آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﰿ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ

مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:
قال تعالى «وَ» اذكر لقومك هذه القصة العظيمة أيضا «إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ» يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف عليه السلام، وهو ابن أخت موسى كما ذكروا وأكبر أصحابه، وخليفته في شريعته بعد هرون عليهم السلام، وهو من عظماء بني إسرائيل وسمي فتى، وهو هنا بمعنى خادم وعبد لقيامه في خدمته ودوام متابعته له وكثرة تعلمه منه، وإلا فمعنى الفتى الشاب الطري السجي الكريم، والفتوة لقب شرف ويأتي بمعنى الحديث في السن، ولهذا يقال لليل والنهار الفتيان، والتلميذ عبد حكمي لأستاذه مهما كان شريفا أو حقيرا. قال شعبة: من كتبت عنه أربعة أحاديث فأنا عبده، ومن علمني حرفا كنت له عبدا. ومقول القول «لا أَبْرَحُ» لا أزال أسير «حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ» قالوا بحر فارس والروم وملتقاهما مما يلي المشرق ولعل المراد بما يقرب من مجمعهما لأنهما لا يجتمعان إلا في البحر المتوسط وهما شعبتان فيه «أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً» ٦٠ أداوم على السير زمنا طويلا، والحقب ثمانون سنة، وذلك أن الله تعالى وعد موسى أن يلقى الخضر هناك، وموسى هذا هو ابن عمران، وما قيل إنه ابن ميشا من أولاد يوسف لا صحة له ولا ثقة بالمنقول عنه وهو كعب الأحبار، لأن الله تعالى لم يذكر في كتابه مسمى بهذا الاسم غير صاحب التوراة، ولو أراد غيره لذكره وعرفه ليتميز عنه، روى البخاري ومسلم عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس إن نوفل البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو بني بني إسرائيل، فقال ابن عباس كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول إن موسى عليه السلام قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ فقال أنا فعتب الله عليه، إذ لم يرد العلم إليه (أي لم يقل الله أعلم) فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال يا رب فكيف لي به؟
قال فخذ معك حوتا فاجعله في مكتل، فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق، وانطلق معه فتاه يوشع بن نون، حتى أتيا الصخرة (بوجد بقرب ملتقى نهر الكلب والبحر الأبيض المتوسط في بيروت صخرة عظيمة

صفحة رقم 190

يزعمون أنها هي تلك الصخرة، وأن المراد بملتقى البحرين نهر الكلب والبحر الأبيض هناك، وهو قول لم يثبت، وقد ذكرنا غير مرة بأن أشياء كهذه لا يمكن القطع بها، وأن كل ما لم يبينه الله يجب أن نحيل العلم فيه إليه) وضعا رءوسهما فناما، فاضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر، وتيقظ يوشع عند ذاك فرآه، قال تعالى «فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما» أي نسي يوشع أن يخبر موسى بما رآه من أمر الحوت وهو قوله تعالى «فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً» ٦١ إذ أمسك الله عن الحوت جرية الماء وموجه فصار عليه مثل الطاق، وان موسى لم يسأله عن المكتل الذي فيه الحوت ولهذا نسب الله تعالى النسيان إليهما وبقيا يمشيان بقية يومهما وليلتهما «فَلَمَّا جاوَزا» المكان الذي فقدا فيه الحوت وداوما على السير ألقى الله على موسى الجوع ليتذكر موعد ربه، حتى إذا كان الغد من هذا اليوم «قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً» ٦٢ وذلك لأنه جاوز المحل الذي أمره الله به، أما قبله فلم يحس بتعب لأنه لا يكلف عبده بما لا قدرة له به ولا طاقة له عليه سواء في العمل أو في العبادة، راجع الآية الأخيرة من سورة البقرة في ج ٣، فتيقظ إذ ذاك يوشع و «قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ» قال له موسى بلى، قال «فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ» أي نسيت أن أقص عليك خبره، فذكر له شأنه وقال «وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ» لك، قال هذا على سبيل الاعتذار، ثم قال «وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً» ٦٣ أي أن خروجه من المكتل ودخوله البحر وصيرورة البحر عليه طاقا كالسرب كان عجبا، قيل كان في أصل الصخرة عين ماء يقال لها عين الحياة لا يصيب شيء من مائها إلا حيّ، وقد أصاب ذلك الحوت منها شيء، فتحرك وانسل من المكتل إلى البحر، مع أنه كان مطبوخا، ولهذا كان لموسى وفتاه عجبا، لأنه حوت مطبوخ وقد أكلا منه، والأعجب منه أيضا ماء البحر مع شدة موجه، وما يحصل فيه من الجريان يمينا وشمالا بسببه يكون سربا مثل الطاق ويبقى على حاله زمنا، إلا أنه ليس بأعجب من فلق البحر له عليه السلام، وإنما لم يتعجب منه لأن الله وعده به «قالَ»

صفحة رقم 191
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية