آيات من القرآن الكريم

۞ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ

الأيتام، فيأكل بعضا ويدفع إلى الحكام بعضا، والوجه الأول أجود، لأنه قال: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ﴾ ثم قال: لتأكلوا ففصل بين الأمرين، والوجهان الآخران داخلون في عمومه وقوله: ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي إن أخفى علمكم على الناس، فإنه لا يخفى عليكم تنبيها أن الاعتبار بما عليه الأمر في نفسه وما علمتم منه لا بما يظهر، ونبه - عليه السلام - على ذلك بقوله:
(إنكم تختصمون إلى، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن حكمت له بشيء من حق أخيه، فلا يأخذن منه قليلاً ولا كثيراً، فإنما أقطع له قطعة من النار) وقال: (البر ما اطمأنت إليه النفس).
قوله - عز جل:
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ الآية (١٨٩) - سورة البقرة.
المواقيت: جمع ميقات وهو مفعال من الوقت، والوقت والمدة والزمان تتقارب لكن المدة المطلقة أوسع هذه الألفاظ، فإنها امتداد حركة الفلك أي اتصالها من مبدئها إلى غايتها، والزمان مدة مقسومة من المدة المطلقة والوقت الزمان المفروض للعمل ومعنى مواقيت للناس أي لا يتعلق به من أمور معاملاتهم ومصالحهم، كقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ ونبه بذكر الحج على ما يتعلق به من العبادات، ولكن ذكرنا

صفحة رقم 401

أعظمها أثرا فإن الحج مراعى في قضائه وأدائه الوقت المعلوم وبخلاف سائر العبادات التي لا تعتبر في قضائها وقت معين والباب معروف وعنه أستعير لمداخل الأسباب المتوصل بها إليه، وقيل: في العلم باب كذا، وقول النبي - ﷺ -: " أنا مدينة العلم وعلي بابها "، أي به يتواصل إلى حقائق العلوم وعلي وإن شاركه فيه غيره، فتخصيصه لكونه أرفع منزلة في باب العلم وقد كان سئل - عليه السلام - عن فائدة زيادة الهلال ونقصانه، فأنزل الله تعالى هذه الآية منبها على أظهر فائدته للحس وأبينها له، ثم قال: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾، أي بأن يطلبوا من غير وجه، وذلك أنه يقال: " أتى فلان البيت من بابه " إذا طلب الشيء من وجهه.
وقال الشاعر:
أتيت المروءة من بابها..

صفحة رقم 402

و " أتى البيت من ظهره " إذا طلب الأمر من غير وجهه وجعل ذلك مثلا لسؤالهم النبي - ﷺ - عما هو ليس من العلم المختص بالنبوة، وأن ذلك عدول عن المنهج وذلك أن العلوم ضربان:
دنيوي: يتعلق بأمر المعاش كمعرفة الصنايع ومعرفة الأجرام السماوية ومعرفة المعادن والنبات وطبائع الحيوانات، وقد جعل الله تعالى لنا سبيلاً إلى معرفته على غير لسان نبيه محمد - عليه السلام -، وشرعي: وهو البر، ولا سبيل إلى أخذه إلا من جهته وهو أحكام التقوى، فلما جاءوا يسألون النبي - ﷺ - عما أمكنهم معرفته من غير جهته أجابهم ثم بين لهم أن ليس البر ترك المنهج في سؤال النبي - عليه السلام - ما ليس هو مختصا بعلم نبوته ولكن البر هو تحري التقوى، وذلك يكون بالعلم والعمل المختصين بالدين وقال بعض المفسرين إتيان البيوت من ظهورها هو أن العرب من لم يكن من الخمس إذا أحرم لم يدخل البيت من بابه بل كان يأتيه من ظهوره، فأتى رجل من باب بيته، فأنكر عليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية..
وهذا عن ابن عباس وغيره وقيل: إتيان البيوت من ظهورها مخالفة الواجب في الحج وشهوره واستحلال أشهر الحرام وتحريم الحلال، المعنى بقوله: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ وكل ذلك لا يمتنع أن تتناوله الآية لكن الأليق بأول الآية ما تقدم ذكره، وقوله: ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ أي تحروا في كل عمل إتيان الشيء من وجهه تنبيها أن ما يطلب من غير وجهه صعب مناله، ثم قال: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ حثا لنا أن نجعل تقوى الله عز وجل- شعارنا في كل ما نتحراه، فبين أن ذلك هو الذريعة إلى تحصيل الفلاح..

صفحة رقم 403
تفسير الراغب الأصفهاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى
تحقيق
هند بنت محمد سردار
الناشر
كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
سنة النشر
1422
عدد الأجزاء
2
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية