آيات من القرآن الكريم

فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ

الله، ويجوز أن يكون معناه (وادعوا شهداءكم الذين لكم من دون الله)، فإن الاستعانة به ليس بكم، وعلقه بقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ - تنبيهاًَ أن إقامة الدلالة على الشيء الصدق ليس يقصر، فعجزكم عنه دلالة على أنكم كاذبون في دعواكم.
قوله - عز وجل -: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾.
الآية: (٢٤) - سورة البقرة.
لفظ الفعل أعم من معنى سائر أخواته، نحو: العمل، والصنع، والإبداع، والإحداث، والخلق والكسب وذاك أن الإبداع أكثر ما يقال في إيجاد عين عن عدم، وليس حقيقة ذلك إلا الله تعالى، والأحداث يقال في إيجاد الأعيان والأعراض معاً، والعمل لا يقال إلا ما كان عن فكر وروية، ولهذا قرن بالعلم، فقيل: علم وعمل، حتى قال بعض الأدباء: " قلب لفظ " العمل عن لفظ " العلم " تنبيهاً أنه من مقتضاه، والصنع يقال لإيجاد الصورة في المواد كالصياغة والبناء فإن الصائغ يوجد صورة الخاتم والخلخال في الذهب والفضة، والبناء يوجد صورة البناء في الطين، والكسب أكثر ما يقال في اجتلاب المنافع، وقد يقال أيضاً في اجتلاب المضار مقيداً، والخلق قد تقدم القول فيه، وقد أمر الله بالتقوى على ثلاثة أوجه، وخص بكل وجه عصابة من الناس وذلك بحسب اختلاف مراتبهم من العلم ومكانهم من الإيمان، فالأول: حث الإنسان على اتقاء عقوبة الله برؤية ذنوبه، وذلك في قوله: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ والثاني: حث على

صفحة رقم 119

اتقائه بروية آلائه ونعمه لقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾ والثالث: حث على تقواه برؤية وحدانيته دون الوسائط وذلك في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾.
وجعلها على ثلاثة مراتب حسب ما سنه تعالى في سياسة الأصناف الثلاثة من الناس الخاصة والعامة، وبهذا الاعتبار قسمهم تعالى ثلاثة أقسام في قوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ وأشرف هذه المنازل " تقوى الله " تعالى من غير رؤية الوسايط بلا مخالفة ولا رجاء، ولذلك عظم ثوابه بقوله: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ وهم الاتقون المعنيون بقوله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ والمعبر عنهم بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ والوقود: الحطب الذي يوقد به، ولذلك فسر بأنه دقاق الحطب، لأنه الدقاق الذي يوقد به، ولما كانت نار الدنيا محتاجة إلى دقاق توقد به، ونار جهنم مستغنية عن ذلك، بل يكتفي في إيقادها بالناس وبالحجارة التي ليست من عادة النيران المشاهدة أن يتقدبها عظم أمرها ومن قال: أراد بذلك حجارة " الكبريت " فإنما عنى أن الحجارة لتلك النار كحجارة الكبريت لنار الدنيا، وقوله: أعدت أصله في العدد وهو الإحصاء، لكن العد يتجوز به على أوجه فيقال: شيء معدود ومحصور للقليل مقابلة بما لا يحصى كثرة، ويقال على الضد من ذلك، وجيش عديد، وإنهم لذو عدد، أي: كثيرة، وذلك مقابلة بما لا يحتاج إلى حصره وتعداده لقلته، ولهذا قيل: أعددت هذا لكذا، أي جعلته معادا للمعد له، يتناول منه بحسب حاجته إليه وقد ألزمهم الله تعالى بهذه الآية الحجة بأنكم إن أتيتم بمثله، فقد أدخصتم حجته،

صفحة رقم 120

وإن لم تأتوا به لزمتكم الحجة، ووجب عليكم أن تتقوا عقابه.
وفصل بين الشرط والجزاء بحكم جزم أن لا تأتوا بمثله، وذلك زيادة في إعجازه لوجود مخبره على ما أخبر به وذلك مثل قوله: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ الآية، فإن قيل كيف خص الكافرين بالنار دون الفاسقين؟ قيل: يجوز أن يكون أراد أن هذا الضرب من النار يختص به الكفار، وهي المخصوصة أيضاً بقوله: ﴿أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ وقوله: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ ثم إذا قيل: " أعد هذا لزيد " لا يقتضي أن لا يكون معداً لغيره، بل قد يكتفي بأعظم الشيئين عن الآخر نحو قوله: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ لم يذكر معه البرد، فيكون النار على هذا الوجه للجنس، وعلى الأول للنوع..

صفحة رقم 121
تفسير الراغب الأصفهاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى
تحقيق
هند بنت محمد سردار
الناشر
كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
سنة النشر
1422
عدد الأجزاء
2
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية