
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (١٣)
يقص الله سبحانه قصصهم بالحق من وقت أن نشئوا وخوطبوا بالوحدانية في وسط الوثنية بعد بعث عيسى - عليه السلام - ومجيء بعض رجاله إليهم في الرومان داعين إلى التوحيد، والنبأ هو الخبر الخطير الشأن، وأي خطر وشأن أكبر من عدد من الناس ينام نحو ثلاثمائة سنة أو تزيد، وهو حي، ويتكفله اللَّه تعالى حتى يوقظه من مرقده، وهو لَا يدري على التعيين متى رقد، وقوله: (بِالْحَقِّ)، أي مصاحبا للحق لَا يغادر شيئا من الصدق، ولا يبعد، ثم أخذ سبحانه يقصص ذلك القصص الذي فيه أدل شيء على القدرة بعامة، والبعث بخاصة (إنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) الجملة منفصلة بيانية عما قبلها؛ لأنها في مرتبة البيان فهي بيان للقصص الحكيم، (فِتْيَةٌ) كما ذكرنا جمع فتى، وهو الشاب القوي غض النفس التي كانت على الفطرة، وهؤلاء فيهم فتوة الشباب وفتوة الإيمان، وهي جماع مكارم

الأخلاق، والابتعاد عن محارم اللَّه تعالى، وإطاعة أوامره، ففيهم فتوة الجسم وفتوة الإيمان، والسلوك القويم، وإن الاستقامة تسير بالمكلف في الخط المستقيم.
ولذا قال تعالى: (وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) ذلك أنهم سلكوا طريق الحق، وكلما وجدوا صعوبة في اعتناق الحق في وسط الوثنية رأوا ما هداهم اللَّه تعالى إليه، وما عليه غيرهم من عبادة الأوثان، فما اندغموا فيهم، بل أصروا إصرارا، فزادتهم المقارنة بين ما هم عليه وهدوا إليه، وما عليه الوثنيون من عبادة الأحجار، فكلما وازنوا ازدادوا إيمانا وكلما عُوِّقوا وفُتنوا صبروا، زادهم اللَّه قوة في دينهم، وإيمانا في صدورهم؛ ولهذا قال سبحانه: (وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)، أي بسبب ما سلكوه وأصروا عليه، ومعاناتهم من الفتنة ما عانوا زدناهم هدى، لأن من دخل مكان النور ازدادت الأمور له وضوحا، وازداد ضلال الضالين انكشافا، فكانت الهداية على بينة، وازداد بها علما ووثوقا وجاهروا بالحق، ورضوا بترك الأهل وترك العمران والإقامة في الكهوف والمغاور.
وإن اللَّه سبحانه وتعالى ثبَّت قلوبهم وجعلهم يقفون أمام جبابرة الأرض؛ ولذا قال سبحانه: