آيات من القرآن الكريم

۞ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ

والمختار في هذه الآية ما ذكره الفراء، وهو أنه قال: المعنى: لا تصانعوا بأموالكم الحكام، ليقتطعوا لكم حقًّا لغيركم وأنتم تعلمون أنه لا يحل لكم (١).
قال الأزهري: وهذا عندي أصح القولين؛ لأن الهاء في قوله ﴿بِهَا﴾ للأموال، وهي على قول الزجاج للحجة، ولا ذكر لها في الكلام (٢). واختار ابن قتيبة أيضًا قول الفراء، فقال: يقول: لا تُدْلِ بمالِ أخيك إلى الحاكم ليَحكمَ لك به وأنت تعلم أنك ظالم له (٣).
وقوله تعالى: ﴿لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا﴾ أي: طائفة (٤). ﴿مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ﴾ قال ابن عباس: يريد باليمين الكاذبة (٥).
وقال غيرُه: بالباطل (٦)، يعني: بأن يرشو الحاكم ليقضي له ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنكم مبطلون وأنه لا يحلُّ لَكم (٧).
١٨٩ - قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾ الآية. قال المفسرون: سأل معاذ بن جبل رسول الله - ﷺ - عن زيادة القمر ونقصانه؟ فأنزل الله هذه الآية (٨).

(١) نقله عنه الأزهري في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢١٤ (دلو).
(٢) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢١٤ (دلو).
(٣) "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٧٥.
(٤) "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٢٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٨٦، "البحر المحيط" ٢/ ٥٧.
(٥) هذا من رواية عطاء التي تقدم الحديث عنها في المقدمة.
(٦) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ٣٨٦.
(٧) "تفسير الطبري" ٢/ ١٨٣، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٢٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٨٦، "البحر المحيط" ٢/ ٥٢.
(٨) رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" ١/ ٤٩٣، وعزاه السيوطي في "لباب النقول" =

صفحة رقم 615

والأهلة: جمع هِلال، وهو غُرّة القمر حين يراها (١) الناس، يقال لها (٢): هلال ليلتين، ثم يكون قمرًا بعد ذلك.
وقال أبو الهيثم: يسمى القمر لليلتين من أول الشهر وليلتين (٣) من آخر الشهر: هلالًا، ويسمى ما بين ذلك: قمرًا، وسمي الهلال هلالاً: لأنه حين يرى يُهلِّ الناس بذكر الله وبذكره (٤).
ويقال: أُهِلّ الهلال، واستُهِلّ، وأهللنا الهلال، واستَهْلَلْناه (٥)، إذا بُني الفعل للهلال ضُمَّ، وإذا بُنِيَ للرائين فُتِح. هذا قول عامة أهل اللغة، وقال شمِر: يقال: استَهَلَّ الهلال أيضًا وشهر مُستَهِلٌّ، وأنشد:

= ص ٣٥ أيضًا إلى ابن عساكر في "تاريخ دمشق"، من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس به، وذكره أبو الليث في "بحر العلوم" ١/ ١٨٨، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٣٩٠، وضعف إسناده السيوطي كما في "الدر" ١/ ٣٦٧، ووهاه المناوي في "الفتح السماوي" ١/ ٢٣٢، وذكره مقاتل في "تفسيره" ١/ ١٦٦ والواحدي في "أسباب النزول" ص ٥٦ عن الكلبي، وكذا ذكره الحيري في "الكفاية" ١/ ١٣٢، قال الحافظ في "العجاب": وقد توارد من لا يد لهم في صناعة الحديث على الجزم بأن هذا كان سبب النزول مع وهاء السند فيه، ولا شعور عندهم بذلك، بل كاد يكون مقطوعا به لكثرة من ينقله من المفسرين وغيرهم. اهـ. وقد روى الطبري في "تفسيره" ٢/ ١٨٥، عن قتادة والربيع وابن جريج وكذا ابن أبي حاتم ١/ ٣٢٢ عن أبي العالية، قالوا: إن أناسا سألوا رسول الله - ﷺ - لم خلقت الأهلة؟ فانزل الله تعالى هذه الآية
(١) في (م): (تراها).
(٢) في (م) و (أ): (له).
(٣) من قوله: (ثم يكون قمرًا بعد ذلك). ساقط من (أ)، (م).
(٤) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ٣٩٢.
(٥) في (م): (استهللنا).

صفحة رقم 616

وشهرٌ مُستهلٌّ بعد شَهْر وحَوْلٌ بعدَه (١) حولٌ جديد (٢) (٣)
قال ابو إسحاق: فِعَالٌ يجمع في أقل العدد على أَفْعِلَة، نحو: مِثَال وأَمْثِلَة، وحِمَارٌ وأَحْمِرَة، وفي أكثر العدد يجمع على فُعُل، نحو: مُثُل وحُمُر، إلَّا أنهم كَرِهوا في التضعيف فُعُلا، نحو هُلُل وحُلُل (٤)، واقتصروا على جمع أدنى العدد، كما اقتصروا في ذوات الياء والواو على ذلك، نحو: أَكْسِيَة وأَرْدِيَة، للقليلِ والكثير (٥).
أخبرَ اللهُ سبحانه أن الحكمةَ في زيادة القمر ونقصانه زوال الالتباس عن أوقات الناس في حَجِّهم (٦)، وحَلِّ ديونهم، وعِدَدِ نسائهم، وأجور أُجَرَائِهم، ومُدَدِ حواملهم، ووقت صومهم وإفطارهم، فقال: ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ (٧).
والمواقيت: جمع الميقات، والميقات: الوقت، كالميعاد بمعنى الوعد. وقال بعضهم: الميقات: منتهى الوقت، قال الله تعالى ﴿فَتَمَّ مِيقَتُ رَبِّهِ﴾ [الأعراف: ١٤٢] والهلال: ميقات الشهر، ومواضع الإحرام:
(١) في (م): (بعد).
(٢) البيت بلا نسبة في "لسان العرب" ٨/ ٤٦٩٠ (هلل). ورواية "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٧٨٤ (هلل: ويومٌ بعده يومٌ قريب).
(٣) ينظر في هلال: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٧٨٤ - ٣٧٨٨، "المفردات" ص٥٢٢، "اللسان" ٨/ ٤٦٩٠ (هلل).
(٤) في "معاني القرآن" للزجاج: نحو هلل وخلل، فقالوا: أهلة وأخلة.
(٥) من "معاني القرآن" ١/ ٢٦٢.
(٦) في (ش): (حجتهم).
(٧) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٩٢، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٨٥، "البحر المحيط" ٢/ ٦١.

صفحة رقم 617

مواقيت للحج؛ لأنها مقادير يُنْتَهَى (١) إليها (٢). ولا يصرف مواقيت؛ لأنها غاية للجموع، فصار كأن الجمع تكرر فيها. فإن قيل: لم صرفت ﴿قَوَارِيرَ﴾ [الإنسان: ١٥]؟ قيل: لأنها فاصلة وقعت في رأس آية، فنُوِّن ليجري على طريقة الآيات كما ينون القوافي في مثل:
أقلي اللومَ عاذلَ والعتابا (٣)
فالألفُ بدلٌ من التنوين، وليس هو تنوين الصرف الذي يدل على تَمَكُّن الاسم، وإنما هو للفاصلة (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ قال عامة أهل التفسير: كان أهلُ الجاهلية وفي أول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم نَقَبَ في بيته نَقْبًا من مُؤَخَّرِه يخرج منه ويدخل، إلا قريشًا ومن دانوا بدينهم، فبينما رسول الله - ﷺ - وهو (٥) محرم، ورجل محرم فرآه دخل من باب حائط، فاتبعه ذلك الرجل، فقال له: تنح عنى، قال: ولم؟ قال: دخلت من الباب وأنت محرم! فوقف ذلك الرجل فقال: إني رضيت بسنتك وهديك، وقد

(١) في (ش): (تنتهى).
(٢) ينظر في المواقيت: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٩٢، "المفردات" ٥٤٤، "البحر المحيط" ٢/ ٥٩، "اللسان" ٨/ ٤٦٩٠ (هلل).
(٣) عجز البيت:
وقولي إن أصبت لقد أصابا
مطلع قصيدة لجرير يهجو فيها عبيدا الراعي والفرزدق في "ديوانه" ص ٨١٣، "أوضح المسالك" ١/ ١٤. وقوله: عاذل: هو مرخم عاذلة، وهو اسم فاعل مؤنث من العذل، وهو اللوم والتوبيخ.
(٤) ينظر: "البحر المحيط" ٨/ ٣٩٧، "أوضح المسالك" ١/ ١٤.
(٥) ساقطة من (ش).

صفحة رقم 618

رأيتك دخلت فدخلت على إثرك، فقال النبي - ﷺ -: "إني أحمس" (١)، يعني: قرشي، وكانت قريش لا تفعل ذلك، قال الرجل: فإن كنت أحمس فإني أحمس (٢) ديننا واحد، فأنزل الله هذه الآية (٣)، وأعلمهم أن تشديدهم في الإحرام ليس ببر، ولكن البِرَّ بِرُّ من اتقى مخالفةَ اللهِ، وأمرهم بتركِ سُنَّةِ

(١) الأحمس: هو المتشدد في دينه، والحُمْس: قريش وخزاعة، وكل من ولدت قريش من العرب، وكل من نزل مكة من قبائل العرب، فكانت الحمس قد شددوا في دينهم على أنفسهم، فكانوا إذا نسكوا لم يسلأوا سمنا، ولم يطبخوا أقطا، ولم يدخروا لبنا، ولم يحولوا بين مرضعة ورضاعها حتى يعافه، ولم يحركوا شعرا ولا ظفرا، ولا يبتنون في حجهم شعرا ولا وبرا ولا صوفا ولا قطنا، ولا يأكلون لحما، ولا يلبسون إلا جديدا، ولا يطوفون بالبيت إلا في حذائهم وثيابهم، ولا يمشون المسجد بأقدامهم تعظيما لبقعته، ولا يدخلون البيوت من أبوابها، ولا يخرجون إلى عرفات يقولون نحن أهل الله ويلزمون مزدلفة حتى يقضوا نسكهم. ينظر: "المحبر" ص١٧٨ - ١٨٠، "سيرة ابن هشام" ١/ ٢١١ - ٢١٦، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٦٢، وهذا من تعليق محمود شاكر على "تفسير الطبري" ٢/ ١٨٧، وقيل: سموا حمسا بالكعبة؛ لأنها حمساء، حجرها أبيض يضرب إلى السواد، والأول أشهر وأصح. "فتح الباري" ٣/ ٦٠٣.
(٢) سقطت من (ش).
(٣) أورده بهذا اللفظ الثعلبي ٢/ ٣٩٤، وكذا ذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص ٥٦، دون سند، وقد جمعه من آثار متفرقة كما ذكر الحافظ في "العجاب" ١/ ٤٥٨، وقد روي نحو هذا عن جابر، رواه ابن أبي حاتم ١/ ٣٢٣، والحاكم ١/ ٦٥٧، وصححه وعزاه الحافظ في "الفتح" ٣/ ٦٢١ إلى ابن خزيمة وعبد بن حميد وأبي الشيخ وبقي، وقال في "العجاب" ١/ ٤٥٦: هو على شرط مسلم ولكن اختلف في إرساله ووصله، وروى الطبري ٢/ ١٨٨، وابن أبي حاتم ١/ ٣٢٣ من طريق العوفي عن ابن عباس بنحوه، كما رواه الطبري ٣/ ٥٥٦ عن قيس بن حبتر، وأصل السبب رواه البخاري (١٨٠٣) كتاب العمرة، باب: قول الله تعالى: ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾، ومسلم (٣٠٢٦) كتاب التفسير من حديث البراء بن عازب.

صفحة رقم 619

الجاهلية فقال: وأتوا البيوت من أبوابها.
وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾ كقوله: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ١٧٧]، وقد مرَّ.
وذهب أبو عبيدة في تفسير هذه الآية إلى غير ما ذكرنا، وهو أنه قال: معناه: ليس البرُّ بأن تطلبوا الخير من غير أهله، وتلتمسوا الأمر من غير بابه، ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾. أي: اطلبوا الخير من وجهه والأمر من بابه (١)، والقول ما عليه العامة.
واختلف القراء في ﴿الْبُيُوتَ﴾ وأخواته، كالجيوب والغيوب، فقرؤوا بضم أولها وكسره (٢)، فمن ضم فهو الأصل، لأن فَعْلًا يجمع على فُعُول بضم الفاء، ومن كسر فلأجل موافقة الياء، فإن الكسرة أشد موافقة للياء من الضمة، ولا يستقبح ذلك، وإن لم يكن في كلامهم فِعُل؛ لأن الحركة إذا كانت للتقريب من الحرف لم تُكره، ولم تكن بمنزلة مالا تقريب فيه، ألا ترى أنه لم يجئ في الكلام عند سيبويه على فِعِل إلا إِبِل، وقد أكثروا من هذا البناء، واستعملوه على اطراد، إذا كان القصد فيه تقريب الحركة من

(١) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٦٨، ولفظه: اطلبوا البر من أهله ووجهه، ولا تطلبوه عند الجهلة المشركين.
(٢) قال في "النشر" ٢/ ٢٢٦: واختلفوا في الضم والكسر من (بيوت، والغيوب، وعيون، وشيوخا، وجيوب) فقرأ بضم الباء من (البيوت وبيوت) حيث وقع: أبو جعفر والبصريان (أبو عمرو ويعقوب) وورش وحفص، وقرأ بكسر الغين من (الغيوب) وذلك حيث وقع: حمزة وأبو بكر، وقرأ بكسر العين من (العيون وعيون)، والشين من (شيوخا) وهو في في كافر، والجيم من (جيوبهن)، وهو في سورة النور: ابن كثير وحمزة والكسائي وابن ذكوان وأبو بكر، إلا أنه اختلف عنه في الجيم من جيوبهن.

صفحة رقم 620
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية