آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ
ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ

وقال أبو وائل: «يكبر من صلاة الظهر يوم عرفة إلى صلاة الظهر يوم النحر».
ومشهور مذهب مالك أنه يكبر إثر كل صلاة ثلاث تكبيرات، وفي المذهب رواية أنه يقال بعد التكبيرات الثلاث: لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد.
وقوله تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، قال ابن عباس والحسن وعكرمة ومجاهد:
المعنى من نفر في اليوم الثاني من الأيام المعدودات فلا حرج عليه، ومن تأخر إلى الثالث فلا حرج عليه، فمعنى الآية كل ذلك مباح، وعبر عنه بهذا التقسيم اهتماما وتأكيدا إذ كان من العرب من يذم المتعجل وبالعكس، فنزلت الآية رافعة للجناح في كل ذلك، ومن العلماء من رأى أن التعجل إنما أبيح لمن بعد قطره لا للمكي والقريب، إلا أن يكون له عذر، قاله مالك وغيره، ومنهم من رأى أن الناس كلهم مباح لهم ذلك، قاله عطاء وغيره.
وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وإبراهيم: معنى الآية من تعجل فقد غفر له ومن تأخر فقد غفر له، واحتجوا بقوله عليه السلام: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من خطاياه كيوم ولدته أمه»، فقوله تعالى: فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ نفي عام وتبرئة مطلقة، وقال مجاهد أيضا: معنى الآية من تعجل أو تأخر فلا إثم عليه إلى العام القابل، وأسند في هذا القول أثر.
وقال أبو العالية: المعنى في الآية لا إثم عليه لمن اتقى بقية عمره، والحاج مغفور له البتة.
وقال أبو صالح وغيره: معنى الآية لا إثم عليه لمن اتقى قتل الصيد وما يجب عليه تجنبه في الحج، وقال أيضا: لمن اتقى في حجه فأتى به تاما حتى كان مبرورا، واللام في قوله لِمَنِ اتَّقى متعلقة إما بالغفران على بعض التأويلات، أو بارتفاع الإثم في الحج على بعضها، وقيل: بالذكر الذي دل عليه قوله وَاذْكُرُوا، أي الذكر لمن اتقى، ويسقط رمي الجمرة الثالثة عمن تعجل.
وقال ابن أبي زمنين: «يرميها في يوم النفر الأول حين يريد التعجل».
قال ابن المواز: «يرمي المتعجل في يومين بإحدى وعشرين حصاة، كل جمرة بسبع حصيات، فيصير جميع رميه بتسع وأربعين حصاة».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: لأنه قد رمى جمرة العقبة بسبع يوم النحر.
قال ابن المواز: «ويسقط رمي اليوم الثالث».
وقرأ سالم بن عبد الله فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ بوصل الألف، ثم أمر تعالى بالتقوى وذكر بالحشر والوقوف بين يديه.
قوله عز وجل:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٠٤ الى ٢٠٨]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (٢٠٤) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (٢٠٦) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٢٠٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨)

صفحة رقم 278

قال السدي: «نزلت في الأخنس بن شريق، واسمه أبيّ، والأخنس لقب، وذلك أنه جاء إلى النبي ﷺ فأظهر الإسلام، وقال: الله يعلم أني صادق، ثم هرب بعد ذلك، فمر بقوم من المسلمين، فأحرق لهم زرعا، وقتل حمرا، فنزلت فيه هذه الآيات».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: ما ثبت قط أن الأخنس أسلم.
وقال ابن عباس: نزلت في قوم من المنافقين تكلموا في الذين قتلوا في غزوة الرجيع عاصم بن ثابت وخبيب وابن الدثنة وغيرهم قالوا: ويح هؤلاء القوم لا هم قعدوا في بيوتهم ولا أدوا رسالة صاحبهم، فنزلت هذه الآيات في صفات المنافقين. ثم ذكر المستشهدين في غزوة الرجيع في قوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ الآية، وقال قتادة ومجاهد وجماعة من العلماء: نزلت هذه الآيات في كل مبطن كفر أو نفاق أو كذب أو إضرار وهو يظهر بلسانه خلاف ذلك، فهي عامة، وهي تشبه ما ورد في الترمذي أن في بعض كتب الله تعالى: «أن من عباد الله قوما ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، يجترون الدنيا بالدين، يقول الله تعالى: أبي يغترون وعلي يجترون؟ حلفت لأسلطن عليهم فتنة تدع الحليم منهم حيران». ومعنى وَيُشْهِدُ اللَّهَ أي يقول: الله يعلم أني أقول حقا، وقرأ أبو حيوة وابن محيصن «ويشهد الله» بإسناد الفعل إلى اسم الجلالة، المعنى يعجبك قوله والله يعلم منه خلاف ما قال، والقراءة التي للجماعة أبلغ في ذمه، لأنه قوى على نفسه التزام الكلام الحسن ثم ظهر من باطنه خلافه، وما فِي قَلْبِهِ مختلف بحسب القراءتين، فعلى قراءة الجمهور هو الخير الذي يظهر، أي هو في قلبه بزعمه، وعلى قراءة ابن محيصن هو الشر الباطن، وقرأ ابن عباس «والله يشهد على ما في قلبه»، وقرأ أبي وابن مسعود «ويستشهد الله على ما في قلبه»، والألد: الشديد الخصومة الصعب الشكيمة الذي يلوي الحجج في كل جانب، فيشبه انحرافه المشي في لديدي الوادي، ومنه لديد الفم، واللدود، ويقال منه: لددت بكسر العين ألد، وهو ذم، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم»، ويقال: لددته بفتح العين ألده بضمها إذا غلبته في الخصام، ومن اللفظة قول الشاعر: [الخفيف]

إنّ تحت الأحجار حزما وعزما وخصيما ألدّ ذا معلاق
والْخِصامِ في الآية مصدر خاصم، وقيل جمع خصم ككلب وكلاب، فكان الكلام وهو أشد الخصماء والدهم.

صفحة رقم 279

وتَوَلَّى وسَعى تحتمل جميعا معنيين: أحدهما أن تكون فعل قلب فيجيء تَوَلَّى بمعنى ضل وغضب وأنف في نفسه فسعى بحيله وإرادته الدوائر على الإسلام، ومن هذا السعي قول الله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى [النجم: ٣٩]، ومنه وَسَعى لَها سَعْيَها [الإسراء: ١٩]. ومنه قول الشاعر:
[الرجز]

أسعى على حيّ بني مالك كل امرئ في شأنه ساع
ونحا هذا المنحى في معنى الآية ابن جريج وغيره، والمعنى الثاني أن يكونا فعل شخص فيجيء تَوَلَّى بمعنى أدبر ونهض عنك يا محمد، وسَعى يجيء معناها بقدميه فقطع الطريق وأفسدها، نحا هذا المنحى ابن عباس وغيره، وكلا السعيين فساد.
وقوله تعالى: وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ.
قال الطبري: «المراد الأخنس في إحراقه الزرع وقتله الحمر».
وقال مجاهد: «المراد أن الظالم يفسد في الأرض فيمسك الله المطر فيهلك الحرث والنسل»، وقيل: المراد أن المفسد يقتل الناس فينقطع عمار الزرع والمنسلون».
وقال الزجّاج: «يحتمل أن يراد بالحرث النساء وبالنسل نسلهن».
قال القاضي أبو محمد: والظاهر أن الآية عبارة عن مبالغة في الإفساد، إذ كل فساد في أمور الدنيا، فعلى هذين الفصلين يدور، وأكثر القراء على يُهْلِكَ بضم الياء وكسر اللام وفتح الكاف عطفا على لِيُفْسِدَ، وفي مصحف أبي بن كعب «وليهلك»، وقرأ قوم «ويهلك» بضم الكاف، إما عطفا على يُعْجِبُكَ وإما على سَعى، لأنها بمعنى الاستقبال، وإما على القطع والاستئناف، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وأبو حيوة وابن محيصن «ويهلك» بفتح الياء وكسر اللام وضم الكاف ورفع «الحرث» و «النسل»، وكذلك رواه ابن سلمة عن ابن كثير وعبد الوارث عن أبي عمرو، وحكى المهدوي أن الذي روى حماد بن سلمة عن ابن كثير إنما هو «ويهلك» بضم الياء والكاف «الحرث» بالنصب، وقرأ قوم «ويهلك» بفتح الياء واللام ورفع «الحرث» وهي لغة هلك يهلك، تلحق بالشواذ كركن يركن، والْحَرْثَ في اللغة شق الأرض للزراعة، ويسمى الزرع حرثا للمجاورة والتناسب، ويدخل سائر الشجر والغراسات في ذلك حملا على الزرع، ومنه قول عز وجل إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ [الأنبياء: ٧٨]، وهو كرم على ما ورد في التفاسير، وسمي النساء حرثا على التشبيه، والنَّسْلَ مأخوذ من نسل ينسل إذا خرج متتابعا، ومنه نسال الطائر ما تتابع سقوطه من ريشه، ومنه قوله تعالى: وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ [الأنبياء: ٩٦]، ومنه قول امرئ القيس: [الطويل] فسلّي ثيابي من ثيابك تنسل ولا يُحِبُّ معناه لا يحبه من أهل الصلاح، أي لا يحبه دينا، وإلا فلا يقع إلا ما يحب الله تعالى وقوعه، والفساد واقع، وهذا على ما ذهب إليه المتكلمون من أن الحب بمعنى الإرادة.

صفحة رقم 280

قال القاضي أبو محمد: والحب له على الإرادة مزية إيثار، فلو قال أحد: إن الفساد المراد تنقصه مزية الإيثار لصح ذلك، إذ الحب من الله تعالى إنما هو لما حسن من جميع جهاته.
وقوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ الآية، هذه صفة الكافر أو المنافق الذاهب بنفسه زهوا، ويكره للمؤمن أن يوقعه الحرج في نحو هذا.
وقال بعض العلماء: كفى بالمرء إثما أن يقول له أخوه اتق الله فيقول له: عليك نفسك، مثلك يوصيني؟. والعزة هنا المنعة وشدة النفس، أي اعتز في نفسه وانتخى فأوقعته تلك العزة في الإثم حين أخذته به وألزمته أباه، ويحتمل لفظ الآية أن يكون أخذته العزة مع الإثم، فمعنى الباء يختلف بحسب التأويلين، و «حسبه» أي كافيه معاقبة وجزاء، كما تقول للرجل كفاك ما حل بك، وأنت تستعظم وتعظم عليه ما حل به، والْمِهادُ ما مهد الرجل لنفسه كأنه الفراش، ومن هذا الباب قول الشاعر: [الوافر] تحيّة بينهم ضرب وجيع وقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ الآية تتناول كل مجاهد في سبيل الله أو مستشهد في ذاته أو مغير منكر، والظاهر من هذا التقسيم أن تكون الآيات قبل هذا على العموم في الكافر بدليل الوعيد بالنار ويأخذ العصاة الذين فيهم شيء من هذا الخلق بحظهم من وعيد الآية، ومن قال إن الآيات المتقدمة هي في منافقين تكلموا في غزوة الرجيع قال: هذه الآية في شهداء غزوة الرجيع، ومن قال تلك في الأخنس قال: هذه في الأنصار والمهاجرين المبادرين إلى الإيمان.
وقال عكرمة وغيره: هذه في طائفة من المهاجرين، وذكروا حديث صهيب أنه خرج من مكة إلى النبي ﷺ فاتبعته قريش لترده، فنثر كنانته، وقال لهم: تعلمون والله إني لمن أرماكم رجلا، والله لأرمينّكم ما بقي لي سهم، ثم لأضربن بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، فقالوا له: لا نتركك تذهب عنا غنيا وقد جئتنا صعلوكا، ولكن دلنا على مالك ونتركك، فدلهم على ماله وتركوه، فهاجر إلى النبي ﷺ فلما رآه قال له: «ربح البيع أبا يحيى»، فنزلت فيه هذه الآية، ومن قال قصد بالأول العموم قال في هذه كذلك بالعموم، ويَشْرِي معناه يبيع، ومنه وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ [يوسف: ٢٠]، ومنه قول يزيد بن مفرغ الحميري: [مجزوء الكامل]
وشريت بردا ليتني... من بعد برد كنت هامه
وقال الآخر: [الكامل]
يعطى بها ثمنا فيمنعها... ويقول صاحبه ألا تشري
ومن هذا تسمى الشراة كأنهم الذين باعوا أنفسهم من الله تعالى، وحكى قوم أنه يقال شرى بمعنى اشترى، ويحتاج إلى هذا من تأول الآية في صهيب، لأنه اشترى نفسه بماله ولم يبعها، اللهم إلا أن يقال إن عزم صهيب على قتالهم بيع لنفسه من الله تعالى فتستقيم اللفظة على معنى باع.
وتأول هذه الآية عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم في مغيري

صفحة رقم 281

المنكر، ولذلك قال علي وابن عباس: اقتتل الرجلان، أي قال المغير للمفسد: اتق الله، فأبى المفسد وأخذته العزة، فشرى المغير نفسه من الله تعالى وقاتله فاقتتلا.
وروي أن عمر بن الخطاب كان يجمع في يوم الجمعة شبابا من القراءة فيهم ابن عباس والحر بن قيس وغير هما فيقرؤون بين يديه ومعه، فسمع عمر ابن عباس رضي الله عنهم يقول: اقتتل الرجلان، حين قرأ هذه الآية، فسأله عما قال، ففسر له هذا التفسير، فقال له عمر: «لله تلادك يا ابن عباس».
وقال أبو هريرة وأبو أيوب حين حمل هشام بن عامر على الصف في القسطنطينية فقال قوم: ألقى بيده إلى التهلكة، ليس كما قالوا، بل هذا قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ
الآية.
وابْتِغاءَ مفعول من أجله، ووقف حمزة على مَرْضاتِ بالتاء والباقون بالهاء. قال أبو علي:
«وجه وقف حمزة بالتاء إما أنه على لغة من يقول طلحت وعلقمت، ومنه قول الشاعر: [الرجز] بل جوز تيهاء كظهر الحجفت وإما أنه لما كان المضاف إليه في ضمن اللفظة ولا بد أثبت التاء كما تثبت في الوصل ليعلم أن المضاف إليه مراد.
وقوله تعالى: وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ترجية تقتضي الحض على امتثال ما وقع به المدح في الآية كما في قوله تعالى: فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ تخويف يقتضي التحذير مما وقع به الذم في الآية.
ثم أمر تعالى المؤمنين بالدخول في السلم، وقرأ ابن كثير ونافع والكسائي «السلم»
بفتح السين، وقرأ الباقون بكسرها في هذا الموضع، فقيل: هما بمعنى واحد، يقعان للإسلام وللمسالمة.
وقال أبو عمرو بن العلاء: «السّلم بكسر السين الإسلام، وبالفتح المسالمة»، وأنكر المبرد هذه التفرقة، ورجح الطبري حمل اللفظة على معنى الإسلام، لأن المؤمنين لم يؤمروا قط بالانتداب إلى الدخول في المسالمة، وإنما قيل للنبي ﷺ أن يجنح للسلم إذا جنحوا لها، وأما أن يبتدىء بها فلا.
واختلف بعد حمل اللفظ على الإسلام من المخاطب؟ فقالت فرقة: جميع المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى أمرهم بالثبوت فيه والزيادة من التزام حدوده، ويستغرق كَافَّةً حينئذ المؤمنين وجميع أجزاء الشرع، فتكون الحال من شيئين، وذلك جائز، نحو قوله تعالى: فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ [مريم: ٢٧]، إلى غير ذلك من الأمثلة.
وقال عكرمة: «بل المخاطب من آمن بالنبي من بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وغيره». وذلك أنهم ذهبوا إلى تعظيم يوم السبت وكرهوا لحم الجمل وأرادوا استعمال شيء من أحكام التوراة وخلط ذلك بالإسلام فنزلت هذه الآية فيهم، ف كَافَّةً على هذا لإجزاء الشرع فقط.
وقال ابن عباس: «نزلت الآية في أهل الكتاب»، والمعنى يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى ادخلوا في الإسلام بمحمد كافة، ف كَافَّةً على هذا لإجزاء الشرع وللمخاطبين على من يرى السلم الإسلام، ومن

صفحة رقم 282
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية