
٢٤ - قوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ الآية.
(لم) حرف يجزم الفعل المضارع، ويقع بعدها بمعنى الماضي، كما يقع الماضي بعد حرف (١) الجزاء بمعنى الاستقبال، ولهذه المشابهة بينها وبين حروف الجزاء اختير الجزم بـ (لم) (٢) وإنما جزمت حروف الشرط والجزاء، لأنها تقتضي جملتين كقولك: (إن تضرب أضرب) فلطول ما يقتضيه الشرط والجزاء (٣) اختير الجزم، لأنه حذف وتخفيف.
وأما (لن) (٤) فهي حرف قائم بنفسه، وضع لنفس الفعل المستقبل، ونصبه للفعل كنصب (أن). وليس ما بعد (لن) بصلة لها (٥)، لأن (لن يفعل) (٦) نفى سيفعل، وتُعْمِل ما بعدها فيما (٧) قبلها، كقولك: (زيدا لن أضرب) (٨).
(٢) ذهب الزجاج إلى أنها جزمت الفعل بعدها، لأنها نقلته من المستقبل إلى الماضي، ولأن ما بعدها خرج من تأويل الاسم. انظر "معاني القرآن" ١/ ٦٦ - ٦٧، ونحوه قال الليث فيما نقل عنه الأزهري في "تهذيب اللغة" (لم) ٤/ ٣٢٩٤، وكذا الرماني في "معاني الحروف": ص ١٠٠. وقد رد أبو علي الفارسي قول الزجاج وأطال في بيان عدم صحته. انظر. "الإغفال". ص ٩٥ - ١٠١.
(٣) (الجزاء) ساقط (ب).
(٤) في (ب): (لم).
(٥) فلا تؤول معه بمصدر كما تؤول (أن) وما بعدها بمصدر.
(٦) (لن) ساقطة من (ب).
(٧) في (ب): (فما).
(٨) ذكره الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ١٣٤ - ١٣٥، وانظر: "تهذيب اللغة" (لن) ٤/ ٣٣٠٣، "معاني الحروف" للرماني: ص ١٠٠، "البحر المحيط" ١/ ١٠٢، "الدر المصون" ١/ ٢٠٣.

وروى سيبويه عن بعض أصحاب الخليل عنه أنه (١) قال: الأصل في (لن) (٢)، (لا أن) ولكنها حذفت تخفيفا (٣).
وزعم سيبويه أن هذا ليس بجيد، ولو كان كذلك لم يجز (زيدا لن أضرب) لأن ما بعد (أن) لا يعمل فيما قبلها، لأن ذلك يؤدي إلى تقديم الصلة على الموصول (٤).
وللخليل أن ينفصل من هذا بأن يقول: الحروف إذا ركبت خرجت عما كانت عليه، ألا ترى أن (هل) أصلها الاستفهام، ولا يجوز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها، لو قلت (٥): (زيدا هل ضربت) لم يجز، فإذا زِيدَ (٦) على (هل) (لا)، ودخلها (٧) معنى التحضيض، جاز أن يتقدم ما بعدها عليها، كقولك: (زيدا هلا ضربت) (٨) إلا أن قول الخليل ضعيف في الجملة من
(٢) في (ب): (أن).
(٣) حذفت الهمزة استخفافا، ثم حذفت الألف من (لا) لالتقاء الساكنين فصارت الكلمة على حرفين، "المسائل الحلبيات": ص ٤٥.
(٤) انظر رد سيبويه على الخليل في "الكتاب" ٣/ ٥، وانظر "معاني القرآن" الزجاج ١/ ١٣٤ - ١٣٥، "المسائل الحلبيات": ص ٤٥، "معاني الحروف" للرماني: ص١٠٠، والرأي المشهور فيها كما عند سيبويه وغيره أنها حرف بسيط ثنائي غير مركب، انظر: "البحر" ١/ ١٠٢، "الدر المصون" ١/ ٢٠٤.
(٥) (قلت) ساقطة من (ب).
(٦) (فإذا زيد) ساقط من (ب).
(٧) في (ب): (ولا دخلها).
(٨) ذكر هذا الدفاع عن قول الخليل الرماني في "معاني الحروف": ص ١٠٠، ونحوه قال أبو علي في "المسائل الحلبيات": ص ٤٦.

وجه آخر، وهو أن اللفظ متى جاء على صيغة (١) ما، وأمكن استعمال معناه لم يجز أن يعدل عن ظاهره (٢) إلى غيره من غير ضرورة تدعو إلى ذلك، فلما وجدنا (لن) (٣) معناها مفهوم بنفس لفظها، لم يجز أن يدعى أن (٤) أصلها شيء آخر من غير حجة قاطعة، ولا ضرورة (٥). ومعنى الآية: فإن لم تفعلوا فيما مضى، ولن تفعلوا فيما يستقبل أبدا (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ كلام (٧) معترض بين الشرط والجواب (٨). وقد يقع الاعتراض بين الشرط والجواب كهذا، وبين المبتدأ والخبر كقولك: (زيد فافهم ما أقول رجل صدق) وبين اسم (إن) وخبرها، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ﴾ الآية [الكهف: ٣٠]. فقوله: (إنا لا نضيع) اعتراض، والخبر: (أولئك).
وقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا النَّارَ﴾. أي: فاحذروا أن تصلوا النار بتكذيبكم، وإنما قيل لهم هذا بعد أن ثبتت الحجة عليهم في التوحيد
(٢) في (ب): (ظاهر).
(٣) في (ب): (إن).
(٤) (أن) ساقطة من (ج).
(٥) فتكون (لن) حرف نفي بسيط ثنائي غير مركب، ولا يعدل بها عن هذا الأصل إلا بدليل، انظر: "البحر" ١/ ١٠٢.
(٦) ذكره الثعلبي ١/ ٥٧ب، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٦٧، "تفسير أبي الليث" ١/ ١٠٣، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٠٣، "زاد المسير" ١/ ٥١، "تفسير القرطبي" ١/ ٢٠١.
(٧) في (ب): (الكلام).
(٨) انظر: "الكشاف" ١/ ٢٤٧، "البحر" ١/ ١٠٧، "الدر المصون" ١/ ٢٠٣.

وصدق محمد ﷺ (١).
و (الفاء) في قوله: ﴿فَإِنْ لَمْ﴾ للعطف، وفي قوله: ﴿فَاَتَّقُواْ﴾ للإتباع دون العطف (٢).
وإنما (٣) اختاروا (الفاء) من قبل أن الجزاء سبيله أن يقع ثاني الشرط، وليس في جميع حروف العطف حرف يوجد هذا المعنى فيه سوى (الفاء). فدخلت (الفاء) في جواب الشرط توصلا إلى المجازاة بالجملة المركبة من المبتدأ والخبر، والكلام (٤) الذي يجوز أن يبتدأ به نحو: الأمر والنهي (٥)، فالجملة (٦) نحو قولك: (إن تحسن إليّ فالله يكافئك) لولا
(٢) ذكر أبو الفتح بن جني أن الفاء إذا وقعت في أوائل الكلم، وهي ليست من أصل الكلمة، فإنها على ثلاثة أضرب: ضرب تكون للعطف والإتباع جميعًا، وضرب تكون فيه للإتباع مجردا من العطف، وضرب تكون فيه زائدة، انظر "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٢٥١. وتكون للإتباع دون العطف إذا وقعت في جواب الشرط، كما في قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا﴾، انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٤٩، "الدر المصون" ١/ ٢٠٣.
(٣) الكلام عن الفاء إذا وقعت في جواب الشرط، نقله الواحدي عن كتاب "سر صناعة الإعراب" لأبي الفتح بن جني، قال أبو الفتح: (... وإنما اختاروا الفاء هنا من قبل أن الجزاء سبيله أن يقع ثاني الشرط... فإن قيل: وما كانت الحاجة إلى الفاء في جواب الشرط؟ فالجواب: أنه إنما دخلت الفاء في جواب الشرط توصلا إلى (المجازاة..)، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٥٢.
(٤) في "سر صناعة الإعراب": (.. أو الكلام..) وفي هامشه في (ل) و (ش): (والكلام) ١/ ٢٥٣.
(٥) قوله: (نحو: الأمر والنهي)، ليست عند أبي الفتح ١/ ٢٥٣.
(٦) في (ب): الجملة.

(الفاء) لم يرتبط أول الكلام بآخره (١).
ومن ذلك قولك (٢): (إن يقم فاضربه) فالجملة التي هي: (اضربه) جملة أمرية، وكذلك: (إن (٣) يقعد فلا تضربه) جملة (٤) نهيية، وكل واحدة (٥) من الجملتين يجوز أن يبتدأ بهما (٦)، فلما كان الابتداء بها يصح وقوعه في الكلام، احتاجوا إلى (الفاء) ليدلوا على أن مثالي الأمر والنهي ليسا على ما يعتد (٧) في الكلام (٨) من وجودهما مبتدأين غير معقودين بما قبلهما (٩).
وقوله تعالى: ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ﴾. قال ابن السكيت: (الوقود) بالضم، المصدر يقال: وَقَدت النار، تَقِدُ (١٠) وُقُوداً (١١). ويقال: ما أجود هذا الوَقُود للحطب (١٢).
(٢) (قولك) ساقط من (ب).
(٣) في (ب): (إن تفعل).
(٤) عند أبي الفتح (فقولك لا تضربه جملة نهيية) ١/ ٢٥٣.
(٥) في (ب): (واحد).
(٦) في (ب): (بها) ومثله عند أبي الفتح ١/ ٢٥٣.
(٧) عند أبي الفتح: (يعهد).
(٨) في (ب): (ليسا على ما بعد بما قبلهما في الكلام).
(٩) انتهى نقل الواحدي من أبي الفتح من كتاب "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٥٢ - ٢٥٣.
(١٠) في (ج): (يقد) وفي (أ) غير منقوط. وأثبت ما في (ب).
(١١) في (ب): (وقود).
(١٢) في (ب): (الحطب). "إصلاح المنطق": ص ٣٣٢، والنص من "تهذيب اللغة" (وقد) ٤/ ٣٩٢٩.

وقال غيره (١): وَقَدَت النار، تَقد وَقُوداً (٢) وَوُقُوداً، وكأن الوقود اسم وضع موضع المصدر. [فالضم: المصدر] (٣)، والفتح (٤): الاسم، ويجوز أن يكون مصدراً (٥).
و (الحجارة) جمع حجر، وليس بقياس، ولكنهم قالوه كما قالوا: جمل وجِمَالة، وذكر وذِكَارة، والقياس أحجار (٦). وجاء في التفسير أن (٧) الحجارة هاهنا: حجارة الكبريت، عن ابن عباس وغيره (٨).
(٢) من قوله: (ويقال: ما أجود هذا الوقود... إلى قوله: تقد وقودا) مكرر في (أ) و (ج).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٤) في (ب) (وانفتح).
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج: ص ٦٧، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٢٩، و"الطبري" ١/ ١٦٩، والثعلبي ١/ ٥٧ ب.
(٦) ذكر الأزهري نحوه عن الليث. "تهذيب اللغة" (حجر) ١/ ٧٤٦، "اللسان" (حجر) ٢/ ٧٨١.
(٧) (أن) ساقط من (ب).
(٨) أخرجه "الطبري" بسنده عن ابن مسعود وابن عباس وابن جريج ١/ ١٦٨ - ١٦٩، وذكره ابن أبي حاتم عن مجاهد والسدي وعمرو بن دينار، ١/ ٦٤/ ٦٥، وانظر "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٠، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٧، "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٧ ب. ذكر الثعلبي في الحجارة قولا آخر، وهو أن المراد بها: الأصنام، ودليله قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨]، وذكره بعض المفسرين، انظر "الكشاف" ١/ ٢٥٢، "القرطبي" ١/ ٢٥٢، "الدر" ١/ ٧٨. قال الزمخشري رادًا على من قال: إنها حجارة الكبريت: (وهو تخصيص بغير دليل، وذهاب عما هو المعنى =

فهي (١) أشد لاتقاد النار.
وقيل: ذكر الحجارة دليل على عظم تلك النار، لأنها لا تأكل الحجارة إلا كانت فظيعة (٢).
وقوله: ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ﴾ لا يدل (٣) على أنها غير مخلوقة بأن الناس لم (٤) يدخلوها بعد، لأنها متقدة (٥) بغير الناس، فإذا دخلها الناس صاروا وقودها، وفي قوله: ﴿أُعِدَّتْ﴾ أوضح دلالة على وجودها، لأن المعدوم لا يسمى مُعَدَّا (٦).
وإنما قال: ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ وإن (٧) كان العصاة من المسلمين
(١) في (ب) و (ج): (وهي).
(٢) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٧ ب، "الكشاف" ١/ ٢٥٢، والرازي ١/ ١٢٢.
(٣) في (ج): (لا تدل).
(٤) في (ج): (لا).
(٥) في (أ) و (ج) (متقد)، وأثبت ما في (ب)، لأنه أنسب للسياق.
(٦) ذكره الثعلبي ١/ ٥٧ ب، وهذا منهج أهل السنة وهو: أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، وذهب بعض المبتدعة من المعتزلة والجهمية إلى أنهما لم تخلقا بعد، وأنهما ستخلقان، انظر. "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٠٤ - ٢٠٥. "لقرطبي" ١/ ٢٠٣. وابن كثير ١/ ٦٦. والبيضاوي ١/ ١٦. "البحر" ١/ ١٠٨.
(٧) في (ب): (فإن).