
وقال ابن إسحاق: " المرأة تنال من اللذة مثل ما ينال الرجل، وله الفضل بنفقته وقيامه، وما ساق من الصداق فهي الدرجة ".
قوله: ﴿الطلاق مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ أي: فعليكم إمساك، هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه؛ وذلك أن الرجل كان يطلق امرأته ما شاء من الطلاق، فإذا كادت تحل راجعها، فنسخ الله ذلك بأنه إذا طلق ثلاثاً، لم تحل له إلا بعد نكاح زوج آخر.
وقيل: إنها منسوخة بقوله: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١] وقيل: هي محكمة، وقوله: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ تبيين لقوله: ﴿الطلاق مَرَّتَانِ﴾.
ومن قال: إنها محكمة منهم، قال: " لا ينبغي أن يطلق إلا اثنتين، ثم إن شاء طلق الثالثة أو أمسك لقوله: ﴿الطلاق مَرَّتَانِ﴾. قاله عكرمة.
وقال الشافعي: " يطلقها في كل ظهر لم يجامعها فيه ما شاء ".

وقال أكثر الناس: " يطلقها في كل طهر طلقة واحدة ".
ومعنى ﴿الطلاق مَرَّتَانِ﴾: أي: الطلاق الذي يجوز معه الرجعة وتملك المرأة بعده مرتان، فهو تبيين للعدد.
[وقوله]: ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان﴾.
هي الثالثة التي لا أملك للرجل على المرأة بعدها، روي ذلك عن النبي [عليه السلام].
وقيل: / معنى ﴿تَسْرِيحٌ بإحسان﴾: يتركها فلا يراجعها حتى توفي عدتها.
وعن ابن عباس: ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان﴾: " لا يظلمها من حقها شيئاً ".
قال ابن عباس: " ﴿وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً﴾ [النساء: ٢١] هو ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾، أي صحبة حسنة، أو ﴿تَسْرِيحٌ بإحسان﴾، لا يظلمها من حقها شيئاً ".
قوله: ﴿وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً﴾.

أي مما أعطيتموهن إذا أردتم/ فراقهن.
قوله: ﴿إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله﴾.
اختار أبو عبيد الضم في ﴿يَخَافَآ﴾ على قراءة حمزة، واحتج بقوله: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ﴾، فجعل الخوف لغيرهما، ولم يقل: " فإن خافا " وفيه حجة لمن جعل الخلع إلى السلطان ".
والخوف هنا عند إبي عبيدة بمعنى اليقين. وهذا النص إنما هو في الخلع الذي يكون بين الزوجين، فيأخذ منها ما اتفقا عليه، ويتركها لقوله: ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ﴾.
ولا يحل للزوج أن يأخذ من المرأة شيئاً على طلاقها إذا كانت المضارة من قبله، وإنما يأخذ منها على الطلاق إذا كانت هي التي كرهته، وأحبت فراقه من غير مضارة منه لها.

وهذه لآية عند بعضهم منسوخة، ولا يجوز أن يأخذ منها شيئاً نسخها قوله: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُّمُ استبدال زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً﴾ [النساء: ٢٠].
وأكثر الناس على أنها محكمة، وأن له أن يأخذ منها ما اتفقا عليه، وتلك الآية في النساء إنما هي لمن أراد الاستبدال، وهذه لمن خيف منهما ألا يقيما حدود الله، فهما محكمتان.
" وروي أن هذه الآية نزلت في جميلة بنت عبد الله بن أبي [بن] سلول وفي زوجها ثابت بن قيس بن شماس، وكانت تبغضه ويحبها، فأتت أباها فردها ولم يشكها، فصارت إلى النبي ﷺ وقالت: " إن ثابتاً [يظلمني ويضربني]. فأحضر رسول الله ﷺ ثابتاً فقال: " والله يا رسول الله ما على وجه الأرض أحد أحب إلي منها سواك ". فقال للمرأة: " مَا تَقُولينَ؟. فقالت: " يا رسول الله، ما كنت لأخبرك بخبر ينزل عليك الوحي بإبطاله، هو كما وصف، وفرق بيني وبينه ". فقال ثابت: " فترد إلي الحديقة التي جعلتها لها ". فأمرها النبي ﷺ بردها، ثم طلقها "
، كان ذلك أو خلع كان في الإسلام. والخلع

جائر بغير سلطان، وإنما يكون الخلع والافتداء إذا كان النشوز من قبل المرأة.
قال ابن عباس: " هو أن يظهر من المرأة سوء الخلق والعشرة للرجل، فله أن يأخذ ما أعطته ويفارقها، فإن كانت راضية به، فلا يحل له أن يضارر بها حتى تفتدي منه، فإن فعل كان ما أخذ حراماً ".
وإنما الخلع إذا كان الشيء المنكر من قبلها؛ / فتقول: " لا أغتسل لك من جنابة، ولا أَبَرُّ لَكَ قسماً " ثم افتدت منه وخالعها، فذلك جائز حسن.
وقال القاسم بن محمد: " لا يحل الخلع حتى يخافا جميعاً ألا يقيما حدود الله في العشرة الواجبة بينهما ".
وقال زيد بن أسلم: " إذا خافت المرأة ألا تؤدي حق زوجها/ وخاف الرجل ألا يؤدي حق زوجته، فلا جناح في الفدية ".
قال مالك: " الأمر عندنا أن الرجل إذا لم يضر بالمرأة، ولم تُؤتَ من قبله وأحبت

فراقه فحلال ما افتدت به ".
قال: " ولم أرَ أحداً ممن/ يُقتدى به، يكره أن يفتدى بأكثر من صداقها ".
وقال أبو حنيفة: " لا يكون بأكثر مما ساق إليها ".
والخلع طلقة بائنة عند جماعة من الصحابة والتابعين، وهي قول مالك والشافعي وغيرهما من الفقهاء.
وعدتها عدة المطلقة عند مالك والشافعي وغيرهما.
وهو مروي عند جماعة من الصحابة والتابعين.
ولا سبيل لزوج المختلعة إليها إلا بخطبة ونكاح جديد عند مالك والأوزاعي. وهو قول عطاء وطاوس والحسن النخعي والثوري.
وقال ابن المسيب: " يَرُدُّ عليها ما أخذ منها، وليشهد على رجعتها ". وكذلك

قال الزهري.
قال مالك: " عليها أن تكمل بقية عدتها ". وكذلك قال الحسن وعطاء، ثم بعد ذلك يراجعها بنكاح جديد إن شاء.
وقوله: ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾.
أي لا جناح عليها فيما أعطت إذا كان النشوز من قبلها. ولا جناح عليه فيما أخذ إذا كان الضرر من قبلها.
وقيل: ﴿فَلاَ جُنَاحَ/ عَلَيْهِمَا﴾: هو مخاطبة للزوج وحده فيما أخذ منها ليتركها، وهذا كما قال: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ﴾ [الرحمن: ٢٢]، وإنما يخرج من الملح لا من العذب. وكما قال: ﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ [الكهف: ٦١]، وإنما الناسي صاحب موسى. وتقول: " عندي دابتان أركبهما وأسقي عليهما "، وإنما تركب إحداهما.
وقوله: ﴿فِيمَا افتدت بِهِ﴾.
قيل: من صداقها الذي كان أعطاها، لقوله: ﴿مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً﴾ والذي أعطاها هو الصداق فرجع آخر الآية على أولها وكان ذلك أبين وأليق بالكلام. قال ذلك الأوزاعي.