﴿فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (٦٢) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (٦٣) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (٦٤) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (٦٥) ﴾.
سَبَبُ قَوْلِ مُوسَى [عليه السلام] (١) لفتاه -وهو يُشوع بْنُ نُون-هَذَا الْكَلَامَ: أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يُحِطْ بِهِ مُوسَى، فَأَحَبَّ الذَّهَابَ إِلَيْهِ، وَقَالَ لِفَتَاهُ ذَلِكَ: ﴿لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ﴾ أَيْ لَا أَزَالُ سَائِرًا حَتَّى أَبْلُغَ هَذَا الْمَكَانَ الذي فيه مجمع البحرين، قال الفرزدق:
فَمَا بَرحُوا حَتَّى تَهَادَتْ نسَاؤهُم | بِبَطْحَاء ذِي قَارٍ عيابَ اللطَائم (١) |
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرظي: مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ عِنْدَ طَنْجَةَ، يَعْنِي فِي أَقْصَى بِلَادِ الْمَغْرِبِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ أَيْ: وَلَوْ أَنِّي أَسِيرُ حُقُبًا مِنَ الزَّمَانِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّ الحُقُب فِي لُغَةِ قَيْسٍ (٢) : سَنَةٌ. ثُمَّ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: الحُقُب ثَمَانُونَ سَنَةً. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سَبْعُونَ خَرِيفًا. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ قَالَ: دَهْرًا. وَقَالَ قَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ، مِثْلَ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أُمِرَ بِحَمْلِ حُوتٍ مَمْلُوحٍ مَعَهُ، وَقِيلَ لَهُ: مَتَى فقدتَ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمّة. فَسَارَا حَتَّى بَلَغَا مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ؛ وَهُنَاكَ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا: "عَيْنُ الْحَيَاةِ"، فَنَامَا هُنَالِكَ، وَأَصَابَ الْحُوتُ مِنْ رَشَاشِ ذَلِكَ الْمَاءِ فَاضْطَرَبَ (٣)، وَكَانَ فِي مِكْتَلٍ مَعَ يُوشَعَ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (٤)، وطَفَر مِنَ المَكْتل إِلَى الْبَحْرِ، فَاسْتَيْقَظَ يُوشع، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَسَقَطَ الْحُوتُ فِي الْبَحْرِ وَجَعَلَ يَسِيرُ فِيهِ، وَالْمَاءُ لَهُ مِثْلُ الطَّاقِ لَا يَلْتَئِمُ بَعْدَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ أَيْ: مِثْلَ السَرَب في الأرض.
قال ابن جريح (٥) : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَارَ أَثَرُهُ كَأَنَّهُ حَجَر.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: جَعَلَ الْحُوتُ لَا يَمَسُّ شَيْئًا مِنَ الْبَحْرِ إِلَّا يَبِسَ حتى يكون صخرة (٦).
وقال محمد -[هو] (٧) بْنُ إِسْحَاقَ-عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبيد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ذَكَرَ حَدِيثَ ذَلِكَ: "مَا انْجَابَ مَاءٌ مُنْذُ كَانَ النَّاسُ غَيْرُهُ ثَبَتَ (٨) مَكَانَ الْحُوتِ الَّذِي فِيهِ، فَانْجَابَ كالكُوّة حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ مُوسَى فَرَأَى مَسْلَكَهُ"، فَقَالَ: ﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ﴾.
وَقَالَ قَتَادَةُ: سَرب مِنَ الْبَرِّ (٩)، حَتَّى أَفْضَى إِلَى الْبَحْرِ، ثُمَّ سَلَكَ فِيهِ فَجَعَلَ لَا يَسْلُكُ فِيهِ طَرِيقًا إِلَّا جُعِلَ (١٠) مَاءً جَامِدًا.
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَا﴾ أَيِ: الْمَكَانَ الَّذِي نَسِيَا الْحُوتَ فِيهِ، ونُسب النسيان إليهما وإن كان يُوشَع
(٢) في ف، أ: "العرب".
(٣) في ف، أ: "فاضطربت".
(٤) زيادة من ت، ف، أ.
(٥) في ت: "جرير".
(٦) في ت، ف، أ: "كصخرة".
(٧) زيادة من أ.
(٨) في أ: "غير مثبت".
(٩) في ت، أ: "الحر".
(١٠) في ت، أ: "صار".
هُوَ الَّذِي نَسِيَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرَّحْمَنِ: ٢٢]، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنَ (١) الْمَالِحِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.
فَلَمَّا ذَهَبَا عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي نَسَيَاهُ فِيهِ مَرْحَلَةً ﴿قَالَ﴾ مُوسَى ﴿لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا [نَصَبًا] (٢) ﴾ أَيْ: الَّذِي جَاوَزَا فِيهِ الْمَكَانَ ﴿نَصَبًا﴾ يَعْنِي: تَعَبًا. قَالَ: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ["وَمَا أَنْسَانِيهِ أَنْ أَذْكُرَهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ] (٣)، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ﴾ أَيْ: طَرِيقَهُ ﴿فِي الْبَحْرِ عَجَبًا قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ﴾ أَيْ: هَذَا الَّذِي نَطْلُبُ ﴿فَارْتَدَّا﴾ أَيْ: رَجَعَا ﴿عَلَى آثَارِهِمَا﴾ أَيْ: طَرِيقِهِمَا ﴿قَصَصًا﴾ أَيْ: يَقُصَّانِ أَثَرَ مَشْيِهِمَا، وَيَقْفُوَانِ أَثَرَهُمَا.
﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ وَهَذَا هُوَ الْخَضِرُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِذَلِكَ قَالَ الْبُخَارِيُّ:
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا البِكَالِيّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَذِبَ عَدُوّ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئل: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ قَالَ: أَنَا. فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنَّ لِي عَبْدًا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ لِي بِهِ؟ قَالَ: تَأْخُذُ مَعَكَ حُوتًا، تَجْعَلُهُ (٤) بِمِكْتَلٍ، فَحَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَهُوَ (٥) ثَمَّ. فَأَخَذَ حُوتًا، فَجَعَلَهُ بِمِكْتَلٍ (٦) ثُمَّ انْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهُ بِفَتَاهُ (٧) يُوشع بْنِ نُونٍ عَلَيْهِمَا (٨) السَّلَامُ، حَتَّى إِذَا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فَنَامَا، وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ، فَخَرَجَ مِنْهُ، فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ وَاتَّخَذَ (٩) سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنِ الْحُوتِ جِريةَ الْمَاءِ، فَصَارَ عَلَيْهِ مِثْلَ الطَّاقِ. فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نَسِيَ صَاحِبُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالْحُوتِ، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: ﴿آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَب حَتَّى جاوَزَا الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ. قَالَ لَهُ فَتَاهُ (١٠) :﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ قَالَ: "فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَلِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا، فَقَالَ: ﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾. قَالَ: "فَرَجَعَا (١١) يَقُصَّانِ أَثَرَهُمَا حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ مُسجّى بِثَوْبٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، فَقَالَ الخَضِر: وَأنّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ!. قَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمت رُشْدًا. ﴿قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾، يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مَنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ، لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مَنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَه اللَّهُ لا
(٢) زيادة من ف، أ.
(٣) زيادة من ف، أ، وفي هـ: "أن أذكره".
(٤) في أ: "فتجعله".
(٥) في أ: "منهم".
(٦) في ف: "في مكتل".
(٧) في ف: "فتاه".
(٨) في ت، ف: "عليه".
(٩) في ف: "فاتخذ".
(١٠) في ت: "قتادة" وهو خطأ.
(١١) في ف: "فرجعان".
أَعْلَمُهُ. فَقَالَ مُوسَى: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾.
فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَمَرَّتْ سَفِينَةٌ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُ (١)، فَعَرَفُوا الْخَضِرَ، فَحَمَلُوهُمْ (٢) بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَلَمَّا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ لَمْ يَفْجَأْ إِلَّا وَالْخَضِرُ قَدْ قَلَعَ لَوْحًا مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ بِالْقَدُومِ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قَدْ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَعَمَدْتَ (٣) إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا؟ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا. ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾ (٤) قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَانَتِ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا". قَالَ: وَجَاءَ عُصْفُورٌ فَنَزَلَ (٥) عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْرة، [أَوْ نَقْرَتَيْنِ] (٦) فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ فِي عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مِثْلُ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْ هَذَا الْبَحْرِ.
ثُمَّ خَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ، فَبَيْنَمَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إِذْ أَبْصَرَ الْخَضِرُ غُلَامًا يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ رَأْسَهُ [بِيَدِهِ] (٧) فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ ؟! (٨) قَالَ: "وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنَ الْأُولَى"، ﴿قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا * (٩) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ (١٠) ﴾ قَالَ: مَائِلٌ. فَقَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ: ﴿فَأَقَامَهُ﴾، فَقَالَ مُوسَى: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ يُضَيِّفُونَا، ﴿لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا".
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: "وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا" وَكَانَ يَقْرَأُ: "وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ" (١١).
ثُمَّ رَوَاهُ (١٢) الْبُخَارِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيينة... فَذَكَرَ نَحْوَهُ (١٣)، وَفِيهِ: "فَخَرَجَ مُوسَى وَمَعَهُ فَتَاهُ يُوشع بْنُ نُونٍ، وَمَعَهُمَا الْحُوتُ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَنَزَلَا عِنْدَهَا -قَالَ: فَوَضَعَ مُوسَى رَأْسَهُ فَنَامَ-قَالَ سُفْيَانُ: وَفِي حَدِيثِ غَيْرِ (١٤) عَمْرٍو قَالَ: وَفِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا: الْحَيَاةُ، لَا يُصِيبُ مِنْ مَائِهَا شَيْءٌ إِلَّا حُيِيَ: فَأَصَابَ (١٥) الْحُوتَ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ، قَالَ، فَتَحَرَّكَ وَانْسَلَّ مِنَ الْمِكْتَلِ، فَدَخَلَ الْبَحْرَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: ﴿آتِنَا غَدَاءَنَا﴾ كَذَا قَالَ: وَسَاقَ (١٦) الْحَدِيثَ. وَوَقَعَ عُصْفُورٌ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَغَمَسَ مِنْقَارَهُ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى: مَا علمي
(٢) في ت: "فحملوه"، وفي ف، أ: "فحملوا".
(٣) في ف، أ: "عمدت".
(٤) في ف، أ: "أقل لك" وهو خطأ.
(٥) في ف، أ: "فوقع".
(٦) زيادة من أ.
(٧) زيادة من ف، أ.
(٨) في ف، أ: "زاكية".
(٩) في ف: "قد بلغت مني" وهو خطأ.
(١٠) في ت: "ينقض فأقامه".
(١١) صحيح البخاري برقم (٤٧٢٥).
(١٢) في أ: "ورواه".
(١٣) في ت، ف، أ: "فذكره بنحوه".
(١٤) في ت، ف، أ: "عن".
(١٥) في ت: "قال: فأصاب".
(١٦) في أ: "وسباق".
وَعِلْمُكَ وَعِلْمُ الْخَلَائِقِ فِي عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مقدارُ مَا غَمَسَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْقَارَهُ وَذَكَرَ تَمَامَهُ بِنَحْوِهِ (١).
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ ابْنَ جُرَيج أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ -يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ-وَغَيْرُهُمَا قَدْ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إِنَّا لَعِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي بَيْتِهِ، إِذْ قَالَ: سَلُونِي. فَقُلْتُ: أَيْ أَبَا عَبَّاسٍ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، بِالْكُوفَةِ رَجُلٌ قَاصٌّ، يُقَالُ لَهُ: "نَوْفٌ" يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ -أَمَّا عَمْرٌو فَقَالَ لِي: قَالَ (٢) : كَذِبَ عَدُوُّ اللَّهِ! وَأَمَّا يَعْلَى فَقَالَ لِي: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مُوسَى رَسُولُ اللَّهِ، ذكَّر النَّاسَ يَوْمًا، حَتَّى إِذَا فَاضَتِ الْعُيُونُ، وَرَقَّتِ الْقُلُوبُ، وَلَّى فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ فِي الْأَرْضِ (٣) أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْكَ؟ قَالَ: لَا. فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَى اللَّهِ، قِيلَ: بَلَى قَالَ: أَيْ رَبِّ، وَأَيْنَ؟ قَالَ: بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ: أَيْ رَبِّ، اجْعَلْ لِي عِلْمًا أَعْلَمُ ذَلِكَ بِهِ". قَالَ لِي عَمْرٌو: قَالَ: حَيْثُ يُفَارِقُكَ الْحُوتُ، وَقَالَ لِي يَعْلَى: خُذْ حُوتًا مَيْتًا حَيْثُ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ. فَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ، فَقَالَ لِفَتَاهُ: لَا أُكَلِّفُكَ إِلَّا أَنْ تُخْبِرَنِي حَيْثُ يُفَارِقُكَ الْحُوتُ، قَالَ مَا كَلَّفْتَ كَبِيرًا. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ﴾ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، لَيْسَتْ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: "فَبَيْنَا (٤) هُوَ فِي ظِلِّ صَخْرَةٍ فِي مَكَانٍ ثَرْيَانَ (٥) إِذْ تَضَرَّب (٦) الْحُوتُ وَمُوسَى نَائِمٌ فَقَالَ فَتَاهُ: لَا أُوقِظُهُ، حَتَّى إِذَا اسْتَيْقَظَ نَسِيَ أَنْ يُخْبِرَهُ، وَتَضَرَّبَ الْحُوتُ حَتَّى دَخَلَ الْبَحْرَ، فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جَرْيَة الْمَاءِ حَتَّى كَأَنَّ أَثَرَهُ فِي حَجَرٍ". [قَالَ: فَقَالَ لِي عَمْرٌو: هَكَذَا كَأَنَّ أَثَرَهُ فِي حَجَرٍ] (٧)، وَحَلَّقَ بَيْنَ إِبْهَامَيْهِ وَالَّتِي تَلِيهِمَا: ﴿لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ قَالَ: "وَقَدْ قَطَعَ اللَّهُ عَنْكَ النَّصَبَ" لَيْسَتْ هَذِهِ عِنْدَ سَعِيدٍ -أَخْبَرَهُ، فَرَجَعَا فَوَجَدَا خَضرًا. قَالَ: قَالَ (٨) عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: عَلَى طِنْفِسَة خَضْرَاءَ عَلَى كبِد (٩) الْبَحْرِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مُسَجى بِثَوْبٍ، قَدْ جَعَلَ طَرَفَهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ، وَطَرَفَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: هَلْ بِأَرْضٍ مِنْ سَلَامٍ؟ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: جِئْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتُ رُشْدًا. قَالَ: يَكْفِيكَ (١٠) التَّوْرَاةُ (١١) بِيَدِكَ، وَأَنَّ الْوَحْيَ يَأْتِيكَ!. يَا مُوسَى، إِنَّ لِي عِلْمًا لَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَعْلَمَهُ، وَإِنَّ لَكَ عِلْمًا لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَعْلَمَهُ. فَأَخَذَ طَائِرٌ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ [فَقَالَ: وَاللَّهُ مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ فِي جَنْبِ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَمَا أَخَذَ هَذَا الطَّائِرُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ] (١٢)، حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ وَجَدَا مَعَابِرَ صِغَارًا تَحْمِلُ (١٣) أَهْلَ هَذَا السَّاحِلِ إِلَى (١٤) هَذَا السَّاحِلِ الْآخَرِ عَرَفُوهُ، فَقَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ الصَّالِحُ؟. قَالَ فَقُلْنَا لِسَعِيدٍ: خَضِرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. لَا نَحْمِلُهُ بِأَجْرٍ. فَخَرَقَهَا، وَوَتَدَ فِيهَا وَتَدًا. قَالَ مُوسَى: ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾.
(٢) في أ: "فقال وقال".
(٣) في ت: "هل على الأرض"، وفي ف: "هل في الناس".
(٤) في ت: "فبينما".
(٥) في ف، أ: "يريان".
(٦) ف أ: "يضرب".
(٧) زيادة من ف، أ، والبخاري.
(٨) في ف، أ: "قال لى".
(٩) في ت: "كبده".
(١٠) في أ: "أما يكفيك"، وفي ت: "ألا تكفيك.
(١١) في ف: "أما يكفيك أن التوراة".
(١٢) زيادة من ف، أ، والبخاري.
(١٣) في ت: "فحمد".
(١٤) في ت، أ: "إلى أهل".
قَالَ مُجَاهِدٌ: مُنْكِرًا. قَالَ: ﴿أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ كَانَتِ الْأُولَى نِسْيَانًا، وَالْوُسْطَى شَرْطًا، وَالثَّالِثَةُ عَمْدًا ﴿قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا. فَانْطَلَقَا﴾. حَتَّى لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ. قَالَ يَعْلَى: قَالَ سَعِيدٌ، وَجَدَ غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ، فَأَخَذَ غُلَامًا كَافِرًا ظَرِيفًا فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ بِالسِّكِّينِ، فَقَالَ: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً﴾ لَمْ تَعْمَلْ بِالْحِنْثِ (١). وَابْنُ عَبَّاسٍ قَرَأَهَا ﴿زَكِيَّةً﴾ -" زَاكِيَة " مُسْلمَة، كَقَوْلِكَ (٢) : غُلَامًا زَكِيًّا فَانْطَلَقَا، فَوَجَدَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ، قَالَ [سَعِيدٌ] (٣) بِيَدِهِ هَكَذَا، وَرَفَعَ يَدَهُ فَاسْتَقَامَ -قَالَ يَعْلَى: حَسِبْتُ أَنَّ سَعِيدًا قَالَ: فَمَسْحَهُ بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ -قَالَ: ﴿لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ قَالَ سَعِيدٌ: أَجْرًا نَأْكُلُهُ ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ﴾ وَكَانَ أَمَامَهُمْ، قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: "أَمَامَهُمْ مَلِكٌ" يَزْعُمُونَ عَنْ غَيْرِ سَعِيدٍ أَنَّهُ هُدَدُ بْنُ بُدَدَ، وَالْغُلَامُ الْمَقْتُولُ (٤) اسْمُهُ -يَزْعُمُونَ-جَيسُور (٥) ﴿مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ فَأَرَدْتُ إِذَا هِيَ مَرَّتْ بِهِ أَنْ يَدَعَهَا بِعَيْبِهَا، فَإِذَا جَاوَزَهُ (٦) أَصْلَحُوهَا فَانْتَفَعُوا بِهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: سَدُّوهَا بِقَارُورَةٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بِالْقَارِ. ﴿فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ﴾ وَكَانَ كَافِرًا، ﴿فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾. أَنْ يَحْمِلَهُمَا حُبّه عَلَى أَنْ يُتَابِعَاهُ (٧) عَلَى دِينِهِ ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً﴾، ﴿وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ : هُمَا بِهِ أَرْحَمُ مِنْهُمَا بِالْأَوَّلِ الَّذِي قَتَلَ (٨) خَضِرٌ. وَزَعَمَ غَيْرُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمَا أُبْدِلَا جَارِيَةً. وَأَمَّا دَاوُدُ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ فَقَالَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ: إِنَّهَا جَارِيَةٌ (٩).
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَطَبَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ: مَا أَحَدٌ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَبِأَمْرِهِ مِنِّي. فَأمرَ أَنْ يَلْقَى هَذَا الرَّجُلَ. فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ بِزِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ (١٠)، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ (١١)، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: جَلَسْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ، إِنَّ نَوْفًا ابْنَ امْرَأَةِ كَعْبٍ، يَزْعُمُ عَنْ كَعْبٍ أَنَّ مُوسَى النَّبِيَّ الَّذِي طَلَبَ الْعَالَمَ إِنَّمَا هُوَ مُوسَى بْنُ مِيشَا؟ قَالَ سَعِيدٌ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أنوفٌ يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ سَعِيدٌ: فَقُلْتُ لَهُ: نَعَمْ، أَنَا سَمِعْتُ نَوْفًا يَقُولُ (١٢) ذَلِكَ. قَالَ: أَنْتِ سَمِعْتَهُ يَا سَعِيدُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: كَذَبَ نَوْفٌ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنْ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ رَبَّهُ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، إِنْ كَانَ فِي عِبَادِكَ أَحَدٌ (١٣) هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي، فَدُلَّنِي عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ، فِي عِبَادِي مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. ثُمَّ نَعَتَ لَهُ مَكَانَهُ (١٤) وَأَذِنَ لَهُ فِي لُقِيِّهِ. فَخَرَجَ مُوسَى وَمَعَهُ فَتَاهُ، وَمَعَهُ حُوتٌ مَلِيحٌ، قَدْ قِيلَ لَهُ: إِذَا (١٥) حَيِيَ هَذَا الْحُوتُ فِي مَكَانٍ، فَصَاحِبُكَ هُنَالِكَ، وَقَدْ أَدْرَكْتَ حَاجَتَكَ. فَخَرَجَ مُوسَى وَمَعَهُ فَتَاهُ، وَمَعَهُ ذَلِكَ الْحُوتُ يَحْمِلَانِهِ، فَسَارَ حَتَّى جَهَدَهُ السَّيْرُ، وَانْتَهَى إِلَى الصَّخْرَةِ وَإِلَى ذَلِكَ الْمَاءِ، وَذَلِكَ الْمَاءُ مَاءُ الْحَيَاةِ، من
(٢) في ت: "كقوله".
(٣) زيادة من ف، أ، والبخاري.
(٤) في ت: "المقصود".
(٥) في أ: "حيسون".
(٦) في أ: "جاوزوا".
(٧) في ت: "تبايعاه".
(٨) في أ: "قتله".
(٩) صحيح البخاري برقم (٤٧٢٦).
(١٠) تفسير عبد الرزاق (١/٣٤١، ٣٤٢).
(١١) في ف، أ: "عيينة".
(١٢) في ت: "فيقول".
(١٣) في ت: "واحد".
(١٤) في ف، أ: "بمكان".
(١٥) في أ: "إنه إذا".
شَرِبَ مِنْهُ خُلِّدَ، وَلَا يُقَارِبُهُ شَيْءٌ مَيْتٌ إِلَّا حَيِيَ. فَلَمَّا نَزَلَا وَمَسَّ الْحُوتُ الْمَاءَ حَيِيَ ﴿فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ فَانْطَلَقَا فَلَمَّا جَاوَزَ مُنْقَلَبَه قَالَ: مُوسَى لِفَتَاهُ: ﴿آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ قَالَ الْفَتَى -وَذَكَرَ-: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَظَهَرَ مُوسَى عَلَى الصَّخْرَةِ حَتَّى إِذَا انْتَهَيَا إِلَيْهَا، فَإِذَا رَجُلٌ مُتَلَفِّفٌ فِي كِسَاءٍ لَهُ، فَسَلَّمَ مُوسَى، فَرَدَّ عَلَيْهِ الْعَالِمُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا جَاءَ بِكَ إِنْ كَانَ لَكَ فِي قَوْمِكَ لَشُغل؟. قَالَ لَهُ مُوسَى: جِئْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ وَكَانَ رَجُلًا يَعْلَمُ عِلْمَ الْغَيْبِ قَدْ عُلِّم ذَلِكَ -فَقَالَ مُوسَى: بَلَى. قَالَ: ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾ ؟ أَيْ: إِنَّمَا تَعْرِفُ ظَاهِرَ مَا تَرَى مِنَ الْعَدْلِ، وَلَمْ تُحِطْ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ بِمَا أَعْلَمُ. ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ وَإِنْ رأيتُ مَا يُخَالِفُنِي، قَالَ: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ﴾ [وَإِنْ أَنْكَرْتَهُ] (١) ﴿حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ : فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ يَتَعَرَّضَانِ النَّاسَ، يَلْتَمِسَانِ (٢) مَنْ يَحْمِلُهُمَا، حَتَّى مَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ جَدِيدَةٌ وَثِيقَةٌ، لَمْ يَمُرَّ بِهِمَا مِنَ السُّفُنِ أَحْسَنُ وَلَا أَكْمَلُ وَلَا أَوْثَقُ مِنْهَا. فَسَأَلَا أَهْلَهَا أَنْ يَحْمِلُوهُمَا، فَحَمَلُوهُمَا (٣)، فَلَمَّا اطْمَأَنَّا فِيهَا وَلجّجَت بِهِمَا مَعَ أَهْلِهَا، أَخْرَجُ مِنْقَارًا لَهُ وَمِطْرَقَةً، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْهَا فَضَرَبَ فِيهَا بِالْمِنْقَارِ حَتَّى خَرَقَهَا. ثُمَّ أَخَذَ لَوْحًا فَطَبَّقَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهَا يُرَقِّعُهَا، فَقَالَ: لَهُ مُوسَى -وَرَأَى أَمْرًا أَفْظَعَ بِهِ-: ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ أَيْ: بِمَا تَرَكْتُ مِنْ عَهْدِكَ، ﴿وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾. ثُمَّ خَرَجَا (٤) مِنَ السَّفِينَةِ فَانْطَلَقَا، حَتَّى أَتَيَا (٥) أَهْلَ قَرْيَةٍ، فَإِذَا غِلْمَانٌ يَلْعَبُونَ خَلْفَهَا، فِيهِمْ غُلَامٌ لَيْسَ فِي الْغِلْمَانِ غُلَامٌ أَظْرَفُ مِنْهُ وَلَا أَثْرَى (٦) وَلَا أَوْضَأُ (٧) مِنْهُ، فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ، وَأَخَذَ (٨) حَجَرًا فَضَرَبَ بِهِ رَأْسَهُ حَتَّى دَمَغَهُ فَقَتَلَهُ، قَالَ: فَرَأَى مُوسَى أَمْرًا فَظِيعًا لَا صَبْرَ عَلَيْهِ، صَبِيٌّ صَغِيرٌ قَتَلَهُ لَا ذَنْبَ لَهُ (٩) قَالَ: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً﴾ (١٠) أَيْ: صَغِيرَةً ﴿بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي (١١) عُذْرًا﴾ أَيْ: قَدْ أعْذرتَ (١٢) فِي شَأْنِي. ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾، فَهَدَمَهُ ثُمَّ قَعَدَ يَبْنِيهِ، فَضَجِرَ مُوسَى مِمَّا يَرَاهُ (١٣) يَصْنَعُ مِنَ التَّكْلِيفِ، وَمَا لَيْسَ عَلَيْهِ صَبْرٌ، قَالَ: ﴿لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ أَيْ: قَدِ اسْتَطْعَمْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا، وَضِفْنَاهُمْ فَلَمْ يُضَيّفونا، ثُمَّ قَعَدْتَ تَعْمَلُ مِنْ غَيْرِ صَنِيعَةٍ، وَلَوْ شِئْتَ لَأُعْطِيتَ عَلَيْهِ أَجْرًا فِي عَمَلِهِ؟. قَالَ: ﴿هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ -وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ" -وَإِنَّمَا عِبْتُهَا (١٤) لِأَرُدَّهُ عَنْهَا، فَسَلِمَتْ (١٥) حِينَ رَأَى الْعَيْبَ الَّذِي صَنَعْتُ بِهَا. ﴿وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ أَيْ: مَا فَعَلْتُهُ عَنْ نَفْسِي، ﴿ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَا كَانَ الْكَنْزُ إِلَّا عِلْمًا (١٦).
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ مُوسَى وَقَوْمُهُ عَلَى مِصْرَ، أَنْزَلَ قَوْمَهُ (١٧)، فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ بِهِمُ الدَّارُ، أَنْزَلَ اللَّهُ: أَنْ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ فَخَطَبَ قَوْمَهُ، فَذَكَرَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالنِّعْمَةِ، وَذَكَّرَهُمْ إِذْ نَجَّاهُمُ اللَّهُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَذَكَّرَهُمْ هَلَاكَ عَدُوِّهِمْ، وَمَا اسْتَخْلَفَهُمُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ، وَقَالَ: كَلَّمَ اللَّهُ نَبِيَّكُمْ تَكْلِيمًا، وَاصْطَفَانِي لِنَفْسِهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ مَحَبَّةً مِنْهُ، وَآتَاكُمُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ مَا سألتموه؛ فنبيكم أفضل أهل الأرض، وأنتم تقرؤون التَّوْرَاةَ، فَلَمْ يَتْرُكْ نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا وَعَرَّفَهُمْ إِيَّاهَا. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: هُمْ (١٨) كَذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَدْ عَرَفْنَا الَّذِي تَقُولُ، فَهَلْ عَلَى الْأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا. فَبَعَثَ اللَّهُ جِبْرَائِيلَ إِلَى مُوسَى، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ (١٩)، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ [عَزَّ وَجَلَّ] (٢٠) يَقُولُ: وَمَا يُدْرِيكَ أَيْنَ أَضَعُ عِلْمِي؟ بَلَى (٢١). إِنَّ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ رَجُلًا هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ -قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْخَضِرُ-فَسَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ إِيَّاهُ، فَأَوْحَى إِلَيْهِ: أَنِ ائْتِ الْبَحْرَ، فَإِنَّكَ تَجِدُ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ حُوتًا، فَخُذْهُ فَادْفَعْهُ إِلَى فَتَاكَ، ثُمَّ الْزَمْ شَطَّ الْبَحْرِ، فَإِذَا نَسِيتَ الْحُوتَ وَهَلَكَ مِنْكَ، فَثَمَّ تَجِدُ الْعَبْدَ الصَّالِحَ الَّذِي تَطْلُبُ. فَلَمَّا طَالَ سَفَرُ مُوسَى نَبِيِّ اللَّهِ وَنَصَبَ فِيهِ، سَأَلَ فَتَاهُ عَنِ الْحُوتِ، فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ وَهُوَ غُلَامُهُ: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ لَكَ، قَالَ الْفَتَى: لَقَدْ رَأَيْتُ الْحُوتَ حِينَ اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا فَأَعْجَبَ ذَلِكَ مُوسَى، فَرَجَعَ حَتَّى أَتَى الصَّخْرَةَ، فَوَجَدَ الْحُوتَ، فَجُعِلَ الْحُوتُ يَضْرِبُ فِي الْبَحْرِ وَيَتْبَعُهُ مُوسَى، وَجَعْلَ مُوسَى يُقَدِّمُ عَصَاهُ يُفَرِّجُ بِهَا عَنْهُ الْمَاءَ يَتْبَعُ (٢٢) الْحُوتَ، وَجَعَلَ الْحُوتُ لَا يَمَسُّ شَيْئًا مِنَ الْبَحْرِ إِلَّا يَبِسَ، حَتَّى يَكُونَ صَخْرَةً (٢٣)، فَجَعَلَ نَبِيُّ اللَّهِ يَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى انْتَهَى بِهِ الْحُوتُ إِلَى جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، فَلَقِيَ الْخَضِرَ بِهَا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ الْخَضِرُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، وَأَنَّى يَكُونُ السَّلَامُ بِهَذِهِ (٢٤) الْأَرْضِ؟ وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى. فَقَالَ (٢٥) الْخَضِرُ: أَصَاحِبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ [قَالَ: نَعَمْ] (٢٦) فَرَحَّبَ بِهِ وَقَالَ: مَا جَاءَ (٢٧) بِكَ؟ قال جئتك ﴿عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ يَقُولُ: لَا تُطِيقُ ذَلِكَ. قَالَ مُوسَى ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ قَالَ: فَانْطَلَقَ بِهِ، وَقَالَ لَهُ: لَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ أَصْنَعُهُ حَتَّى أُبَيِّنَ لَكَ شَأْنَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾
وَقَالَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتبة بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ
(٢) في ف، أ: "يلتمسان".
(٣) في ت: "فحملوها".
(٤) في ت: "خرجاه".
(٥) في ف، أ: "حتى إذا أتيا".
(٦) في ف، أ: "ولا أبرأ".
(٧) في أ:"ولا أضوأ".
(٨) في ف: "فأخذ".
(٩) في ف: "عليه".
(١٠) في أ: "زاكية".
(١١) في ف: "قد بلغت منى". وهو خطأ.
(١٢) في ت: "عددت"، وفي أ: "عذرت".
(١٣) في أ: "رآه".
(١٤) في أ: "عيبتها".
(١٥) في ف: "فسلمت منه".
(١٦) رواه الطبري في تفسيره (١٥/١٨٠).
(١٧) في ت، ف، أ: "قومه مصر".
(١٨) في أ: "هن".
(١٩) في ف: "جبريل عليه السلام إلى موسى عليه السلام"، وفي أ: "جبريل إلى موسى عليه السلام".
(٢٠) زيادة من أ.
(٢١) في أ: "بل".
(٢٢) في أ: "حتى يتتبع".
(٢٣) في ت: "حتى يكون مثل الحجر".
(٢٤) في أ: "وأني يكون هذا السلام بهذا".
(٢٥) في ف، أ: "فقال له".
(٢٦) زيادة من ف، أ، والطبري.
(٢٧) في أ: "ما حاجتك".