
شرح الكلمات:
﴿يَأْكُلُونَ الرِّبا١﴾ : يأخذونه ويتصرفون فيه بالكل في بطونهم، وبغير الأكل، والربا هنا: ربا النسيئة وحقيقته أن يكون لك على المرء دين فإذا حل أجله ولم يقدر على تسديده تقول له: أخر وزد. فتؤخره أجلاً وتزيد في رأس المال قدراً معيناً، هذا هو ربا الجاهلية والعمل به اليوم في البنوك الربوية فيسلفون المرء مبلغاً إلى أجل ويزيدون قدراً آخر نحو العشر أو أكثر أو أقل، والربا حرام بالكتاب والسنة والإجماع وسواء كان ربا فضل٢ أو ربا نسيئة.
﴿لا يَقُومُونَ﴾ : من قبوهم يوم القيامة.
﴿يَتَخَبَّطُهُ٣ الشَّيْطَانُ﴾ : يضر به الشيطان ضرباً غير منتظم.
﴿مِنَ الْمَسِّ٤﴾ : المس: الجنون، يقال: بفلان مس من جنون.
﴿مَوْعِظَةٌ﴾ : أمر أو نهي بترك الربا.
﴿فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ : ليس عليه أن يرد الأموال التي سبقت توبته.
﴿يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا﴾ : أي: يذهبه شيئاً فشيئاً حتى لا يبقى منه شيء؛ كمحاق القمر آخر الشهر.
﴿وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ : يبارك في المال الذي أخرجت منه، ويزيد فيه، ويضاعف أجرها أضعافاً كثيرة.
﴿كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ : الكفار: شديد الكفر، يكفر بكل حق وعدل وخير، أثيم: منغمس في الذنوب لا يترك كبيرة ولا صغيرة إلا ارتكبها.
٢ ربا الفضل بيانه في حديث مسلم: "الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر والتمر بالملح بالملح مثل بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي سواء". وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث آخر: "فإذا اختلفت الأجناس فيبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد".
٣ يقال: خطة وتخبطة كملكه وتملكه، وعبده وتعبده، والتخبط: الضرب في غير استواء، ومنهم قولهم: خبط عشواء.
٤ أصل المس: اللمس باليد، ومن مسه الشيطان اختلط عقله وأصبح يصيح بسبب مس الشيطان له فيقال: فلان يصرع من الجن، أي: من مس الجن له، والشيطان من الجن، فالمرابي يقوم يوم القيامة من قبره كالمجنون الذي به مس الجن يصرع صرعه.

معنى الآيتين:
لما حث الله على الصدقات وواعد عليها بعظيم الأجر ومضا عف الثواب ذكر المرابين الذين يضاعفون مكاسبهم المالية بالربا وهم بذلك يسدون طرق البر، ويصدون عن سبيل المعروف فبدل أن ينموا أموالهم بالصدقات نموها بالربويات، فذكر تعالى حالهم عند القيام من قبورهم وهم يقومون، ويقعدون ويغفون١ ويُصرعون، حالهم من حال يصرع في الدنيا بمس الجنون، علامة يعرفون بها يوم القيامة كما يعرفون بانتفاخ بطونهم وكأنها خيمة مضروبة بين أيديهم. قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾، وذكر تعالى سبب هذه النقمة عليهم فقال: ﴿ذَلِكَ﴾ أي: أصابهم ذلك الخزي والعذاب بأنهم ردوا علينا حكمنا بتحريم الربا، وقالوا إنما البيع مثل الربا، إذ الربا الزيادة في نهاية الأجر، والبيع في أوله، ورد تعالى عليهم، فقال: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ٢ وَحَرَّمَ الرِّبا﴾ فما دام قد حرم الربا فلا معنى للاعتراض، ونسوا أن الزيادة في البيع هي في قيمة سلعة تغلو وترخص، وهي جارية على قانون الإذن في التجار، وأما الزيادة في آخر البيع فهي زيادة في الوقت فقط. ثم قال تعالى مبيناً لعباده سبيل النجاة محذراً من طريق الهلاك: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ وهي تحريمه تعالى للربا ونهيه عنه فانتهى عنه فله ما سلف قبل معرفته للتحريم، أو قبل توبته منه، وأمره بعد ذلك إلى الله إن شاء ثبته على التوبة فنجاه، وإن شاء خذله لسوء عمله، وفساد نيته فأهلكه وأرداه، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾. أخبر تعالى أنه بعدله يمحق٣ الربا، وبفضله يربي الصدقات، وأنه لا يحب كل كفار لشرع الله وحدوده، أثيم بغشيانه الذنوب وارتكابه المعاصي. كان هذا معنى الآية الأولى (٢٧٥)، أما الآية الثانية (٢٧٦) فهي وعد رباني صادق وبشرى إلهية سارة لكل من آمن وعمل صالحاً وأقام الصلاة على الوجه الذي تقام به وآتي الزكاة بأن له أجره، وافٍ عند ربه يتسلمه يوم الحاجة إليه في عرصات القيامة وأنه لا يخاف مما يستقبله في الحياة الدنيا والآخرة ولا يحزن أيضاً في الدنيا ولا في الآخرة.
٢ في هذا دليل على أنه لا قياس مع، النص، فالمشركون قاسوا الربا على البيع فأبطل الله قياسهم؛ لأن الربا حرام فلا يقاس على البيع الحلال.
٣ روى ابن مسعود أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن الربا وإن كثر فعاقبته إلى قل " أي: إلى قلة ونقصان.