
هي المعرفة بالقرآن، وقيل: النبوة، وقيل: الإصابة في القول والعمل وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ الآية. ذكر نوعين، وهما ما يفعله الإنسان تبرعا، وما يفعله بعد إلزامه نفسه بالنذر، وفي قوله: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وعد بالثواب، وقوله: وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ وعيد لمن يمنع الزكاة أو ينفق لغير الله إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ هي التطوع عند الجمهور لأنها يحسن إخفاؤها وإبداء الواجبة كالصلوات فَنِعِمَّا هِيَ ثناء على الإظهار، ثم حكم أن الإخفاء خير من ذلك الإبداء وما من نعما في موضع نصب تفسير للمضمر والتقدير: فنعم شيء إبداؤها لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ قيل: إنّ المسلمين كانوا لا يتصدقون على أهل الذمة، فنزلت الآية مبيحة للصدقة على من ليس على دين الإسلام، وذلك في التطوع، وأما الزكاة فلا تدفع لكافر أصلا، فالضمير في هداهم على هذا القول للكافر، وقيل: ليس عليك أن تهديهم لما أمروا به من الانفاق، وترك المن والأذى والرياء، والانفاق من الخبيث، إنما عليك أن تبلغهم والهدى بيد الله فالضمير على هذا للمسلمين وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ أي إن منفعته لكم لقوله: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ [فصلت: ٤٦] وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ قيل: إنه خبر عن الصحابة أنهم لا ينفقون إلّا ابتغاء وجه الله، ففيه تزكية لهم وشهادة بفضلهم، وقيل: ما تنفقون نفقة تقبل منكم إلّا ابتغاء وجه الله، ففي ذلك حض على الإخلاص لِلْفُقَراءِ متعلق بمحذوف تقديره: الانفاق للفقراء وهم هنا المهاجرون أُحْصِرُوا حبسوا بالعدو، وبالمرض فِي سَبِيلِ اللَّهِ يحتمل الجهاد والدخول في الإسلام ضَرْباً فِي الْأَرْضِ هو التصرف في التجارة وغيرها يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ أي يظن الجاهل بحالهم أنهم أغنياء لقلة سؤالهم. والتعفف هنا هو عن الطلب. ومن سببية، وقال ابن عطية: لبيان الجنس تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ علامة وجوههم وهي ظهور الجهد والفاقة، وقلة النعمة. وقيل: الخشوع وقيل: السجود لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً الإلحاف: هو الإلحاح في السؤال، والمعنى: أنهم إذا سألوا يتلطفون ولا يلحون، وقيل: هو نفي السؤال والإلحاح معا وباقي الآية وعد
بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً تعميم

لوجوه الإنفاق وأوقاته، قال ابن عباس: نزلت في عليّ فإنه تصدق بدرهم بالليل وبدرهم بالنهار وبدرهم سرا وبدرهم علانية. وقال أبو هريرة: نزلت في علف الخيل الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا أي ينتفعون به، وعبر عن ذلك بالأكل لأنه أغلب المنافع. وسواء من أعطاه أو من أخذه، والربا في اللغة الزيادة، ثم استعمل في الشريعة في بيوعات ممنوعة أكثرها راجع إلى الزيادة، فإنّ غالب الربا في الجاهلية قولهم للغريم: أتقضي أم تربي، فكان الغريم يزيد في عدد المال، ويصبر الطالب عليه، ثم إن الربا على نوعين: ربا النسيئة، وربا التفاضل وكلاهما يكون في الذهب والفضة، وفي الطعام. فأما النسيئة فتحرم في بيع الذهب بالذهب وبيع الفضة بالفضة وفي بيع الذهب بالفضة، وهو الصرف، وفي الطعام «١» بالطعام مطلقا، وأما التفاضل: فإنما يحرم في بيع الجنس الواحد بجنسه من النقدين ومن الطعام، ومذهب مالك أنه يحرم التفاضل في المقتات المدخر من الطعام، ومذهب الشافعي أنه يحرم في كل طعام، ومذهب أبي حنيفة أنه يحرم في المكيل والموزون من الطعام وغيره لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ أجمع المفسرون أن المعنى لا يقومون من قبورهم في البعث إلّا كالمجنون، ويتخبطه يتفعله من قولك: خبط يخبط، والمس الجنون، ومن تتعلق بيقوم ذلِكَ بِأَنَّهُمْ تعليل للعقاب الذي يصيبهم، وإنما هذا للكفار، لأن قولهم: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا: ردّ على الشريعة وتكذيب للإثم وقد يأخذ العصاة بحظ من هذا الوعيد، فإن قيل: هلا قيل إنما الربا مثل البيع، لأنهم قاسوا الربا على البيع في الجواز، فالجواب: أن هذا مبالغة، فإنهم جعلوا الربا أصلا حتى شبهوا به البيع وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ عموم يخرج منه البيوع الممنوعة شرعا، وقد عددناها في الفقه ثمانين نوعا وَحَرَّمَ الرِّبا ردّ على الكفار وإنكار للتسوية بين البيع والربا، وفي ذلك دليل على أن القياس يهدمه النص، لأنه جعل الدليل على بطلان قياسهم تحليل الله وتحريمه فَلَهُ ما سَلَفَ أي له ما أخذ من الربا، أي لا يؤاخذ بما فعل منه قبل نزول التحريم وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ الضمير عائد على صاحب الربا، والمعنى أن الله يحكم فيه يوم القيامة، فلا تؤاخذوه في الدنيا، وقيل: الضمير عائد على الربا، والمعنى أن أمر الربا إلى الله في تحريم أو غير ذلك وَمَنْ عادَ الآية: يعني من عاد إلى فعل الربا وإلى القول: إنما البيع مثل الربا،