
ويقال أغفلنا عن ذكرنا الذين ابتلوا بنسيان الحقيقة ولا يتأسّفون «١» على ما منوا به ولا على ما فاتهم.
ويقال الغفلة تزجبة الوقت فى غير قضاء فرض أو أداء نفل.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٩]
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩)
قل يا محمد: ما يأتيكم من ربّكم فهو حقّ، وقوله صدق.. فمن شاء فليومن، ومن شاء فليكفر.. هذا غاية التهديد، أي إن آمنتم ففوائد إيمانكم عليكم مقصورة، وإن أبيتم فعذاب الجحود موقوف عليكم، والحقّ- سبحانه- عزيز لا يعود إليه بايمان الكافة- إذا وحّدوا- زين، ولا من كفر الجميع- إن جحدوا- شين.
قوله جلّ ذكره: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً العقوبة الكبرى لهم أن يشغلهم بالألم حتى لا يتفرغوا عنه إلى الحسرة على مافاتهم من الحقّ، ولو علموا ذلك لعلّه كان يرحمهم. والحقّ- سبحانه- أكرم من أن يعذب أحدا يتّهم لأجله.
ويقال لو علموا من الذي يقول: «وَساءَتْ مُرْتَفَقاً» لعله كان لهم تسل ساعة، ولكنهم لا يعرفون قدر من يقول هذا، وإلا فهذا شبه مرتبة لهم، والعبارة عن هذا تدق.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٣٠ الى ٣١]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١)

أهل الجنة طابت لهم حدائقها، وأهل النار أحاط بهم سرادقها.
والحقّ- سبحانه- منزّه عن أن يعود إليه من تعذيب هؤلاء عائدة ولا من تنعيم هؤلاء فائدة... جلّت الأحدية، وتقدّست الصمدية! ومن وقعت عليه غبرة فى طريقنا لم تقع عليه قترة فراقنا، ومن خطا خطوة إلينا وجد حظوة لدينا، ومن نقل قدمه نحونا غفرنا له ما قدّمه، ومن رفع إلينا يدا أجزلنا له رغدا، ومن التجأ إلى سدّة «١» كرمنا آويناه فى ظلّ نعمنا، ومن شكا فينا غليلا «٢» مهّدنا له- فى دار فضلنا- مقيلا.
«أجر من أحسن عملا» : العمل أحسنه ما كان مضبوطا بشرائط الإخلاص.
ويقال «مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا» بأن غاب عن رؤية إحسانه.
ويقال من جرّد قصده عن كلّ حظّ ونصيب.
ويقال الإحسان فى العمل ألا ترى قضاء حاجتك إلا فى فضله، فإذا أخلصت فى توسلك إليه بفضله، وتوصّلك إلى ما موّلك من طوله بتبرّيك عن حولك وقوّتك استوجبت حسن إقباله، وجزيل نواله.
قوله أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ أولئك هم أصحاب الجنان، فى رغد العيش وسعادة الجدّ «٣» وكمال الرّفد «٤»، يلبسون حلل الوصلة، ويتوّجون بتاج القربة،
(٢) وردت (عليلا) بالعين.
(٣) الجد- الحظ. [.....]
(٤) الرفد- العطاء والصلة.