
(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (٢٩)
أي (وَقُلِ) يا رسول اللَّه مبلغا صادعا بالحق (وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ)، قد ثبت وقام الدليل عليه من ربكم الذي خلقكم ورباكم ويعرف ما فيه خيركم وصلاحكم، وما فيه ضلالكم وفسادكم، وقد بين الحق، وما بقي إلا أن تتبعوا أو تنحرفوا، (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن) باتباع الطريق السوي، (وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) بالابتعاد عن الطريق الأمثل، وإن اللَّه أعد لكل جزاء، ثم ذكر سبحانه وتعالى ما أعده للمشركين، فقال: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارَا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا) وصفهم سبحانه بأنهم ظالمون؛ لأن الشرك ظلم للنفس وظلم للعقل، مع ظلمات متراكمة من فساد وصد عن سبيل اللَّه تعالى، و (أَعْتَدْنَا) يعني هيأنا وأعددنا (نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا) شبه حال الذين يدخلون النار، وتحيط بهم من كل جانب يكونون في سرادق ويحيط بهم إحاطة الدائرة بقطرها، أو شبهت النار بسرادق أحاطهم، وكله نار لَا يخرجون من قطر إلا إلى قطر، وإنهم يكونون في شدة، والعطش يكوي بطونهم كيا، (وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ)، والمهل هو المصهور من الفلزات، فإنه شديد الحرارة، وهو (يَشْوِي الْوُجُوهَ) شيا، فهو في حرارة تبلغ درجتها الألوف من أرقام الحرارة، وروي أن منه غليظا كرديء الزيت.
هذه جهنم التي تستقبلهم بسبب مجانبتهم الحق، وانغمارهم في الباطل انغمارا، وإنها بئس المقام، وبئس شرابها شرابا؛ ولذا قال تعالى: (بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرتَفَقًا)، أي هذا شراب مذموم أشد الذم لأنه يشوي الوجوه إن سكب على الوجوه، لَا يستبرد به ولكن تشوى به، ويقطع أمعاءهم، وجهنم ساءت مرتفقا أي ما أسوأها مكانا يرتفق، فلا اطمئنان، ولكن نيران ولظى، هذا جزاء

العصاة عبدة الأوثان فهم حقراء الفكر في الدنيا، ويصلون النار في الآخرة، وأصل ارتفق اتكأ على المرتفق، وهو علامة الاطمئنان ولا اطمئنان أبدا.
وأما جزاء المؤمنين الذين اختاروا الحق سبيلا، فهم في روح وريحان، وقد ذكر اللَّه تعالى جزاءهم فقال:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (٣٠) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (٣١)
بعد أن بين اللَّه تعالى جزاء العصاة عبدة الأوثان ذكر ما يستقبل المؤمنين المطيعين الذين يعملون الصالحات، فقال عز من قائل: