
قَوْله تَعَالَى: يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس وَالْحج وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا وَلَكِن الْبر من اتَّقى وَأتوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا وَاتَّقوا الله لَعَلَّكُمْ تفلحون
أخرج ابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله ﴿يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة﴾ قَالَ: نزلت فِي معَاذ بن جبل وثعلبة بن غنمة وهما رجلَانِ من الْأَنْصَار قَالَا: يَا رَسُول الله مَا بَال الْهلَال يَبْدُو ويطلع دَقِيقًا مثل الْخَيط ثمَّ يزِيد حَتَّى يعظم وَيَسْتَوِي ويستدير ثمَّ لَا يزَال ينقص ويدق حَتَّى يعود كَمَا كَانَ لَا يكون على حَال وَاحِد فَنزلت ﴿يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس﴾ فِي مَحل دينهم ولصومهم ولفطرهم وعدة نِسَائِهِم والشروط الَّتِي تَنْتَهِي إِلَى أجل مَعْلُوم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم جعلت الْأَهِلّة فَأنْزل الله ﴿يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة﴾ الْآيَة
فَجَعلهَا لصوم الْمُسلمين ولإِفطارهم ولمناسكهم وحجهم ولعدة نِسَائِهِم وَمحل دينهم فِي أَشْيَاء وَالله أعلم بِمَا يصلح خلقه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ ذكر لنا أَنهم قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم خلقت الْأَهِلّة فَأنْزل الله ﴿يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة﴾ الْآيَة
جعلهَا الله مَوَاقِيت لصوم الْمُسلمين وإفطارهم ولحجهم ومناسكهم ولعدة نِسَائِهِم وَمحل دينهم
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ سَأَلَ النَّاس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْأَهِلّة فَنزلت هَذِه الْآيَة ﴿يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس﴾ يعلمُونَ بهَا حل دينهم وعدة نِسَائِهِم وَوقت حجهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله ﴿يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس﴾ قَالَ: لحجكم وصومكم وَقَضَاء ديونكم وعدة نِسَائِكُم
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل ﴿مَوَاقِيت للنَّاس﴾ قَالَ: فِي عدَّة نِسَائِهِم وَمحل دينهم وشروط النَّاس قَالَ: وَهل تعرف العربُ ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول:

وَالشَّمْس تجْرِي على وَقت مسخرة إِذا قَضَت سفرا اسْتقْبلت سفرا وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الله الْأَهِلّة مَوَاقِيت للنَّاس فصوموا لرُؤْيَته وَافْطرُوا لرُؤْيَته فَإِن غم عَلَيْكُم فعدوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي وَالدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن طلق بن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الله الْأَهِلّة مَوَاقِيت للنَّاس فَإِذا رَأَيْتُمْ الْهلَال فصوموا وَإِذا رَأَيْتُمُوهُ فافطروا فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ
وَأما قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت﴾ الْآيَة
أخرج وَكِيع وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير عَن الْبَراء قَالَ: كَانُوا إِذا أَحْرمُوا فِي الْجَاهِلِيَّة أَتَوا الْبَيْت من ظَهره فَأنْزل الله ﴿وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا وَلَكِن الْبر من اتَّقى وَأتوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا﴾
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْبَراء
كَانَت الْأَنْصَار إِذا حجُّوا فَرَجَعُوا لم يدخلُوا الْبيُوت إِلَّا من ظُهُورهَا فجَاء رجل من الْأَنْصَار فَدخل من بَابه فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَنزلت الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن جَابر قَالَ كَانَت قُرَيْش تَدعِي الحمس وَكَانُوا يدْخلُونَ من الْأَبْوَاب فِي الإِحرام وَكَانَت الْأَنْصَار وَسَائِر الْعَرَب لَا يدْخلُونَ من بَاب فِي الإِحرام فَبينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بُسْتَان إِذْ خرج من بَابه وَخرج مَعَه قُطْبَة بن عَامر الْأنْصَارِيّ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِن قُطْبَة بن عَامر رجل فَاجر وَإنَّهُ خرج مَعَك من الْبَاب فَقَالَ لَهُ: مَا حملك على مَا صنعت قَالَ: رَأَيْتُك فعلته ففعلته كَمَا فعلت
قَالَ: إِنِّي رجل أحمس
قَالَ لَهُ: فَإِن ديني دينك
فَأنْزل الله ﴿وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا﴾ الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَن رجَالًا من أهل الْمَدِينَة كَانُوا إِذا خَافَ أحدهم من عدوّه شَيْئا أحرم فأمن فَإِذا أحرم لم يلج من بَاب بَيته وَاتخذ نقباً من ظهر بَيته فَلَمَّا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة كَانَ بهَا رجل محرم كَذَلِك وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل بستاناً فدخله من بَابه وَدخل مَعَه ذَلِك الْمحرم فناداه رجل من وَرَائه: يَا فلَان إِنَّك محرم وَقد دخلت مَعَ النَّاس
فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن كنت محرما فَأَنا محرم وَإِن كنت أحمس فَأَنا أحمس
فَأنْزل الله ﴿وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا﴾

إِلَى آخر الْآيَة
فأحل للْمُؤْمِنين أَن يدخلُوا من أَبْوَابهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قيس بن جُبَير النَّهْشَلِي أَن النَّاس كَانُوا إِذا أَحْرمُوا لم يدخلُوا حَائِطا من بَابه وَلَا دَارا من بَابهَا وَكَانَت الحمس يدْخلُونَ الْبيُوت من أَبْوَابهَا فَدخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه دَارا وَكَانَ رجل من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ رِفَاعَة بن تَابُوت فتسوّر الْحَائِط ثمَّ دخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا خرج من بَاب الدَّار خرج مَعَه رِفَاعَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا حملك على ذَلِك قَالَ: يَا رَسُول الله رَأَيْتُك خرجت مِنْهُ فَخرجت مِنْهُ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي رجل أحمس
فَقَالَ: إِن تكن رجلا أحمس فَإِن ديننَا وَاحِد فَأنْزل الله ﴿وَلَيْسَ الْبر﴾ الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الزُّهْرِيّ قَالَ كَانَ نَاس من الْأَنْصَار إِذا أهلوا بِالْعُمْرَةِ لم يحل بَينهم وَبَين السَّمَاء شَيْء يتحرجون من ذَلِك وَكَانَ الرجل يخرج مهلا بِالْعُمْرَةِ فتبدو لَهُ الْحَاجة فَيرجع وَلَا يدْخل من بَاب الْحُجْرَة من أجل سقف الْبَاب أَن يحول بَينه وَبَين السَّمَاء فَيفتح الْجِدَار من وَرَائه ثمَّ يقوم فِي حجرته فيأمر بحاجته فَتخرج إِلَيْهِ من بَيته حَتَّى بلغنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل زمن الحديبة بِالْعُمْرَةِ فَدخل حجرَة فَدخل رجل على أَثَره من الْأَنْصَار من بني سَلمَة فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي أحمس
وَكَانَ الحمس لَا يبالون ذَلِك فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: وَأَنا أحمس
يَقُول: وَأَنا على دينك
فَأنْزل الله ﴿لَيْسَ الْبر﴾ الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ إِن نايا من الْعَرَب كَانُوا إِذا حجُّوا لم يدخلُوا بُيُوتهم من أَبْوَابهَا كَانُوا ينقبون فِي أدبارها فَلَمَّا حج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة الوادع أقبل يمشي وَمَعَهُ رجل من أُولَئِكَ وَهُوَ مُسلم فَلَمَّا بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَاب الْبَيْت احْتبسَ الرجل خَلفه وأبى أَن يدْخل
قَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أحمس
وَكَانَ أُولَئِكَ الَّذين يَفْعَلُونَ ذَلِك يسمون الحمس قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَأَنا أَيْضا أحمس فَادْخُلْ فَدخل الرجل فَأنْزل الله ﴿وَأتوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا﴾
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ الرجل من أهل الْجَاهِلِيَّة إِذا أَتَى الْبَيْت من بيُوت بعض أَصْحَابه أَو ابْن عَمه رفع الْبَيْت من خَلفه أَي بيُوت الشّعْر ثمَّ يدْخل فنهوا عَن ذَلِك وَأمرُوا أَن يَأْتُوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا ثمَّ يسلمُوا

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: كَانَ الرجل إِذا اعْتكف لم يدْخل منزله من بَاب الْبَيْت فَأنْزل الله ﴿لَيْسَ الْبر﴾ الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: كَانَ أهل يثرب إِذا رجعُوا من عيدهم دخلُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا ويرون أَن ذَلِك أدنى إِلَى الْبر فَأنْزل الله الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة يهم بالشَّيْء يصنعه فَيحْبس عَن ذَلِك فَكَانَ لَا يَأْتِي بَيته من قبل بَابه حَتَّى يَأْتِي الَّذِي كَانَ هم بِهِ وأراده