
قوله: ﴿وَمِنَ الناس مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحياوة الدنيا﴾ الآية.
نزلت هذه الآية في الأخنس بن شريق، واسم الأخنس أبي، وأمه ضبيعة عمة عثمان رضي الله عنهـ، كان حليفاً لبني زهرة، وكان قد أتى مع قومه بني زهرة إلى بدر مع المشركين يريدون قتال النبي ﷺ فلما أتوا الجحفة، أشار على بني زهرة بترك القتال فأطاعوه، فأخنس بهم من المشركين، ورجع فسمي الأخنس فلما بلغ النبي [عليه السلام] قوله وما أشار به على بني زهرة عجب من ذلك، ففيه نزلت: ﴿وَمِنَ الناس مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ﴾ الآية. ثم إنه قعد ذلك قدم على النبي [عليه السلام] فأظهر المحبة للإسلام، وحلف أنه ما قدم إلا لذلك، وأنه صادق في قوله، فأعجب النبي [عليه السلام] منه ذلك وكان يبطن الغش والنفاق، فلما خرج أفسد زَرْعَ/ الناس بالنار وأهلك مواشيهم، فذلك قوله: ﴿وَإِذَا تولى سعى فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الحرث﴾ أي: بالنار والنسل. وري أنه

عقر حمراً، وفيه نزلت: ﴿ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ/ لُّمَزَةٍ﴾ [الهمزة: ١]. وفيه نزلت: ﴿وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ﴾ [القلم: ١٠] إلى ﴿الخرطوم﴾ [القلم: ١٦]، لأنه حلف أنه ماقدم إلا رغبة في الإسلام وأنه صادق في يمينه، فقال الله تعالى: ﴿ وَيُشْهِدُ الله على مَا فِي قَلْبِهِ﴾ أي أنه صادق فيه قوله.
وقوله: ﴿أَلَدُّ الخصام﴾. أي شديد الخصومة.
وقيل: معناه أنه كاذب في قوله.
والخصام مصدر " خاصم ".
وقال الزجاج والقتبي: " هو جمع خصم. يقال: خصم، وخصوم، وخصام ".
وعن ابن عباس أنه قال: " نزلت في السرية التي أصيبت للنبي عليه السلام تكلم قوم من المنافقين فيها، فأخبر الله عن اختلاف سريرتهم وعلانيتهم ".
وقيل: إن الآية عامة في كل منافق أخبر الله أنه يقول بلسانه ما لا يعتقد بقلبه. وقد

قال في موضع آخر، ﴿وَإِذَا/ لَقُواْ الذين آمَنُواْ قالوا آمَنَّا﴾ [البقرة: ١٤]، وقال: ﴿وَإِذَا لَقُوكُمْ قالوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأنامل مِنَ الغيظ﴾ [آل عمران: ١١٩]. فأخبر الله أنه يشهد على ما في قلبه. يريد أنه يقول ما يقول، ويستشهد بالله أنه صادق في قوله؛ يقول: الله يشهد أني صادق فيما أقول وهو كاذب. فأخبرنا الله تعالى أنه شديد الخصومة، وأنه إذا تولى سعى في الأرض بالفساد الذي هو سبب هلاك زرع الناس لأنه إذا أفسد اشتغل بالحرب والقتال عن الزرع، وإذا لم يكن زرع لم تجد البهائم ما تأكل، فيذهب النسل/ وقوله: ﴿وَيُشْهِدُ الله﴾. أي يقول: اللهم إنك تشهد أني صادق: " وهو كاذب ". وقرأ ابن محيصن: " ويَشْهَدُ اللهُ " بفتح الياء، ورفع الاسم على معنى: [والله] يشهد أنه كاذب في قوله.
وقيل: معنى، ﴿وَإِذَا تولى﴾ إذا غضب، فعل ذلك.