آيات من القرآن الكريم

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ

ومعنى: يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ تكاد حجج القرآن وبراهينه وآياته الساطعة تبهرهم، ومن جعل الْبَرْقُ في المثل الزجر والوعيد قال يكاد ذلك يصيبهم.
وكُلَّما ظرف، والعامل فيه مَشَوْا وهو أيضا جواب كُلَّما، وأَضاءَ صلة ما، ومن جعل أَضاءَ يتعدى قدر له مفعولا، ومن جعله بمنزلة ضاء استغنى عن ذلك.
وقرأ ابن أبي عبلة: «أضا لهم» بغير همز، وهي لغة.
وفي مصحف أبي بن كعب: «مروا فيه».
وفي قراءة ابن مسعود «مضوا فيه».
وقرأ الضحاك: «وإذا أظلم» بضم الهمزة وكسر اللام، وقامُوا معناه ثبتوا، لأنهم كانوا قياما، ومنه قول الأعرابي: «وقد أقام الدهر صعري بعد أن أقمت صعره» يريد أثبت الدهر، ومعنى الآية فيما روي عن ابن عباس وغيره كلما سمع المنافقون القرآن وظهرت لهم الحجج أنسوا ومشوا معه، فإذا نزل من القرآن ما يعمون فيه ويضلون به أو يكلفونه قاموا أي ثبتوا على نفاقهم.
وروي عن ابن مسعود أن معنى الآية: كلما صلحت أحوالهم في زروعهم ومواشيهم وتوالت عليهم النعم قالوا دين محمد دين مبارك. وإذا نزلت بهم مصيبة أو أصابتهم شدة سخطوه وثبتوا في نفاقهم.
وقال قوم: معنى الآية: كلما خفي عليكم نفاقهم وظهر لكم منهم الإيمان مشوا فيه، فإذا افتضحوا عندكم قاموا، ووحد السمع لأنه مصدر يقع للواحد والجمع.
وحكى النقاش أن من العلماء من قرأ بأسماعهم.
وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة: «ولو شاء الله لأذهب أسماعهم وأبصارهم» وخص الأسماع والأبصار لتقدم ذكرها في الآية. ويشبه هذا المعنى في حال المنافقين أن الله لو شاء لأوقع بهم ما يتخوفونه من الزجر والوعيد أو لفضحهم عند المؤمنين وسلط المؤمنين عليهم، وبكل مذهب من هذين قال قوم.
وقوله تعالى: عَلى كُلِّ شَيْءٍ لفظه العموم ومعناه عند المتكلمين على كل شيء يجوز وصفه تعالى بالقدرة عليه وقَدِيرٌ بمعنى قادر، وفيه مبالغة، وخص هنا صفته التي هي القدرة بالذكر لأنه قد تقدم ذكر فعل مضمنه الوعيد والإخافة، فكان ذكر القدرة مناسبا لذلك.
قوله عز وجل:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢١ الى ٢٢]
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)
«يا» حرف نداء، وفيه تنبيه، و «أي» هو المنادى.

صفحة رقم 104

قال أبو علي: «اجتلبت أي بعد حرف النداء فيما فيه الألف واللام لأن في حرف النداء تعريفا فكان يجتمع تعريفان، و «ها» تنبيه وإشارة إلى المقصود، وهي بمنزلة ذا في الواحد، والنَّاسُ نعت لازم لأي».
وقال مجاهد: يا أَيُّهَا النَّاسُ حيث وقع في القرآن مكي، ويا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مدني.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: قد تقدم في أول السورة أنها كلها مدنية، وقد يجيء في المدني يا أَيُّهَا النَّاسُ، وأما قوله في يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فصحيح.
وقوله تعالى: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ معناه وحدوه وخصوه بالعبادة، وذكر تعالى خلقه لهم من بين سائر صفاته إذ كانت العرب مقرة بأن الله خلقها، فذكر ذلك حجة عليهم.
و «لعل» في هذه الآية قال فيها كثير من المفسرين هي بمعنى إيجاب التقوى وليست من الله تعالى بمعنى ترجّ وتوقّع.
وقال سيبويه ورؤساء اللسان: هي على بابها، والترجي والتوقع إنما هو في حيز البشر، أي إذا تأملتم حالكم مع عبادة ربكم رجوتم لأنفسكم التقوى، ولَعَلَّكُمْ متعلقة بقوله: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ، ويتجه تعلقها بخلقكم أي لما ولد كل مولود على الفطرة فهو إن تأمله متأمل توقّع له ورجا أن يكون متقيا.
وتَتَّقُونَ مأخوذ من الوقاية، وأصله «توتقيون» نقلت حركة الياء إلى القاف وحذفت للالتقاء مع الواو الساكنة وأدغمت الواو الأولى في التاء.
وقوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ نصب على إتباع الذي المتقدم، ويصح أن يكون مرفوعا على القطع.
وما ذكر مكي من إضمار أعني أو مفعول ب تَتَّقُونَ فضعيف.
وجعل بمعنى صير في هذه الآية لتعديها إلى مفعولين، وفِراشاً معناه تفترشونها وتستقرون عليها، وما في الأرض مما ليس بفراش كالجبال والبحار فهو من مصالح ما يفترش منها، لأن الجبال كالأوتاد والبحار يركب فيها إلى سائر منافعها، والسَّماءَ قيل هو اسم مفرد جمعه «سماوات»، وقيل هو جمع واحده «سماوة»، وكل ما ارتفع عليك في الهواء فهو سماء، والهواء نفسه علوا يقال له «سماء»، ومنه الحديث:
«خلق الله آدم طوله في السماء ستون ذراعا»، واللفظة من السمو وتصاريفه.
وقوله تعالى: بِناءً تشبيه بما يفهم، كما قال تعالى: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ [الذاريات: ٤٧].
وقال بعض الصحابة: «بناها على الأرض كالقبة».
وقوله: وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ يريد السحاب، سمي بذلك تجوزا لما كان يلي السماء ويقاربها وقد سموا المطر سماء للمجاورة، ومنه قول الشاعر: [الوافر].

إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا
فتجوز أيضا في رعيناه، فبتوسط المطر جعل السماء عشبا، وأصل ماءً موه يدل على ذلك قولهم في

صفحة رقم 105
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية