ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ غُدُوًّا وَعَشِيًّا، قال: فيقبلون مثل الإبل المنهوكة [٤] يَخْبِطُونَ الْحِجَارَةَ وَالشَّجَرَ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَعْقِلُونَ، فَإِذَا أَحَسَّ بِهِمْ أَصْحَابُ تِلْكَ الْبُطُونِ قَامُوا، فَتَمِيلُ بِهِمْ بُطُونُهُمْ فَيُصْرَعُونَ، ثُمَّ يَقُومُ أَحَدُهُمْ فَيَمِيلُ بِهِ بَطْنُهُ فَيُصْرَعُ، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَبْرَحُوا حَتَّى يغشاهم آل فرعون فيطؤونهم [٥] مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ فَذَلِكَ عَذَابُهُمْ فِي الْبَرْزَخِ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ: وَآلُ فِرْعَوْنَ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ لَا تقم الساعة أبدا، قال: [و] يوم الْقِيَامَةِ يُقَالُ [٦] : أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أشدّ العذاب، قُلْتُ:
يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا، أَيْ: ذَلِكَ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ لِقَوْلِهِمْ هَذَا وَاسْتِحْلَالِهِمْ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا حَلَّ مَالُهُ عَلَى غَرِيمِهِ فَطَالَبَهُ [به] [٧]، فيقول
(١) ما بين المعقوفتين في المطبوع [وجوابها بالفاء في الخبر أو معنى].
(٢) في المخطوط «تخبط».
(٣) في المخطوط «متصدين».
(٤) في المطبوع وط «المنهومة» وفي القرطبي «المهيومة».
(٥) وقع في المطبوع «فيردّوهم» وفي المخطوط «فيرتد دونهم» والمثبت عن الطبري ٢٢٠٢٣ والقرطبي (٣/ ٣٥٥).
(٦) في المخطوط «يقول».
(٧) زيادة عن المخطوط وط.

الْغَرِيمُ لِصَاحِبِ الْحَقِّ: زِدْنِي فِي الْأَجَلِ حَتَّى أَزِيدَكَ فِي الْمَالِ، فَيَفْعَلَانِ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ [١] : سَوَاءٌ عَلَيْنَا الزِّيَادَةُ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ بِالرِّبْحِ أَوْ عِنْدَ الْمَحَلِّ لِأَجْلِ التَّأْخِيرِ، فكذّبهم الله تعالى فقال: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا، وَاعْلَمْ أَنَّ الرِّبَا فِي اللُّغَةِ الزِّيَادَةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ [الروم:
٣٩]، أَيْ: لِيَكْثُرَ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ الله، وَطَلَبُ الزِّيَادَةِ بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ غَيْرُ حَرَامٍ فِي الْجُمْلَةِ، إِنَّمَا الْمُحَرَّمُ زِيَادَةٌ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ فِي مَالٍ مَخْصُوصٍ بَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا:
«٣٢٧» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَرَجُلٍ آخَرَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ، وَلَا الْبُرَّ بِالْبُرِّ، وَلَا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ، وَلَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ، وَلَا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَكِنْ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ، وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ، وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ، وَالتَّمْرَ [بِالْمِلْحِ، وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ] [٢]، يدا بيد كيف شئتم»، -[و] نقص أَحَدُهُمَا الْمِلْحَ أَوِ التَّمْرَ وَزَادَ أحدهما- «فمن زاد أو استزاد فَقَدْ أَرْبَى».
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ [من] طرق [٣] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيكٍ عَنْ عُبَادَةَ، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَى سِتَّةِ أَشْيَاءَ، وَذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الرِّبَا يَثْبُتُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ [الستة لأوصاف] [٤] فِيهَا فَيَتَعَدَّى إِلَى كُلِّ مَالٍ تُوجَدُ فِيهِ تِلْكَ الْأَوْصَافُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْأَوْصَافِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي جَمِيعِهَا وَاحِدٌ [٥] وَهُوَ النَّفْعُ، وَأَثْبَتُوا الرِّبَا فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ الرِّبَا يَثْبُتُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِوَصْفٍ، وَفِي الْأَشْيَاءِ الْمَطْعُومَةِ بِوَصْفٍ آخَرَ، وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الْوَصْفِ، فَقَالَ قَوْمٌ: ثَبَتَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِوَصْفِ النَّقْدِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وقال قوم:
- وهو في «شرح السنة» ٢٠٤٩ بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق الشافعي وهو في «مسنده» (٢/ ١٥٧- ١٥٨).
- وأخرجه البيهقي (٥/ ٢٧٦) من طريق الشافعي ثم كرره من طريق سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين أن مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عتيك... فذكره.
وقال: وهذا الحديث لم يسمعه مسلم بن يسار من عبادة بن الصامت إنما سمعه من أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة اهـ.
قلت: ورواية الأشعث التي أشار إليها البيهقي هي عند أبي داود ٣٣٤٩ والنسائي (٧/ ٢٧٧) والطحاوي (٤/ ٤) و (٦٦) والبيهقي (٥/ ٢٧٧) بإسناد صحيح.
- وحديث عبادة ورد من وجه آخر عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الأشعث عنه أخرجه مسلم ١٥٨٧ وأبو داود ٣٣٥٠ والترمذي ١٢٤٠ وابن أبي شيبة (٧/ ١٠٣- ١٠٤) وعبد الرزاق (١٤١٩٣) وابن الجارود ٦٥٠ وأحمد (٥/ ٣٢٠) وابن حبان (٥٠١٥) و (٥٠١٨) والدارقطني (٣/ ٢٤) والبيهقي (٥/ ٢٧٧) و (٢٨٢ و٢٨٤). [.....]
(١) في المخطوط «فيقولان».
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» وكتب الحديث.
(٣) تصحف لفظ «طرق» في المطبوع إلى «مطرف».
(٤) زيد لفظ «الستة» في المطبوع وط. ولفظ «الأوصاف» في المطبوع «بالأوصاف» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».
(٥) في المخطوط «وجد».

ثَبَتَ بِعِلَّةِ [١] الْوَزْنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَثْبَتُوا الرِّبَا فِي جَمِيعِ الْمَوْزُونَاتِ مِثْلِ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالْقُطْنِ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا الْأَشْيَاءُ الْأَرْبَعَةُ [المطعومة] [٢] فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الرِّبَا ثَبَتَ فِيهَا بِعِلَّةِ الْكَيْلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَثْبَتُوا الرِّبَا في جميع المكيل [٣] مَطْعُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ كالجصّ والنّورة ونحوهما، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهَا الطَّعْمُ مَعَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، فَكُلُّ مَطْعُومٍ وَهُوَ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ يَثْبُتُ فِيهِ الرِّبَا، وَلَا يَثْبُتُ فِيمَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْقَدِيمِ، وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: يَثْبُتُ فِيهَا الرِّبَا بِوَصْفِ الطَّعْمِ، وَأَثْبَتَ الرِّبَا فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الْمَطْعُومَةِ مِنَ الثِّمَارِ وَالْفَوَاكِهِ وَالْبُقُولِ وَالْأَدْوِيَةِ مَكِيلَةً كَانَتْ أَوْ مَوْزُونَةً، لما:
ع «٣٢٨» رُوِيَ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ».
فَجُمْلَةُ مَالِ الرِّبَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَا كَانَ ثَمَنًا [٤] أَوْ مَطْعُومًا، وَالرِّبَا نَوْعَانِ رِبَا الْفَضْلِ وَرِبَا النَّسَاءِ، فَإِذَا بَاعَ مَالَ الرِّبَا بِجِنْسِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ بِأَنْ بَاعَ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ بِجِنْسِهِ، أَوْ بَاعَ مَطْعُومًا بِجِنْسِهِ، كَالْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا يَثْبُتُ فِيهِ كِلَا نَوْعَيِ الرِّبَا، حَتَّى لَا يَجُوزَ إِلَّا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ، فَإِنْ كَانَ موزونا كالدراهم والدنانير يشترط الْمُسَاوَاةُ فِي الْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ بِيعَ بِجِنْسِهِ، فَيُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْكَيْلِ وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَإِذَا بَاعَ مَالَ الرِّبَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ نُظِرَ إِنْ بَاعَ بِمَا لَا يُوَافِقُهُ فِي وَصْفِ الرِّبَا مِثْلَ: أَنْ بَاعَ مَطْعُومًا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَلَا رِبَا فِيهِ، كَمَا لَوْ باع بغير مال الرّبا، وإن باعه بما يوافقه في الْوَصْفِ مِثْلَ: أَنْ بَاعَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِالشَّعِيرِ أَوْ بَاعَ مَطْعُومًا بِمَطْعُومٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ حَتَّى يَجُوزَ متفاضلا أو جزافا وثبت فيه ربا النسأ حَتَّى يُشْتَرَطَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ»، إِلَى أَنْ قَالَ: «إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» فِيهِ إِيجَابُ الْمُمَاثَلَةِ وَتَحْرِيمُ الْفَضْلِ عِنْدَ اتِّفَاقِ الْجِنْسِ، وَقَوْلُهُ: «عينا بعين» فيه تحريم النسأ، وَقَوْلُهُ: «يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ»، فِيهِ إِطْلَاقُ التَّفَاضُلِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ مَعَ إِيجَابِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ، هَذَا فِي رِبَا الْمُبَايَعَةِ ومن أقرض شيئا شرط أن يردّ عليه أفضل [منه] [٥]، فهو قرض مَنْفَعَةً، وَكُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا. قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ: تَذْكِيرٌ وَتَخْوِيفٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْفِعْلَ رَدًّا إِلَى الْوَعْظِ، فَانْتَهى، عَنْ أَكْلِ الرِّبَا، فَلَهُ مَا سَلَفَ، أَيْ: مَا مَضَى مِنْ ذَنْبِهِ، قَبْلَ النَّهْيِ مَغْفُورٌ لَهُ [٦]، وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، بَعْدَ النَّهْيِ إِنْ شَاءَ عَصَمَهُ حَيْثُ يَثْبُتُ عَلَى الِانْتِهَاءِ، وَإِنْ شَاءَ خَذَلَهُ حَتَّى يَعُودَ، وقيل: أمره إِلَى اللَّهِ فِيمَا يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ وَيُحِلُّ لَهُ وَيُحَرُّمُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ نَفْسِهِ شَيْءٌ، وَمَنْ عادَ، بَعْدَ التَّحْرِيمِ إِلَى أَكْلِ الرِّبَا مُسْتَحِلًّا لَهُ، فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
ومطرّف هو ابن عبد الله بن الشّخّير.
(١) في المخطوط «يثبت لعلة» والمثبت عن نسخ المطبوع و «شرح السنة».
(٢) زيادة عن «شرح السنة» ٤/ ٢٤١- ٢٤٢.
(٣) في المطبوع وط «المكيلات».
(٤) في المطبوع وحده «ثمارا».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المخطوط «بعفو ربه».

«٣٢٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي غُنْدَرٌ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ [١] بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ:
إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَثَمَنِ الْكَلْبِ، وَكَسْبِ البغي، ولعن آكل الربا ومؤكله، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَالْمُصَوِّرَ.
«٣٣٠» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ أَخْبَرَنَا [عَبْدُ] [٢] الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ [٣] بْنُ حَرْبٍ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ».
«٣٣١» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَخْلَدِيُّ أَنَا أَبُو حَامِدِ بن
- وهو في «شرح السنة» ٢٠٣٢ بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» برقم: (٥٩٦٢).
- وأخرجه البخاري ٢٠٨٦ و٢٢٣٨ و٥٣٤٧ و٥٩٤٥ وأبو داود ٣٤٨٣ وأحمد ٤/ ٣٠٨ و٣٠٩ والطبراني ٢٢/ (٢٩٦) والطيالسي ١٠٤٣ و١٠٤٥ وابن حبان ٥٨٥٢ وأبو يعلى ٨٩٠ والطحاوي ٤/ ٥٣ والبيهقي ٦/ ٦ من طرق، عن شعبة به.
(١) في الأصل «عوف» وهو تصحيف. [.....]
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(٣) في الأصل «زاهر» وهو تصحيف.
٣٣٠- إسناده على شرط مسلم، هشيم هو ابن بشير، أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس.
- وهو في «شرح السنة» برقم (٢٠٤٧).
- رواه المصنف من طريق مسلم وهو في «صحيحه» (١٥٩٨).
وأخرجه أحمد ٣/ ٣٠٤ وأبو يعلى ١٨٤٨ والبيهقي ٥/ ٢٧٥ من طرق، عن هشيم به.
- وفي الباب من حديث ابن مسعود عند أبي داود ١٣٣٣ والترمذي ١٢٠٦ وابن ماجه ٢٢٧٧ والطيالسي ٣٤٣ وأحمد ١/ ٣٩٤ وابن حبان ٥٠٢٥ والبيهقي ٥/ ٢٧٥ من طرق، عن سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه.
وأخرجه مسلم ١٥٩٧ وأحمد ١/ ٤٤٨ و٤٦٢ والدارمي ٢/ ٢٤٦ والبيهقي ٥/ ٢٨٥ من طريق آخر، عن ابن مسعود وليس فيه «وكاتبه وشاهديه».
٣٣١- باطل مرفوع. إسناده ضعيف لضعف عكرمة بن عمار في روايته، عن يحيى بن أبي كثير خاصة. بل ضعفه غير واحد مطلقا. جاء في «الميزان» (٣/ ٩١) ما ملخصه: قال يحيى القطان وأحمد بن حنبل: أحاديثه عن يحيى بن أبي كثير ضعيفة، وذكر الذهبي، عن غير واحد توثيقه لعكرمة لكن في روايته، عن غير يحيى. وللحديث شواهد واهية لا تقوم بها حجة، فإن المتن منكر باطل، فإن الزنا أشد من الربا.
وأخرجه ابن الجارود في «المنتقى» (٦٤٧) من طريق النضر بن محمد به.
- وأخرجه ابن عدي ٥/ ٢٧٥ والبخاري في «التاريخ الكبير» (٣/ ١/ ٩٥) وابن الجوزي في «الموضوعات» (٢/ ٢٤٤- ٢٤٥) والعقيلي ٢/ ٢٥٧- ٢٥٨ والبيهقي ٥٥٢١ من طرق، عن عبد الله بن زياد، عن عكرمة بن عمار به.
وأعله العقيلي وغيره بعبد الله بن زياد، وهو كذاب، وبه أعله ابن الجوزي لكن تابعه اثنان لذا أعله ابن عدي بعكرمة بن عمار اليمامي، فإن مداره عليه، وهو وإن وثقه غير واحد فإن روايته، عن يحيى بن أبي كثير فيها اضطراب ووهن.
قال يحيى بن سعيد: أحاديثه، عن ابن أبي كثير ضعيفة. وقال البيهقي: هذا يعرف بابن زياد، وهو منكر الحديث.

الشَّرْقِيِّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ أخبرنا يحيى هو ابن
وقال عنه أحمد: روى عن يحيى بن أبي كثير مناكير اهـ.
وهذا من طريقه، وأعله أبو حاتم بالإرسال «العلل» (١١٣٦) مع وهن عمر بن راشد كما تقدم.
- وورد من حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في «الصغير» (١/ ٨٢) وابن حبان في «المجروحين» (١/ ٣٢٨) وأعله ابن حبان بسعيد بن رحمة وقال: لا يجوز الاحتجاج به، وقال عنه الهيثمي في «المجمع» : ضعيف.
- وورد من طريق آخر أخرجه البيهقي في «الشعب» (٥٥١٨) والطبراني ١١٢١٦ و١١٥٣٩ وابن حبان في «المجروحين» (١/ ٢٤٣) وابن الجوزي ٢/ ٢٤٥ ومداره على حنش وهو حسين بن قيس الرحبي، وهو متروك، وقد كذبه أحمد وغيره، وعده الذهبي في «الميزان» من مناكيره.
وتابعه خصيف بن عبد الرحمن عند الخطيب ٦/ ٧٦ وخصيف غير قوي، وعنه إبراهيم بن زياد، وهو مجهول لا يعرف.
وقال أبو زرعة: هذا حديث منكر. ذكره ابن أبي حاتم في «العلل» (١١٧٠).
- وورد من حديث أنس أخرجه البيهقي ٥٥٢٣ وابن عدي ٤/ ١٥٤٨ وابن الجوزي ٢/ ٢٤٥ وقال البيهقي: فيه عبد الله بن كيسان منكر الحديث. وكذا ذكر ابن الجوزي.
وأخرجه ابن الجوزي ٢/ ٢٤٦ وكذا الدارقطني كما في «اللآلئ» (٢/ ١٥٠) وأعله ابن الجوزي بطلحة بن زيد ونقل عن البخاري قوله: منكر الحديث وساق له الذهبي هذا الحديث ٢/ ٤٢٤ وقال: تالف.
- وورد من حديث عبد الله بن سلام أخرجه الطبراني كما في «المجمع» (٦٥٧٤) وقال الهيثمي: عطاء الخراساني لم يسمع من عبد الله بن سلام.
- وورد من حديث عائشة أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٥/ ٧٤) وابن الجوزي ٢/ ٢٤٧ وأعله بسوار بن مصعب، وأنه متروك الحديث نقل ذلك عن أحمد ويحيى والنسائي.
- وأسنده ابن الجوزي من وجه آخر وأعله بعمران بن أنس وهو كما قال فإنه منكر الحديث راجع «الميزان».
- وورد من حديث ابن عمر أخرجه ابن عدي ٦/ ٣٩١ وأعله ابن عدي بمسعدة الفزاري وذكره الذهبي بخبر آخر مع هذا وقال: بخبرين منكرين، عن ابن أبي ذئب.
- وورد من حديث عبد الله بن حنظلة الغسيل أخرجه أحمد ٥/ ٢٢٥ والدارقطني ٣/ ١٦ وقال الهيثمي في «المجمع» (٦٥٧٣) : رجال أحمد رجال الصحيح... !؟.
وأعله ابن الجوزي بحسين بن محمد ونقل عن أبي حاتم الرازي أنه وهم فيه.
وكرره من وجه آخر وأعله بليث وأنه ضعيف، وقد قال الدارقطني بعد أن أسنده، عن عبد الله بن حنظلة، عن كعب الأحبار من- قوله-: وهذا أصح من المرفوع.
وذكره مثل ذلك العقيلي ٢/ ٢٥٨ حيث صوّب كونه من كلام كعب الأحبار، ومثلهما البيهقي ٥٥١٦ وابن الجوزي ٢/ ٢٤٧- ٢٤٨ وقد جاء موقوفا على عبد الله بن سلام أيضا أسنده العقيلي ٢/ ٢٥٨ والبيهقي ٥٥١٤ وإسناده عنه جيد.
وكرر البيهقي ٥٥١٥ بإسناد صحيح، عن ابن سلام.
- وقال ابن الجوزي: ليس في هذه الأحاديث شيء صحيح.
ثم فصّل القول في ذلك فانتقد رجالها وأبان عللها.
- وختمه بقوله: اعلم أن مما يرد صحة هذه الأحاديث أن المعاصي إنما يعلم مقاديرها بتأثيراتها، والزنا يفسد الأنساب ويصرف الميراث إلى غير مستحقيه، ويؤثر في القبائح ما لا يؤثر أكل لقمة لا تتعدى ارتكاب نهي فلا وجه لصحة هذا اهـ.
وهو كما قال ابن الجوزي رحمة الله عليه.
فشتان بين من يزني بأمه بل بأجنبية وبين درهم ربا أو الوقوع في باب من تلك الأبواب، ولو كانت كذلك لبينها