
لأنك تقول، حلفت أن تخرج، فيحذف " لا " أمناً من الاشتباه في الإثبات، إذ في الإثبات، فقال: حلفت لأخرجن أو لأخرجن، وقال بعضهم: معناه: " نهاكم أن تكثروا الأيمان لأن تبروا "، أي إنما نهاكم عن ذلك لتكونوا بررة أتقياء مصلحين، كما قال:
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ الآية، وقيل معناه: لا تجعلوا لفظ الله مبتذلاً لليمين لأن تبروا بالحلف به، وتتقوا المأثم وتصلحوا، والمعنى لا تبتذلوه لفعل الخيرات، فكيف للشر تنبيهاً أن الحلف بالله مكروه ما استغنى عنه، ونبه بقوله: ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أنه عارف بالمقاصد...
قوله - عز وجل -:
﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾
الآية (٢٢٥) - سورة البقرة.
اللغو: المطروح الذي لا يفيد من الكلام، يقال: ألغى في كلامه، ولغاً، وقد يقال في غيره تشبيهاً، كقول الشاعر:
كما ألغيتُ في الديةِ ألحواراَ
ويكني باللغو عن القبيح من الكلام، وأصله من لغي العصافير، واختلف في اللغو من اليمين، فقال ابن عباس: هو الحلف بالشيء يظن أنه صادق فيه وهو بخلافه، وقال ابن جبير: هو اليمين علي الحرام لا يؤاخذ الله بتركه، وقال: هو بغضهم اليمين التي يحنثو فيها صاحبها سهوا، ً وقالت عائشه:

وقد روي عن النبي - ﷺ - إنه قول الرجل: (لا والله) و (بلى والله) على سبيل العجلة لا على القصد،
وإليه ذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة: لغو اليمين كالغموس في أنه لا تجب فيهما الكفارة، ولكن الغموس أن يحلف ويعلم أن الأمر خلافه، فيعظم معصيته واللغو أن لا يعلم، بل يظن فلا تقع المؤاخذة به، وقوله:
﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ هو أعلم من قوله: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ وذاك أنه لما كان القلب يعبر به عن الجزء الذي به المعرفة والفكر ويجري من سائر أجزائه مجرى الراعي من المراعي، ونبه بقوله: ﴿بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ أن الاعتدال به دون غيره من الجوارح، حتى إن كل فعل لا يكون عنه وبه سهواً أو خطأ متجافى عنه، ولهذا قال- عليه السلام- " إن في الإنسان مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد "، وقال: " إذا طاب قلب المرء طاب جسده "، وقال: " إن الله تعالى لا ينظر إلي صوركم ولا إلى أموالكم وإنما ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم ".
والحلم وإن كان مناً هو إمساك القوة العصبية المقتضي للعفو، وهو إذا استعمل في الله لا يراد به إلا العفو عن المذنب دون حدوت حالة وتجدد أمر عليه- تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.