آيات من القرآن الكريم

لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ

عذرة «١» وأصلها فناء الدار لإلقائهم إيّاه بها، ولذبيحة الصبي عقيقة، وأصلها الشعر الذي يولد للصبي، وهو علّة لذبحهم إيّاها عند جلّهم، ونحوها كثير، فحرّم الله نكاح المشركات عقدا ووطئا، ثم استثنى الحرائر الكتابيات فقال: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ.
ثم قال: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ بجمالها ومالها، نزلت في خنساء وكانت سوداء كانت لحذيفة بن اليمان فقال: يا خنساء قد ذكرت في الملأ الأعلى مع سوادك ودمامتك وأنزل الله عزّ وجل ذكرك في كتابه فأعتقها حذيفة وتزوجها.
وقال السدّيّ: نزلت في عبد الله بن رواحة وكانت له أمة سوداء فغضب عليها وآذاها، ثم فزع إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وأخبره بذلك، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم وما هو يا أبا عبد الله قال: هي تشهد أن لا إله إلّا الله وإنك رسوله وتصوم شهر رمضان وتحسن الوضوء وتصلّي فقال: هذه [مؤمنة]، قال عبد الله: فو الّذي بعثك بالحق لأعتقنّها ولأتزوجنها، ففعل وطعن عليه ناس من المسلمين، قالوا: أتنكح أمة؟ وعرضوا عليه حرّة مشركة، وكانوا يرغبون في نكاح المشركات رجاء إسلامهنّ، فأنزل الله تعالى هذه الآية «٢».
ثم قال: وَلا تَنْكِحُوا ولا تزوّجوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ بماله وحسن حاله.
وعن مروان بن محمد قال: سألت مالك بن أنس عن تزويج العبد فقال: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ.
أُولئِكَ يَدْعُونَ يعني المشركين إِلَى النَّارِ أي إلى الحال الموجبة للنار وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ أوامره ونواهيه لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ يتّعظون.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٢٢ الى ٢٢٥]
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢) نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٢٢٣) وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤) لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥)
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ الآية عطاء بن السائب عن سعد بشير عن ابن عباس ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ما سألوا النبي عن ثلاث عشرة

(١) العذرة: فناء الدار سمّيت بذلك لأن العذرة كانت تلقى في الأفنية.
(٢) تفسير ابن كثير: ١/ ٢٦٥.

صفحة رقم 155

مسألة حتّى [نزل ذكرهنّ] في القرآن: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ «١» يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ «٢» وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ «٣» يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ «٤» ويَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ «٥» يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى «٦» وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ «٧» يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي «٨» وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي «٩» يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ «١٠» يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ «١١» وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ «١٢» وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ «١٣».
قال المفسرون: كانت العرب في الجاهلية إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يساكنوها في بيت ولم يجالسوها على فراش كفعل المجوس واليهود.
فسأل أبو الدحداح ثابت بن الدحداح رسول الله عن ذلك وقال: يا رسول الله كيف نصنع بالنساء إذا حضن؟ فأنزل الله وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ أي الحيض
، وهو مصدر قولك حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا، مثل السير والمسير، والعيش والمعيش، والكيل والمكيل. وأصل الحيض الانفجار يقال: حاضت الثمرة إذا سال منها شيء كالدم.
قُلْ هُوَ أَذىً أي قذر، قاله قتادة والسّدّي، وقال مجاهد والكلبي: دم، والأذى ما يعمّ ويكره من شيء فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ اعلم إنّ الحيض يمنع من تسعة أشياء: من الصلاة جوازا ووجوبا ومن الصوم جوازا ثم يلزمها قضاء الصوم ولا يلزمها قضاء الصلاة.
عاصم الأحول عن معادة العدوية أن امرأة سألت عائشة فقالت: الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة فقالت لها: أحروريّة أنت؟ فقالت: ليست بحروريّة ولكني أسأل، فقالت:
كان يصيبنا ذلك على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
عياض عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداهنّ، فقلن له: وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله؟
قال: أليس شهادة المرأة على مثل نصف شهادة الرجل فذاك من نقصان عقلها؟ أو ليس إذا

(١) سورة البقرة: ٢١٧.
(٢) سورة البقرة: ٢١٥.
(٣) سورة البقرة: ٢١٩.
(٤) سورة البقرة: ١٨٩. [.....]
(٥) سورة البقرة: ٢١٩.
(٦) سورة البقرة: ٢٢٠.
(٧) سورة البقرة: ٢٢٢.
(٨) سورة الأعراف: ١٨٧.
(٩) سورة البقرة: ١٨٦.
(١٠) سورة الأنفال: ١.
(١١) سورة الإسراء: ٨٥.
(١٢) سورة الكهف: ٨٣.
(١٣) سورة طه: ١٠٥.

صفحة رقم 156

حاضت المرأة لم تصلّ ولم تصم؟ فقلن بلى قال: فذلك من نقصان دينها.
وتمنع أيضا من قراءة القرآن وقد رخص فيها مالك بعض الرخصة إذا طالت المدّة احترازا من نسيان القرآن، والفقهاء على خلافه، وتمنع من مسّ المصحف، ودخول المسجد والاعتكاف فيه، ومن الطواف بالبيت ومن الاحتساب بالعدة ومن الوطء قال الله تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ
فلمّا نزلت هذه الآية عمد المسلمون الى النساء الحيّض فأخرجوهنّ من البيوت واعتزلوهنّ فإذا اغتسلنّ ردّوهن الى البيت، فقدم بعض من أعراب المدينة فشكوا عزل الحيض معهم وقالوا: يا رسول الله إنّ البرد شديد والثياب قليلة فإن آثرناهنّ بالثياب حال بنا وأهل البيت برد، وإن آثرتا بالثياب هلكت الحيض، وليس كلنا يجد سعة لذلك فيوسع عليهم جميعا، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهنّ إذا حضن، ولم يأمركم بإخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم، وقرأ عليهم هذه الآية.
الناصري عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«من وطئ امرأته وهي حائض فقضى منهما ولد فأصابه جذام فلا يلومنّ إلّا نفسه، ومن احتجم يوم السبت والأربعاء فأصابه ضرر واضح فلا يلومنّ إلّا نفسه» [١٣١] «١».
وإن جامعها أثم ولزمته الكفارة، وهي ما
روى ابن أبي المخارق عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّ رجلا جامع امرأته وهي حائض قال: إن كان دما عبيطا فليتصدّق بدينار، وإن كان صفرة فنصف دينار «٢».
ولا بأس باستخدام الحائض ومباشرة بدنها إذا كانت مؤتزرة وبالاستمتاع بها فوق الإزار.
قيل لمسروق: ما يحلّ للرجل من امرأته إذا كانت حائضا؟ قال: كل شيء إلّا الجماع.
وعن ربيعة بن عبد الرحمن أنّ عائشة كانت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مضطجعة في ثوب واحد وأنها وثبت وثبة شديدة فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما لك لعلّك نفست- يعني الحيضة- قالت: نعم، قال: شدّي عليك إزارك ثم عودي لمضجعك» [١٣٢] «٣».
معاذ بن هشام عن أبيه عن يحيى عن أبي سلمة أنّ زينب بنت أبي سلمة حدّثت أن أم سلمة حدّثتها قالت: بينا أنا مضطجعة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الخميلة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنفست؟ قلت: نعم، فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة «٤».

(١) مجمع الزوائد: ٤/ ٢٩٩، والمعجم الأوسط للطبراني: ٣/ ٣٢٦، وليس فيهما مسألة الحجامة.
(٢) سنن الدارمي: ١/ ٢٥٥.
(٣) الدر المنثور: ١/ ٢٥٩.
(٤) السنن للنسائي: ١/ ١٥٠، وصحيح البخاري: ١/ ٧٥. ٨٣.

صفحة رقم 157

عن يزيده مولاة ميمونة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ميمونة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار يبلغ إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين «١».
إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم من إناء واحد، ونحن جنبان وكنت أفلي رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو معتكف في المسجد وأنا حائض، وكان يأمرني إذا كنت حائضا أن أتّزر ثم يباشرني.
ثابت بن عبيدة عن القاسم عن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ناوليني الخمرة فقالت: إني حائض فقال: «إنّ حيضتك ليست في يدك» «٢».
وعن شريح قال: قيل لعائشة: هل تأكل المرأة مع زوجها وهي طامث؟ قالت: نعم، كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعوني فآكل معه وأنا حائض، وكان يأخذ العرق فيقسم عليّ فيه فأعرّق منه، ثم أضعه فيأخذ فيعرّق منه ويضع فمه حيث وضعت فمي من العرق ويدعو بالشراب فيقسم عليّ قبله أن أشرب منه فآخذه وأشرب منه، ثم أضعه فيأخذه ويشرب منه ويضع فمه حيث وضعت فمي من القدح.
فدلّت هذه الأخبار على أنّ المراد بالاعتزال عن الحيض جماعهنّ، وذلك أن المجوس واليهود كانوا يجتنبون الحيّض في كل شيء، وكان النصارى يجامعوهن ولا يبالون بالحيض، فأنزل الله تعالى بالاقتصاد بين هذين الأمرين، وخير الأمور أوسطها.
ثابت عن أنس قال: أنزل الله عزّ وجلّ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: افعلوا كل شيء إلّا الجماع، فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل، لم يدع من أمرنا شيئا إلّا خالفنا فيه، فجاء أسد بن حصين وعباد بن شبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالا: يا رسول الله إنّ اليهود قالت كذا وكذا، أفلا نجامعهنّ؟ فتغيّر وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فظنّا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأرسل في آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما.
وَلا تَقْرَبُوهُنَّ يعني لا تجامعوهنّ، حَتَّى يَطْهُرْنَ قرأ ابن محيص والأعمش وعاصم وخمرويه والكسائي يطّهّرن بتشديد الطاء والهاء ومعناه يغتسلن، يدلّ عليه قراءة عبد الله حتّى يتطهّرن بالتاء على الأصل، وقرأ الباقون يَطْهُرْنَ مخففا ومعناه حَتَّى يَطْهُرْنَ من حيضهنّ وينقطع الدم.

(١) المحلى لابن حزم: ١٠/ ٧٨. [.....]
(٢) مسند أحمد: ٦/ ٤٥. ١١٢، وصحيح مسلم: ١/ ١٦٨.

صفحة رقم 158

واختلف الفقهاء في الحائض متى يحلّ وطؤها، فقال أبو حنيفة وصاحباه: إذا حاضت المرأة بعشرة أيام حلّ وطؤها دون أن تغتسل، فإن طهرت لما دون العشرة لم يحلّ وطؤها إلّا بإحدى ثلاث: قلت أن تغتسل أو يمضي بها أقرب وقت الصلاة، فيحكم لها بذلك حكم الطاهرات في وجوب الصلاة في زمنها أو تيمما عند عدم الماء.
مجاهد وطاوس وعطاء: إذا طهرت الحائض من الدم وأخذ زوجها شبق، فإن غسلت فرجها وتوضأت ثم أتاها جاز.
وقال الشافعي: لا يحلّ وطء الحائض إلّا يحين انقطاع الدم والاغتسال، وهو قول سالم ابن عبد الله وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد وابن شهاب والليث بن سعد وزفر وقال الحسن البصري: إذا وطئ الرجل امرأته بعد انقطاع الدم قبل أن تغتسل فعليه من الكفارة مثل ما على من يطأ الحائض، فمن قرأ حَتَّى يَطْهُرْنَ بالتشديد فهو حجّة للمبيحين، والدليل على أنّ وطأها لا يجوز ما لم تغتسل أن الله عزّ وجل علّق جواز وطئها بشرطين فلا تحل قبل حصولهما، وهما: قوله عزّ وجل حَتَّى يَطْهُرْنَ وقوله فَإِذا تَطَهَّرْنَ أي اغتسلن دليله قوله وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ولا يجهد الإنسان على ما لا صنع له فيه، والاغتسال فعلها وانقطاع الدم ليس من فعلها، ويدلّ عليه أيضا قوله في النساء والمائدة وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا واطّهر واحد وهو الاغتسال فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ أي من حيث أمركم أن تعتزلوهن منه وهو الفرج، قاله مجاهد وإبراهيم وقتادة وعكرمة.
الوالبي عن ابن عباس يقول: وطأهنّ في الفرج، ولا تعدوه إلى غيره فمن فعل شيئا من ذلك فقد اعتدى «١».
الربيع بن عبيد: نهيتم عنه واتقوا الأدبار، وإنما قال: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ لأنّ النهي أيضا أمر بترك المنهي عنه.
وقال قوم: قوله: فَأْتُوهُنَّ من الوجه الذي أَمَرَكُمُ اللَّهُ أن تأتوهنّ وهو الطهر، فكأنه قال: فأتوهنّ من قبل طهرهنّ لا من قبل حيضهنّ، وهو قول ابن رزين والضحّاك ورواية عطية عن ابن عباس.
ابن الحنفية: فأتوهنّ من قبل الحلال دون الفجور.
ابن كيسان: لا تأتوهنّ صائمات ولا معتكفات ولا محرمات، وأتوهنّ، واقربوهنّ وغشيانهنّ لكم حلال.

(١) تفسير الطبري: ٢/ ٥٢٦.

صفحة رقم 159

الفرّاء: مثل قولك: أتيت الأرض من مأتاه أي من الوجه الذي يؤتى منه.
الواقدي معناه مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ وهو الفرج، نظيره في سورة الملائكة والأحقاف أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أي في الأرض، وقوله إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أي في يوم الجمعة.
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ قال مجاهد عن ابن رزين والكلبي إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ من الذنوب الْمُتَطَهِّرِينَ من أدبار النساء أن لا يأتوها.
وقال: من أتى المرأة في دبرها فليس من المتطهّرين، فإن دبر المرأة مثله من الرجل.
مقاتل بن حيّان التَّوَّابِينَ من الذنوب والْمُتَطَهِّرِينَ من الشرك والجهل.
كنت عند أبي العالية يوما فتوضأ وضوءا حسنا فقلت إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ فقال: الطهور من الماء حسن ولكنهم المتطهرون من الذنوب.
سعيد بن جبير التَّوَّابِينَ من الشرك والْمُتَطَهِّرِينَ من الذنوب.
وعن أبي العالية أيضا التَّوَّابِينَ من الكفر والْمُتَطَهِّرِينَ بالإيمان.
ابن جريج عن مجاهد التَّوَّابِينَ من الذنوب لا يعودون لها والْمُتَطَهِّرِينَ هنا لم يصبوها.
قال الثعلبي: وسمعت أبا القاسم بن محمد بن حبيب يقول: سألت أبا الحسن علي بن عبد الرحيم القنّاد عن هذه الآية قال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ من الكبائر والْمُتَطَهِّرِينَ من الصغائر. التَّوَّابِينَ من الأفعال والْمُتَطَهِّرِينَ من الأقوال.
التَّوَّابِينَ من الأقوال والأفعال والْمُتَطَهِّرِينَ من العقود والإضمار. التَّوَّابِينَ من الآثام والْمُتَطَهِّرِينَ من الاجرام. التَّوَّابِينَ من الجرائر، والْمُتَطَهِّرِينَ من خبث السرائر. التَّوَّابِينَ من الذنوب والْمُتَطَهِّرِينَ من العيوب.
والتواب الذي كلما أذنب تاب، نظيره قوله فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً.
محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مرّ رجل ممن كان قبلكم في بني إسرائيل بجمجمة فنظر إليها فقال: أي ربّ أنت أنت، وأنا أنا، أنت العوّاد بالمغفرة، وأنا العوّاد بالذنوب، ثم خرّ ساجدا فقيل له: ارفع رأسك فأنا العوّاد بالمغفرة، وأنت العوّاد بالذنوب فرفع رأسه فغفر له» [١٣٣] «١».

(١) كنز العمال: ٤/ ٢٢٦ ح ١٠٢٧٦.

صفحة رقم 160

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ الآية،
جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:
جاء عمر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ما الذي أهلكك؟ قال: حوّلت رحلي البارحة فلم يردّ عليّ شيئا فأوحى الله تعالى نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ يقول أقبل وأدبر واتق الدّبر والحيضة «١».
محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: كان اليهود يقولون: من جامع امرأته وهي مجبّية من دبرها في قبلها كان ولدها أحول، فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
كذبت اليهود فأنزل الله تعالى نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ «٢».
مجاهد عن ابن عباس قال: كان هذا الحي من الأنصار، وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود، وهم أهل كتاب، وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من شأن أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلّا على حرف، وذلك أيسر ما يكون للمرأة، فكان هذا الحي من الأنصار يأخذون بذلك من فعلهم، وكان هذا الحي من قريش يشرح عن النساء شرحا منكرا، ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فلمّا قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف فإن شئت فاصنع وإلّا فاجتنبني، حتى انتشر أمرهما فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله عزّ وجلّ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ يعني موضع الولد «٣» قالوا: حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ مدبرات ومقبلات ومستلقيات.
قال الحسن وقتادة والمقاتلان والكلبي تذاكر المهاجرون والأنصار واليهود إتيان النساء في مجلس لهم فقال المهاجرون: إنّا نأتيهن باركات وقائمات ومستلقيات ومن بين أيديهن ومن خلفهن، بعد أن يكون المأتي واحدا في الفرج، فعابت اليهود وقالت: ما أنتم إلّا أمثال البهائم لكنّا نأتيها على هيئة واحدة، فإنا لنجد في التوراة أن كل إتيان يؤتى للنساء غير الاستلقاء دنس عند الله، ومنه يكون الحول والخبل، فذكر المسلمون ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: يا رسول الله إنّا كنا في جاهليتنا وبعد ما أسلمنا نأتي النساء كيف شئنا، فإنّ اليهود عابت ذلك علينا وزعمت أنّا كذا وكذا، فكذّب الله عزّ وجل اليهود، وأنزل رخصة لهم نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ أي كيف شئتم وحيث شئتم ومتى شئتم بعد أن يكون في [فرج] واحد «٤».
(أَنَّى) حرف استفهام ويكون سؤالا عن الحال والمحلّ.
وقال سعيد بن المسيب: هذا في العزل يعني إن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تعزلوا.

(١) مسند أحمد: ١/ ٢٩٧.
(٢) صحيح مسلم: ٣/ ١٥٦.
(٣) تفسير ابن كثير: ١/ ٢٦٨.
(٤) أسباب النزول للواحدي: ٤٩.

صفحة رقم 161

يحيى بن أبي كثير عن رجل قال: قال عبد الله ستامر الحرّة في العزل ولا تستأمر الأمة، وفي هذه الآية دليل على تحريم أدبار النساء لأنها موضع الفرث لا موضع الحرث، وإنما قال الله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ وهذا من لطف كنايات القرآن حيث عبّر بالحرث عن الفرج فقال: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ أي مزرع ومنبت الولد، وأراد به المحرث المزدرع، ولكنّهن لما كنّ من أسباب الحرث جعلن حرثا.
وقال أهل المعاني: تقدير الآية: نساؤكم كحرث لكم، كقوله تعالى: حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً أي كنار، قال الشاعر:

النشر مسك والوجوه دنانير وأطراف الأكف عنم «١»
والعرب تسمي النساء حرثا، قال المفضل بن سلمة: أنشدني أبي:
إذا أكل الجراد حروث قوم فحرثي همّه أكل الجراد «٢»
وقال الثعلبي: وأنشدني أبو القاسم الحسن بن محمد السدوسي، قال: أنشدني أبو منصور مهلهل بن علي العزّي، قال: أنشدني أبي قال: أنشدنا أحمد بن يحيى:
حبّذا من حبّة الله النبات الصالحات هن النسل والمزروع بهنّ الشجرات
يجعل الله لنا فيما يشاء البركات إنما الأرضون لنا محرثات
فعلينا الزرع فيها وعلى الله النبات «٣»
وقد وهم بعض الفقهاء في تأويل هذه الآية وتعلق بظاهر خبر رواه وهو ما أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين من رواة الدينوري، حدّثنا محمد بن عيسى الهيّاني أبو بكر الطرسوسي وإسحاق الغروي عن مالك بن أنس عن نافع قال: كنت أمسك على ابن عمر المصحف فقرأ هذه الآية نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ قال: أتدري فيما نزلت هذه الآية؟ قلت: لا، قال: نزلت في رجل أتى امرأة في دبرها على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فشقّ ذلك عليه فنزلت نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ الآية «٤»، وأما تأويل حديث ابن عمر فهو ما روى عطاء عن موسى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه أنّه لقي سالم بن عبد الله، فقال: يا أبا عمر ما حدّث محدّث نافع عن عبد الله؟ قال: وما هو؟ قال: زعم أنه لم يكن يرى بأسا بإتيان النساء من أدبارهنّ، قال:
كذب العبد وأخطأ، إنّما قال عبد الله: تؤتى في فروجهنّ من أدبارهنّ، الدليل على تحريم
(١) نسبه في تاج العروس لمرقش: ٣/ ٥٦٥.
(٢) لسان العرب: ٢/ ١٣٥.
(٣) كذا في المخطوط، وكأن فيها خلل، راجع تفسير القرطبي: ٣/ ٩٣.
(٤) السنن الكبرى للنسائي: ٣١٦ ح ٨٩٨١.

صفحة رقم 162

الأدبار ما
روى عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ قال: لا يكون الحرث إلّا حيث يكون النبات
، وعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الله لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، لا تأتوا النساء في أدبارهنّ.
مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ملعون من أتى امرأته في دبرها.
وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ يعني طلب الولد، وقيل: التزوّج بالعفائف ليكون الولد صالحا طاهرا، وقيل: هو لذم الإفراط،
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم تمسّه النار إلّا تحلّة القسم، فقيل: يا رسول الله اثنان، قال: واثنان، فقال: فظننا أن لو قيل واحد لقال واحد.
شهر بن عطية عن عطاء وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ قال: التسمية عند الجماع، وقال مجاهد وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ يعني: إذا أتى أهله فليدع.
سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فليقل: بسم الله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإن قدر بينهما منهما ولد لم يضرّه شيطان «١».
السدّي والكلبي يعني الخير والعمل الصالح دليله سياق الآية وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ ابن كيسان قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ في كل ما أحلّ الله لكم، وما تعبّدكم به، فإن تصديقكم الله ورسوله بكل ما أحلّه لكم وحرّم عليكم وما تعبّدتم به قدم صدق لكم عند ربّكم، وَاتَّقُوا اللَّهَ فيما أمركم به ونهاكم عنه، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ فيجزيكم بأعمالكم.
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ الآية، قال الكلبي: نزلت في عبد الله ابن رواحة ينهاه عن قطيعة ختنه على أخته بشير بن النعمان الأنصاري، وذلك أنه كان بينهما شيء فحلف عبد الله أن لا يدخل عليه ولا يكلّمه ولا يصلح عنه وعن خصم له، وجعل يقول:
قد حلفت بالله ألّا أفعل، فلا تحلّ لي الّا أن يبرّ يميني، فأنزل الله هذه الآية.
قال مقاتل بن حيان: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) حين حلف ألّا يصل ابنه عبد الرحمن حتّى يسلم. ابن جريج: حدّثت أنها نزلت في أبي بكر الصديق حين حلف أن لا ينفق على مسيطح حين خاض في حديث الإفك.
والعرضة أصلها الشدّة والقوة، ومنه قيل للدابة التي تتخذ للسفر وتعد له: عرضة، لقوتها عليه، يقال: عرضت ناقتي لذلك أي اتخذتها له، قال أوس بن حجر:

(١) مسند أحمد: ١/ ٢١٧، وصحيح البخاري: ٤/ ٩٤.

صفحة رقم 163

وأدماء مثل الفحل يوما عرضتها لرحلي وفيها هزّة وتقاذف «١»
ثم قيل لكل ما يصلح لشيء هو عرضة له، حتى قالوا للمرأة: هي عرضة للنكاح إذا صلحت له وقويت عليه، ويقال فلان عرضة للسهر والحرب، قال حسّان:
وقال الله قد يسّرت جندا هم الأنصار عرضتها اللقاء «٢»
قال المفسرون: هذا في الرجل يحلف بالله تعالى لا يصل رحما ولا يكلّم قرابته أولا يتصدق له بالصنع خيرا، أو يصلح بين اثنين فيعصيانه أو يتهمانه أو أحدهما فيحلف بالله لا يصلح بينهما، فأمره الله أن يحنث في يمينه ويفعل ذلك سرّا ويكفّر عن يمينه، فمعنى الآية ولا تجعلوا الله علّة ومانعا لكم من البرّ والتقوى، يقول أحدكم: حلفت بالله فيغلّ يمينه في ترك البرّ والصلاح وهو قوله أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ معناه أن لا تبرّوا كقوله يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا «٣» أي لئلّا تضلّوا، وقال امرؤ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي «٤»
ويبيّن هذه الآية ما
روى سماك عن الحسين عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها، فأت الذي هو خير، وكفّر عن يمينك» [١٣٤].
وقال سنان بن حبيب: قلت لسعد بن حمير: إنّي عصت عليّ مولاة لي كان مسكنها معي فحلفت أن لا تساكنني، فقال: هذا من عمل الشيطان كفّر عن يمينك وأسكنها ثم قرأ وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ.
لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ أصل اللغو في كلام العرب ما أسقط فلم يعتد به، قال ذو الرمّة:
وتطرح بينها المرّي لغوا ما ألغيت في الماية الحوارا «٥»
يريد بالماية التي تساق في الدية إذا وضعت ناقة منها حوارا لا يقدّمه، والمرّي منسوب إلى امرئ القيس بن زيد بن مناة بن تميم، قال المثقب العبدي:
أو مائة تجعل أولادها لغوا وعرض المائة الجلمد «٦»
(١) تفسير القرطبي: ٣/ ٩٨.
(٢) صحيح مسلم: ٧/ ١٦٥. [.....]
(٣) سورة النساء: ١٧٦.
(٤) الصحاح للجوهري: ٦/ ٢٢٢٢.
(٥) الصحاح: ٦/ ٢٤٨٤، وفيه: ويهلك بينها المرئي لغوا، وفي اللسان: ويهلك وسطها، والباقي مثل الصحاح.
(٦) الصحاح: ٣/ ١٠٨٩.

صفحة رقم 164

واللغو واللغاء في الكلام ما لا خير فيه ولا معنى له، ونظيره في اللغة صفو فلان معك وصفاه، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وقال تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً قال أمية:

فلا لغو ولا تأثيم فيها وما فاهوا به لهم مقيم «١»
وقال العجّاج:
وربّ أسراب الحجيج الكظّم عن اللغا ورفث التكلّم «٢»
واختلف العلماء في لغو اليمين المذكور في هذه الآية، فقال قوم هو ما يسبق به لسان الإنسان من الايمان على سرعة وعجلة ليصل به كلامه من غير عقد ولا قصد، مثل قول القائل:
لا والله وبلى والله وكلّا والله ونحوها، فهذا لا كفارة فيه ولا إثم.
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ قالت: قول الإنسان لا والله وبلى والله، وعلى هذا القول الشعبي وعكرمة ومجاهد في رواية الحكم، وقال الفرزدق:
ولست بمأخوذ بلغو تقوله إذا لم تعمد صاغرات العزائم «٣»
وقال آخرون: لغو اليمين هو أن يحلف الإنسان على الشيء يرى أنه صادق فيه ثم يتبيّن أنه خلاف ذلك، فهو خطأ منه من غير عمد، ولا كفارة عليه ولا إثم، وهو قول الزهري والحسن وسليمان بن يسار وإبراهيم النخعي وأبي مالك وقتادة والربيع وزرارة بن أوفى ومكحول والسدي وابن عباس في رواية الوالبي، وعن أحمد برواية ابن أبي نجيح.
وقال علي وطاوس: اللغو اليمين في حال الغضب والضجر من غير عزم ولا عقد
، ومثله روى عطاء عن وسيم عن ابن عباس، يدلّ عليه
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يمين في غضب»
[١٣٥] «٤». وقال بعضهم: هو اليمين في المعصية لا يؤاخذ به الله عزّ وجلّ في الحنث فيها، بل يحنث في يمينه ويكفّر، قاله سعيد بن جبير، وقال غيره: ليس فيه كفارة.
وقال مسروق: في الرجل الذي يحلف على المعصية ليس عليه كفّارة. الكفر عن خطوات الشيطان، ومثله روى عكرمة عن ابن عباس، وقال الشعبي: في الرجل الذي يحلف على المعصية كفارته أن يتوب منها، فكل يمين لا يحل لك أن تفي بها فليس فيها كفارة، فلو أمرته بالكفارة لأمرته أن يتم على قوله، يدلّ عليه ما
روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول
(١) لسان العرب: ١٢/ ٦.
(٢) الصحاح: ١/ ٢٨٣.
(٣) مفردات غريب القرآن: ٤٥٢، وفيه: عاقدات العزائم، وكذا في تفسير القرطبي.
(٤) جامع البيان للطبري: ٢/ ٥٥٦.

صفحة رقم 165

الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من نذر فيما لا يملك فلا نذر له، ومن حلف على معصية الله فلا يمين له»
[١٣٦] «١».
وروت عمرة عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف على قطيعة رحم أو معصية فبرّه أن يحنث منها ويرجع عن يمينه» [١٣٧] «٢».
وروى حماد عن إبراهيم قال: لغو اليمين أن يصل الرجل كلامه بأن يحلف: والله لا آكلنّ أو لا أشربنّ، ونحو هذا لا يتعمد به اليمين ولا يريد حلفا فليس عليه كفارة يدل عليه ما
روى عوف الأعرابي عن الحسين بن أبي الحسن، قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوم ينتضلون ومعه رجل من أصحابه، فرمى رجل من القوم فقال: أصبت والله وأخطأت، فقال الذي مع النبي صلّى الله عليه وسلّم:
حنث الرجل، قال والله، فقال: «كلا، أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة» [١٣٨] «٣».
وقالت عائشة: أيمان اللغو ما كان في الهزل والمراء والخصومة، والحديث الذي لا يعقد القلب عليه.
وقال زيد بن أسلم: هو دعاء الحالف على نفسه كقوله: أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا، أخرجني من مالي إن لم أرك غدا، أو تقول: هو كافر إن فعل كذا، فهذا كلّه لغو إذا كان باللسان دون القلب لا يؤاخذه الله بها حتّى يكون ذلك من قلبه ولو واحدة بها لهلك، يدلّ عليه قوله وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ.
الضحاك: هو اليمين المكفّر وسمي لغوا لأن الكفارة تسقط منه الإثم، تقديره: لا يؤاخذكم الله بالإثم في اليمين إذا كفّرتم. المغيرة عن إبراهيم: هو الرجل يحلف على الشيء ثم ينسى فيحنث [بالله] فلا يؤاخذه الله عزّ وجلّ به، دليله
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» [١٣٩] «٤».
وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ أي عزمتم وقصدتم وتعمّدتم لأن كسب القلب العقد على الشيء والنيّة.
وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ الآية.
اعلم أنّ الأيمان على وجوه: منها أن يحلف على طاعة كقوله: والله لأصلينّ أو لأصومنّ أو لأحجّنّ أو لأتصدقنّ ونحوها، فإن كان فرضا عليه فالواجب عليه أن لا يحنث، فإن حنث

(١) المستدرك: ٤/ ٣٠٠.
(٢) جامع البيان للطبري: ٢/ ٥٥٨.
(٣) مجمع الزوائد: ٤/ ١٨٥، وتفسير الطبري: ٢/ ٥٥٩.
(٤) سنن ابن ماجة: ١/ ٦٥٩ ح ٢٠٤٢، وفيه: وضع عن أمتي.

صفحة رقم 166
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية