
مَعِيَ صَبْرًا (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (٦٨) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (٦٩)
شرح الكلمات:
وإذ قال موسى لفتاه: أي أذكر إذ قال موسى بن عمران نبي بني إسرائيل لفتاه يوشع بن نون بن افرايم بن يوسف عليه السلام.
مجمع البحرين: أي حيث التقى البحران بحر فارس وبحر الروم.
حقباً: الحقب الزمن وهو ثمانون سنة والجمع أحقاب.
سبيله في البحر سرباً: أي طريقه في البحر سرباً أي طريقاً كالنفق.
فلما جاوزا: أي المكان الذي فيه الصخرة ومنه اتخذ الحوت طريقه في البحرسرباً.
في البحر عجباً: أي عجباً لموسى حيث تعجب من إحياء الحوت واتخاذه في البحر طريقاً كالنفق في الجبل.
قصصاً: أي يتتبعان آثار أقدامهما.
عبداً من عبادنا: هو الخضر عليه السلام.
مما علمت رشداً: أي ما هو رشاد إلى الحق ودليل على الهدى.
ما لم تحط به خبراً: أي علماً.
ولا أعصي لك أمراً: أي انتهى إلى ما تأمرني به وإن لم يكن موافقاً هواي.
معنى الآيات:
هذه قصة موسى١ مع الخضر عليهما السلام وهي تقرر نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتؤكدها. إذ مثل هذا القصص الحق لا يتأتى لأحد أن يقصه ما لم يتلقه وحياً من الله عز وجل. قال تعالى: ﴿وإذ قال موسى﴾ أي أذكر يا رسولنا تدليلاً على توحيدنا ولقائنا ونبوتك. إذ قال موسى بن عمران نبينا إلى بني إسرائيل لفتاه٢ يوشع بن نون ﴿لا أبرح﴾ أي سائراً ﴿حتى أبلغ مجمع٣ البحرين﴾ حيث أرشدني ربي إلى لقاء عبدٍ هناك من عباده هو أكثر مني علماً حتى
٢ اختلف في فتى موسى مَنْ هو؟ قيل: إنه كان شاباً يخدمه ولذا أطلق عليه لفظ الفتى على جهة حسن الأدب، قال ابن العربي. ظاهر القرآن أنه عبد وما دام صح الحديث بأنه يوشع بن نون فلا حاجة إلى البحث والتنقيب.
٣ أي ملتقاهما. وهما بحر الأردن وبحر القلزم على الراجح الصحيح.

اتعلم منه علماً أزيده على علمي، ﴿أو أمضي حقباً١﴾ أي أواصل سيري زمناً طويلاً حتى أظفر بهذا العبد الصالح لأتعلم عنه. قوله تعالى: ﴿فلما بلغا مجمع بينهما﴾ أي بين البحرين وهما بحر الروم وبحر فارس عند باب المندب حيث التقى البحر الأحمر والبحر الأبيض. أو البحر الأبيض والأطلنطي عند طنجة والله أعلم بأيهما أراد. وقوله ﴿نسيا حوتهما﴾ أي نسي الفتى الحوت، إذ هو الذي كان يحمله، ولكن نسب النسيان إليهما جرياً على المتعارف من لغة العرب٢، وهذا الحوت قد جعله الله تعالى علامة لموسى على وجود الخضر حيث يفقد الحوت، إذ القصة كما في البخاري تبتدىء بأن موسى خطب يوماً في بنى إسرائيل فأجاد وأفاد فأعجب به شاب من بني إسرائيل فقال له: هل يوجد من هو أعلم منك يا موسى؟ فقال: لا. فأوحى إليه ربه فوراً بلى عبدنا خضر، فتاقت نفسه للقياه للتعلم عنه، فسأل ربه ذلك، فأرشده إلى مكان لقياه وهو مجمع البحرين، وجعل له الحوت علامة فأمره أن يأخذ طعامه حوتاً وأعلمه أنه إذا فقد الحوت فثم يوجد عبد الله خضر ومن هنا لما بلغا مجمع البحرين واستراحا فنام موسى٣ والفتى شبه نائم وإذا بالحوت يخرج من المكتل "وعاء" ويشق طريقه إلى البحر فينجاب عنه البحر فيكون كالطاق أو النفق آية لموسى. ويغلب النوم على يوشع فينام فلما استراحا قاما مواصلين سيرهما ونسي الفتى وذهب من نفسه خروج الحوت من المكتل ودخوله في البحر لغلبة النوم فلما مشيا مسافة بعيدة وشعرا بالجوع وقد جاوزا المنطقة التي هي مجمع البحرين٤ قال موسى للفتى ﴿آتنا٥ غداءنا﴾ وعلل ذلك بقوله: ﴿لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً﴾ أي تعباً. هنا قال الفتى لموسى ما قصَّ الله تعالى: قال مجيباً لموسي ﴿أرأيت﴾ أي أتذكر ﴿إذ أوينا إلى الصخرة﴾ التي استراحا عندها ﴿فإني نسيت الحوت﴾ وقال كالمعتذر، ﴿وما أنسانيه إلاّ الشيطان أن أذكره٦، واتخذ سبيله﴾ أي طريقه ﴿في البحر عجباً﴾ أي حيي بعد موت
٢ نحو قوله: ﴿يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾ مع أنه لا يخرج إلاّ من البحر الملح ونحو قوله: ﴿يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم﴾ مع العلم أن الرسل من الإنس فقط.
٣ في البخاري: أن موسى عليه السلام قال ليوشع لا أكلفك إلاّ أن تخبرني حيث يفارقك الحوت قال الفتى: ما كلّفت كثيراً.
٤ هذا يُرجح أن يكون البحران: نهر الأردن وبحيرة طبريّة.
٥ في الآية دليل على وجوب حمل الزاد في السفر ففي هذا رد على المتصوفة الذين يخرجون بلا زاد بدعوى التوكل ثمّ هم يسألون الناس، وشاهد هذا آية البقرة إذ نزلت في أناس من اليمن كانوا يحجون ولا يتزودون فنزل قوله تعالى: ﴿وتزودّوا..﴾ الآية.
٦ أن: وما دخلت عليه تسبك بمصدر فيقال: وما أنساني ذكره إلاّ الشيطان.

ومشى حتى انتهى إلى البحر وانجاب له البحر فكان كالسرب فيه أي النفق فأجابه مرسى بما قص تعالى: ﴿قال ذلك ما كنا نبغ﴾ وذلك لأن الله تعالى جعل لموسى فقدان الحوت علامة على مكان الخضر الذي يوجد فيه ﴿فارتدا﴾ أي رجعا ﴿على آثارهما قصصا﴾ أي يتتبعان آثار أقدامهما ﴿فوجدا﴾ خضراً كما قال تعالى: ﴿فوجدا عبداً١ من عبادنا﴾ وهو خضر ﴿آتيناه رحمة من عندنا﴾ أي نبوة ﴿وعلمناه من لدنا علماً﴾ وهو علم غيب خاص به ﴿قال له موسي﴾ مستعطفاً له ﴿هل أتبعك على أن تعلمني هما علمت رشداً﴾ أي مما علمك الله رشداً أي رشاداً يدُلني على الحق وتحصل لي به هداية فأجابه خضر بما قال تعالى: ﴿قال إنك لن تستطيع معي صبراً﴾ يريد أنه يرى منه أموراً لا يقره عليها وخضر لابد يفعلها فيتضايق موسى لذلك ولا يطيق الصبر، وعلل له عدم استطاعته الصبر بقوله ﴿وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً﴾ أي علماً كاملاً. فأجابه موسى وقد صمم على الرحلة لطلب العلم مهما كلفه الثمن فقال ﴿ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً﴾ أي سأنتهي إلى ما تأمرني وإن لم يكن موافقاً لما أحب وأهوى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- عتب الله تعالى على رسوله موسى عليه السلام عندما سئل هل هناك من هو أعلم منك فقال لا وكان المفروض أن يقول على الأقل الله أعلم. فعوقب لذلك فكلف هذه الرحلة الشاقة.
٢- استحباب الرفقة في السفر، وخدمة التلميذ للشيخ، إذ كان يوشع يخدم موسى بحمل الزاد.
٣- طروء النسيان على الإنسان مهما كان صالحاً.
٤- مراجعة الصواب بعد الخطأ خير من التمادي على الخطأ ﴿فارتدا على آثارهما قصصا﴾.
٥- تجلى قدرة الله تعالى في إحياء الحوت بعد الموت، وانجياب الماء عليه حتى كان كالطاق فكان للحوت سرباً ولموسى وفتاه عجباً. وبه استدل موسى أي بهذا العجب على مكان خضر فوجده هناك.
٦- استحباب طلب المزيد من العلم مهما كان المرء عالماً وهنا أورد الحديث التالي وهو خير من قنطار ذهباً لمن حفظه وعمل به وهو قول ابن عباس رضي الله عنه قال سأل موسى ربه: قال رب أي عبادك أحب إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني، قال: فأي عبيدك أقضى؟ قال الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى، قال: أي رب أي عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى