
وعند ابْنِ جَرِيرٍ وَالْخَطِيبِ وَغَيْرِهِمَا، وَعَنِ الشَّافِعِيِّ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وَالْحَاكِمِ وَالْخَطِيبِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا مِثْلَ هَذَا، وَلَيْسَ فِي أَقْوَالِ هَؤُلَاءِ حُجَّةٌ أَلْبَتَّةَ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى أَقْوَالِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَأْتُوا بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، فَمَنْ زَعَمَ مِنْهُمْ أَنَّهُ فَهِمَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَةِ فَقَدْ أَخْطَأَ فِي فَهْمِهِ. وَقَدْ فَسَّرَهَا لَنَا رَسُولُ اللَّهِ «١» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَابِرُ أَصْحَابِهِ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ هَذَا الْمُخْطِئُ فِي فَهْمِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَمَنْ زَعَمَ مِنْهُمْ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا، فَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ أَحَلَّتْ ذَلِكَ، وَمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ، بَلِ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ، فَكَوْنُ ذَلِكَ هُوَ السَّبَبُ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَازِلَةً فِي تَحْلِيلِهِ، فَإِنَّ الْآيَاتِ النَّازِلَةَ عَلَى أَسْبَابٍ تَأْتِي تَارَةً بِتَحْلِيلِ هَذَا، وَتَارَةً بِتَحْرِيمِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ فَسَّرَ هَذِهِ الْآيَةَ بِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَ، فَقَالَ: مَعْنَاهَا: إِنْ شِئْتُمْ فَاعْزِلُوا وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَا تَعْزِلُوا. رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ، وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وعن سعيد ابن الْمُسَيَّبِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٢٤ الى ٢٢٥]
وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤) لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥)
الْعُرْضَةُ: النُّصْبَةُ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. يُقَالُ جَعَلْتُ فُلَانًا عُرْضَةً لِكَذَا، أَيْ: نُصْبَةً. وَقِيلَ: الْعُرْضَةُ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْقُوَّةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِلْمَرْأَةُ: عُرْضَةٌ لِلنِّكَاحِ، إِذَا صَلَحَتْ لَهُ وَقَوِيَتْ عَلَيْهِ، وَلِفُلَانٍ عُرْضَةٌ، أَيْ:
قُوَّةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
من كلّ نضّاخة الذّفرى إذا عَرِقَتْ | عُرْضَتُهَا طَامِسُ الْأَعْلَامِ مَجْهُولُ |
وأدماء مثل الفحل يَوْمًا عَرَضْتُهَا | لِرَحْلِي وَفِيهَا هِزَّةٌ وَتَقَاذُفُ |
هُمُ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ أَيْ: هِمَّتُهَا، وَيُقَالُ: فُلَانٌ عُرْضَةٌ لِلنَّاسِ لَا يَزَالُونَ يَقَعُونَ فِيهِ فَعَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ: أَنَّ الْعُرْضَةَ النُّصْبَةُ كَالْقُبْضَةِ وَالْغُرْفَةِ يَكُونُ ذَلِكَ اسْمًا لِمَا تَعْرِضُهُ دُونَ الشَّيْءِ، أَيْ: تَجْعَلُهُ حَاجِزًا لَهُ، وَمَانِعًا مِنْهُ، أَيْ:
لَا تَجْعَلُوا اللَّهَ حَاجِزًا وَمَانِعًا لِمَا حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَحْلِفُ عَلَى بَعْضِ الْخَيْرِ مِنْ صِلَةِ رَحِمٍ، أَوْ إِحْسَانٍ إِلَى الْغَيْرِ، أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ: بِأَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَمْتَنِعُ مِنْ فِعْلِهِ، مُعَلِّلًا لِذَلِكَ الِامْتِنَاعِ: بِأَنَّهُ قَدْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، يَنْهَاهُمُ الله أن يجعلونه عُرْضَةً لِأَيْمَانِهِمْ، أَيْ: حَاجِزًا لِمَا حَلَفُوا عَلَيْهِ وَمَانِعًا مِنْهُ، وَسُمِّيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ: يَمِينًا، لِتَلَبُّسِهِ بِالْيَمِينِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: أَنْ تَبَرُّوا عطف بيان لأيمانكم، أَيْ: لَا تَجْعَلُوا اللَّهَ مَانِعًا لِلْأَيْمَانِ الَّتِي هي بركم، وتقواكم،

وَإِصْلَاحُكُمْ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ: لِأَيْمانِكُمْ بِقَوْلِهِ: لَا تَجْعَلُوا أَيْ: لَا تَجْعَلُوا اللَّهَ لِأَيْمَانِكُمْ مانعا وحاجزا، ويجوز أن يتعلق بعرضة، أَيْ: لَا تَجْعَلُوهُ شَيْئًا مُعْتَرِضًا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْبِرِّ، وَمَا بَعْدَهُ. وَعَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ الْعُرْضَةَ: الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ، يَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ: لَا تَجْعَلُوا الْيَمِينَ بِاللَّهِ قُوَّةً لِأَنْفُسِكُمْ، وَعُدَّةً فِي الِامْتِنَاعِ مِنَ الْخَيْرِ. وَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُ الْآيَةِ عَلَى الْمَعْنَى الثَّالِثِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ الْعُرْضَةِ بِالْهِمَّةِ- وَأَمَّا عَلَى الْمَعْنَى الرَّابِعِ: وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ لَا يَزَالُ عُرْضَةً لِلنَّاسِ، أَيْ: يَقَعُونَ فِيهِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَيْهِ: وَلَا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم، فتبتذلونه بكثرة الحلف به، ومنه: وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ «١». وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ الْمُكْثِرِينَ لِلْحِلْفِ فَقَالَ: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ «٢». وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ تَتَمَادَحُ بِقِلَّةِ الْأَيْمَانِ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ:
قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ | وَإِنْ بَدَرَتْ «٣» مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتِ |
أَقْوَالٌ هِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الزَّجَّاجِ: مَعْنَى الْآيَةِ: أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ إِذَا طُلِبَ مِنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي فِيهِ خَيْرٌ اعْتَلَّ بِاللَّهِ، فَقَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ، وَهُوَ لَمْ يَحْلِفْ وَقِيلَ: مَعْنَاهَا: لَا تَحْلِفُوا بِاللَّهِ كَاذِبِينَ إِذَا أَرَدْتُمُ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهَا إِذَا حَلَفْتُمْ عَلَى أَنْ لَا تَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَلَا تَتَصَدَّقُوا وَلَا تُصْلِحُوا وَعَلَى أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ فَكَفِّرُوا عَنِ الْيَمِينِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ: أَنْ تَبَرُّوا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيِ: الْبِرُّ وَالتَّقْوَى، وَالْإِصْلَاحُ أَوْلَى. قَالَهُ الزَّجَّاجُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ مَنْصُوبٌ، أَيْ: لَا تَمْنَعُكُمُ الْيَمِينُ بِاللَّهِ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الزَّجَّاجِ أَيْضًا وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنْ لَا تَبَرُّوا، فَحُذِفَ لَا، كَقَوْلِهِ: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا «٤» أَيْ: لَا تَضِلُّوا. قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَقِيلَ: هُوَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَلَى قَوْلِ الْخَلِيلِ وَالْكِسَائِيِّ، وَالتَّقْدِيرُ: فِي أَنْ تَبَرُّوا وَقَوْلُهُ: سَمِيعٌ أَيْ: لِأَقْوَالِ الْعِبَادِ عَلِيمٌ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ. وَاللَّغْوُ: مَصْدَرُ لَغَا يَلْغُو لَغْوًا، وَلَغَى يَلْغِي لَغْيًا: إِذَا أَتَى بِمَا لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْكَلَامِ، أَوْ بِمَا لَا خَيْرَ فِيهِ، وَهُوَ السَّاقِطُ الَّذِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ، فَاللَّغْوُ مِنَ الْيَمِينِ: هُوَ السَّاقِطُ الَّذِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَمِنْهُ:
اللَّغْوُ فِي الدِّيَةِ، وَهُوَ السَّاقِطُ الَّذِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ أَوْلَادِ الإبل، قال جرير:
ويذهب بينها «٥» المرئيّ لَغْوًا | كَمَا أَلْغَيْتَ فِي الدِّيَةِ الْحُوَارَا |
وَرُبَّ أَسْرَابِ حَجِيجٍ كُظَّمِ | عَنِ اللَّغَا ورفث التّكلّم |
(٢). القلم: ١٠.
(٣). في القرطبي (٣/ ٩٧) : صدرت. وفي اللسان، وديوان كثيّر ص ٣٢٥: سبقت.
(٤). النساء: ١٧٦.
(٥). في لسان العرب، مادة «لغا» : ويهلك وسطها. والبيت قاله ذو الرّمّة يهجو هشام بن قيس المرئيّ، أحد بني امرئ القيس بن زيد مناة.

أَيْ: لَا يَتَكَلَّمْنَ بِالسَّاقِطِ وَالرَّفَثِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَا يُعَاقِبُكُمُ اللَّهُ بِالسَّاقِطِ مِنْ أَيْمَانِكُمْ، وَلَكِنْ يُعَاقِبُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ، أَيِ: اقْتَرَفَتْهُ بِالْقَصْدِ إِلَيْهِ: وَهِيَ الْيَمِينُ الْمَعْقُودَةُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ «١» ومثله قول الشاعر:
ولست بمأخوذ بلغو تقوله | إِذَا لَمْ تَعَمَّدْ عَاقِدَاتِ الْعَزَائِمِ |
كَأَنْ يَقُولُ: أَعْمَى اللَّهُ بَصَرَهُ، أَذْهَبَ اللَّهُ مَالَهُ، هُوَ يهودي، هو مُشْرِكٌ. قَالَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
لَغْوُ الْيَمِينِ: أَنْ يَتَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَيَقُولَ أَحَدُهُمَا: وَاللَّهِ لَا أَبِيعُكَ بِكَذَا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: وَاللَّهِ لَا أَشْتَرِيهِ بِكَذَا.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَغْوُ الْيَمِينِ: هِيَ الْمُكَفِّرَةُ، أَيْ: إِذَا كُفِّرَتْ سَقَطَتْ وَصَارَتْ لَغْوًا. وَالرَّاجِحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِمُطَابَقَتِهِ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَلِدَلَالَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ أَيْ: حَيْثُ لَمْ يُؤَاخِذْكُمْ بِمَا تَقُولُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ مِنْ دُونِ عَمْدٍ وَقَصْدٍ. وَآخَذَكُمْ بِمَا تَعَمَّدَتْهُ قُلُوبُكُمْ، وَتَكَلَّمَتْ بِهِ أَلْسِنَتُكُمْ، وَتِلْكَ هِيَ الْيَمِينُ الْمَعْقُودَةُ الْمَقْصُودَةُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ يَقُولُ: لَا تَجْعَلْنِي عُرْضَةً لِيَمِينِكَ أَنْ لَا تَصْنَعَ الْخَيْرَ، وَلَكِنْ كَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَاصْنَعِ الْخَيْرَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ: هُوَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يُكَلِّمَ قَرَابَتَهُ، أَوْ لَا يَتَصَدَّقَ، وَيَكُونَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مُغَاضِبَةٌ فَيَحْلِفَ لَا يُصْلِحُ بَيْنَهُمَا، وَيَقُولُ: قَدْ حَلَفْتُ، قَالَ: يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَإِنَّ كُلَّ مَمْلُوكٍ لِي عَتِيقٌ، وَكُلَّ مَالٍ لِي سِتْرٌ لِلْبَيْتِ، فَقَالَتْ: لَا تَجْعَلْ مَمْلُوكِيكَ عُتَقَاءَ وَلَا تَجْعَلْ مَالَكَ سِتْرًا لَلْبَيْتِ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ. وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ فِي شَأْنِ مِسْطَحٍ.
رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ».
وَثَبَتَ أَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي». وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ قَطِيعَةَ رَحِمٍ أَوْ مَعْصِيَةً فَبِرُّهُ أَنْ يَحْنَثَ فِيهَا وَيَرْجِعَ عن يمينه».