آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ
ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ

أيِّ وَجْه أَخَذَ من يمين أو شمال في أبواب الخُصومةِ غَلَب (١)، ويقال: لَدَدْتَ يا رجل، فأنت تَلَدُّ لَدَدًا ولَدَادَةً (٢).
والخصام: مصدر، كالمُخَاصمة، والمُخَاصَمَة: مُفَاعلةٌ من الخصُومة، وحقيقة الخُصومة: التَّعَمُّق في البحث عن الشيء، والمضايقةُ فيه، ولذلك قيل لزوايا الأوعية: خُصوم، واحِدُها: خُصْم (٣). قال ابن عباس في قوله: ﴿أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ يريد: الذي يدع الحق ويِخاصم على الباطل (٤).
٢٠٥ - قوله تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ﴾ قال ابن عباس: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى﴾ يريد: راجعًا إلى مكة (٥)، وذلك أنه لما انصرف من بدر ببني

(١) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٧ بمعناه.
(٢) ينظر في مادة لدد: "تفسير الطبري" ٢/ ٣١٥، "معاني القرآن" للفراء١/ ١٢٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٦٤٣، "لسان العرب" ٧/ ٤٠٢٠، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٢٥٤، وضبطت فيه: لدِدْتُ، بكسر الدال، وقال شاكر في حاشية "تفسير الطبري" عن لدادة: مصدر لم أجده في كتب اللغة التي بين يدي.
(٣) ينظر في مادة (خصم) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٧١، "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٤٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٦٤٤، "لسان العرب" ٢/ ١١٧٧ - ١١٧٨، "المفردات" ص ١٥٥، وبين أن أصل المخاصمة أن يتعلق كل واحد بخصم الآخر أي جانبه، وأن يجذب كل واحد خُصْم الجوالق من جانب. ويرى الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٢٧٧: أن خصام: جمع خصم؛ لأن فَعلا يجمع إذا كان صفة على فعال، نحو صعب وصعاب، وكذلك إن جعلت خصما صفة، فهو يجمع على أقل العدد، وأكثره على فعول وفعال جميعا، يقال: خصم وخصام وخصوم، وإذا كان اسما ففعال فيه أكثر العدد، نحو: فرخ وأفراخ لأقل العدد، وفراخ وفروخ لما جاوز العشرة.
(٤) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٣١٠ بلفظه، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" ١/ ٤٢٨ إلى الطستي من سؤالات نافع بن الأزرق.
(٥) رواه الطبري عنه في "تفسيره" ٢/ ٣١٦، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٦٦،=

صفحة رقم 76

زُهْرَة (١)، كان بينه وبين ثقيف (٢) خصومه، فبيتهم ليلًا، وأهلك مواشِيَهُم، وأَحْرَقَ زَرْعَهُم (٣).
وقال السُّدِّي. مرّ بزرع للمسلمين وحُمُر، فأَحْرَقَ الزَّرْعَ، وعَقَرَ الحُمُر (٤).
وقال الضحاك (٥) ومجاهد (٦): تولى بمعنى: ملك وَوَلي وصار واليًا، ومعناه: إذا ولي سلطانًا جار، وعلى تفسير ابن عباس معناه: أدبر وأعرض. وذكرنا معنى السَّعْيَ فيما تقدم.
وقوله تعالى: ﴿وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ أكثرُ المُفَسِّرين على أن المراد بالحرث: الزرع والنبات، وبالنَّسْل: نسل الدواب، على ما روي أنه

= وقد ذكر الواحدي قولين في معنى تولى، وفيها قولان آخران: أحدهما: تولى بمعنى غضب، روي عن ابن عباس وابن جريج. والثاني: أنه الانصراف عن القول الذي قاله. قاله الحسن. ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣١٦، "زاد المسير" ١/ ٢٢١.
(١) هم: بنو زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، كانوا بطنا من بني مرة بن كلاب من قريش من العدنانية، ينتهي نسبهم إلى معد بن عدنان. انظر. "معجم قبائل العرب" ٢/ ٤٨٢.
(٢) قبيلة منازلها في جبل الحجاز بين مكة والطائف، وتنقسم إلى عدة بطون منها: طويرق، وبطن النور، وثمالة، وبني سالم، وعوف، وسفيان، وقريش، وهذيل، وثقيف اليمن. انظر: "معجم قبائل العرب" ١/ ١٤٧ - ١٤٨.
(٣) ذكر القصة بمعناها مقاتل في "تفسيره" ١/ ١٧٨، وذكرها الواحدي في "الوسيط" ١/ ٣١٠، والرازي في "تفسيره" ٥/ ٢١٦.
(٤) رواه عنه الطبري ٢/ ٣١٢.
(٥) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٦٤٦، وذكر أيضا في "تفسير البغوي" ١/ ٢٣٦، "زاد المسير" ١/ ٢٢١.
(٦) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣١٧ بمعناه، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٦٦، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٦٤٨، وذكره البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٣٦.

صفحة رقم 77

أهلكَ المَواشِيَ وأَحْرَقَ الزَّرْعَ (١).
وقال مجاهد: إذا ولي فعمل بالعدوان والظلم أمسك الله المطر، فيهلك باحتباس المطر الحرث والنسل.
وقيل: إن الحرث: النساء، والنسل: الأولاد، وهذا غير مدفوع عن الصحة؛ لقوله: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣]، (٢).
والنسل: معناه في اللغة: الولد، يقال: نَسَلَ بولد كثير (٣)، واشتقاقه يحتمل أن يكونَ من قولهم: نَسَلَ يَنْسِلُ، إذا سقط وخرج، ومنه نَسَل رِيْشُ الطائر، وَوَبَرُ البعير، وشَعْر الحمار، إذا خرج فسقط منه، والقطعة منها إذا سقطت نُسالة، ومنه قوله عز وجل: ﴿إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ [يس: ٥١]، أي: يسرعون؛ لأنه إسراع الخروج بحدة، والنسل: الولد؛ لخروجه من ظهر الأب وبطن الأم وسقوطه، والنسل (٤): نسل آدم، وأصل الحرف من النُّسُول، وهو الخروج (٥).
وقوله: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ قال ابن عباس في رواية الكلبي: أي: لا يَرْضَى بالفسادِ والعَمَلِ بالمعاصي (٦).

(١) ينظر: "تفسير مقاتل" ١/ ١٧٨، "تفسير الطبري" ٢/ ٣١٧ - ٣١٨، "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٣٦٦ - ٣٦٧، ومرادهم بالنسل: نسل الدواب كلها، ومنها الإنسان؛ خلافا لما قد يوهمه لفظ الواحدي، كما بينه الثعلبي في "تفسيره" صراحة ٢/ ٦٤٧.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٧ - ٢٧٨ بمعناه.
(٣) ساقط من (ي).
(٤) في (ي) والنسل.
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣١٧، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٦٣ "نسل"، "المفردات" ص٤٩٣، "النهاية في غريب الحديث" ص ٩٣١ (ط. ابن الجوزي).
(٦) ذكره في "الوسيط" ١/ ٣١١، "زاد المسير" ١/ ٢٢٢، وعبارة الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣١٩ نحو هذا.

صفحة رقم 78
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية