آيات من القرآن الكريم

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ

بهم من حفظ أبدانهم، فيزدادوا يقينا بكمال قدرته تعالى وعلمه، ويستبصروا به فى أمر البعث، ويكون ذلك لطفا لمؤمنى زمانهم، وآية بينة لكفارهم.
تفصيل ذلك القصص وبسطه
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٣ الى ١٨]
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (١٥) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (١٦) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧)
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨)
تفسير المفردات
النبأ: الخبر العظيم، وبالحق: أي بالصدق، والربط: الشد، وربطت الدابة:
شددتها بالرباط، والمربط: الحبل، وربط الله على قلبه، أي قوّى عزيمته، قاموا:

صفحة رقم 123

أي وقفوا بين يدى ملكهم الجبار دقيانوس، إلها: أي معبود آخرا لا استقلالا ولا اشتراكا، اتخذوا من دونه آلهة: أي نحتوا أصناما وعبدوها، والسلطان: الحجة، والبيّن: الظاهر، والاعتزال والتعزل: تجنب الشيء بالبدن أو بالقلب كما قال:

يا بيت عاتكة التي أتعزّل حذر العدا وبه الفؤاد موكّل
فأووا إلى الكهف: أي التجئوا إليه، وينشر لكم: أي يبسط لكم، والمرفق:
ما يرتفق وينتفع به، وتزاور: تتنحى، وذات اليمين: أي جهة يمين الكهف، وتقرضهم: أي تعدل عنهم، قال الكسائي: يقال: قرضت المكان: إذا عدلت عنه ولم تقربه، فجوة: أي متسع، والأيقاظ، واحدهم يقظ (بضم القاف وكسرها) والرقود:
واحدهم راقد، أي نائم، وباسط ذراعيه: أي مادّهما، والوصيد: فناء الكهف، والرعب: الخوف يملأ الصدر.
الإيضاح
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ) أي نحن ننبئك نبأ هؤلاء الفتية الذين آووا إلى الكهف، نبأ حقا لا محل للريبة فيه.
وفى هذا إيماء إلى أن نبأهم كان معروفا لدى العرب على وجه ليس بالصدق، ويدل على ذلك قول أمية بن أبى الصّلت:
وليس بها إلا الرقيم مجاورا وصيدهمو والقوم فى الكهف هجّد
ثم فصّل ذلك بقوله:
(إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً) أي إنهم شباب آمنوا بربهم، وزدناهم هدى بالتثبيت على الإيمان، والتوفيق للعمل الصالح، والانقطاع إلى الله، والزهد فى الدنيا.
وقد جرت العادة أن الفتيان أقبل للحق، وأهدى للسبل من الشيوخ الذين

صفحة رقم 124

قد عتوا وانغمسوا فى الأديان الباطلة، ومن ثم كان أكثر الذين استجابوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلّم شبّانا، وبقي الشيوخ على دينهم، ولم يسلم منهم إلا القليل.
ونحو الآية قوله: «وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ» وقوله:
«فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ» وقوله: «لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ».
فى أي زمن كان قصص أهل الكهف
؟ رجح ابن كثير أن قصص أهل الكهف كان قبل مجىء النصرانية، لا بعدها كما رواه كثير من المفسرين متّبعين ما أثر عن العرب، والدليل على ذلك أن أحبار اليهود كانوا يحفظون أخبارهم، ويعنون بها،
فقد روى عن ابن عباس أن قريشا بعثوا إلى أحبار اليهود بالمدينة يطلبون منهم أشياء يمتحنون بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فبعثوا إليهم أن يسألوه عن خبر هؤلاء الفتية، وعن خبر ذى القرنين، وعن الرّوح،
وفى هذا أعظم الأدلة على أن ذلك كان محفوظا عند أهل الكتاب، وأنه مقدّم على النصرانية.
(وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي وألهمناهم قوة العزيمة، وشددنا قلوبهم بنور الإيمان، حتى عزفت نفوسهم عما كانوا عليه من خفض العيش والرغبة عنه، وقالوا حين قاموا بين يدى الجبار دقيانوس إذ عاتبهم على تركهم عبادة الأصنام- ربنا رب السموات والأرض ورب كل مخلوق.
ثم أردفوا تلك المقالة البراءة من إله غيره فقالوا:
(لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً) أي لن ندعو من دون رب السموات والأرض إلها، لا على طريق الاستقلال ولا على سبيل الاشتراك، إذ لا رب غيره ولا معبود سواه.
وقد أشاروا بالجملة الأولى إلى توحيد الألوهية والخلق، وبالجملة الثانية إلى توحيد الربوبية والعبادة، وعبدة الأصنام يقرون بتوحيد الأولى، ولا يقرون بتوحيد

صفحة رقم 125

الثانية، بدليل قوله. «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» وقوله سبحانه حكاية عنهم: «ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى» وكانوا يقولون فى تلبيتهم فى الحج: لبيك لا شريك لك: إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك.
ثم عللوا عدم دعوتهم لغيره بقولهم:
(لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) أي إنا إذا دعونا غير الله، لقد أبعدنا عن الحق، وتجاوزنا الصواب.
وفى هذا إيماء إلى أنهم دعوا لعبادة الأصنام وليموا على تركها.
ثم حكى سبحانه عن أهل الكهف مقالة بعضهم لبعض فقال:
(هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) أي إن قومنا هؤلاء وإن كانوا أكبر منا سنّا وأكثر تجربة قد أشركوا مع الله غيره، فهلا أتوا بحجة بينة على صدق ما يقولون، كما أتينا على صدق ما ندّعى بالأدلة الظاهرة، وإنهم لأظلم الظالمين فيما فعلوا، افتروا، ومن ثم قال:
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً؟) أي لا أظلم ممن افترى على الله الكذب ونسب إليه الشريك، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً) أي وإذ فارقتموهم وخالفتموهم فى عبادتهم غير الله ففارقوهم بأبدانكم والجئوا إلى الكهف، وأخلصوا لله العبادة فى مكان تتمكنون منها بلا رقيب ولا حسيب، وإنكم إن فعلتم ذلك فالله تعالى يبسط لكم الخير من رحمته فى الدارين، ويسهل لكم من أمر الفرار بدينكم، والتوجه إليه فى عبادتكم، ما ترتفقون وتنتفعون به.
وقد قالوا ذلك ثقة بفضل الله تعالى ورجاء منه، لتوكلهم عليه وكمال إيمانهم به، أخرج الطبراني وابن المنذر عن ابن عباس قال: ما بعث الله نبيا إلا وهو شاب،

صفحة رقم 126

وقرأ: «قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ» «وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ» «إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ».
ثم بيّن سبحانه حالهم بعد أن أووا إلى الكهف فقال:
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ، وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) أي إنك أيها المخاطب لو رأيت الكهف لرأيت الشمس حين طلوعها تميل عنه جهة اليمين، ورأيتها حين الغروب تتركهم وتعدل عنهم جهة الشمال، والحال أنهم فى وسطه ومتسعه، فيصيبهم نسيم الهواء وبرده.
وخلاصة ذلك- إنهم طوال نهارهم لا تصيبهم الشمس فى طلوعها ولا فى غروبها، إذ كان باب الكهف فى مقابلة بنات نعش، فهو إلى الجهة الشمالية، والشمس لا تسامت ذلك أبدا، لأنها لا تصل إلى أبعد من خط السرطان، وكل بلاد بعده إلى جهة الشمال تكون الشمس من ورائها لا أمامها فيكون الظل مائلا جهة الشمال طول السنة، كما يعلم ذلك من علم الفلك.
وإيضاح ذلك أنه لو كان باب الكهف فى ناحية الشرق لما دخل إليه شىء منها حين الغروب، ولو كان من ناحية الجنوب لما دخل منها شىء حين الطلوع ولا الغروب وما تزاور الفيء لا يمينا ولا شمالا، ولو كان جهة الغرب لما دخلته وقت الطلوع، بل بعد الزوال ولا تزال فيه إلى الغروب.
مكان الكهف
وللمفسرين فى تعيين مكان الكهف أقوال: فقيل هو قريب من إيلياء (بيت المقدس) ببلاد الشام، وقال ابن إسحاق: عند نينوى ببلاد الموصل، وقيل ببلاد الروم، ولم يقم إلى الآن الدليل على شىء من ذلك، ولو كان لنا فى معرفة ذلك فائدة دينية لأرشدنا الله إليه كما
قال صلى الله عليه وسلّم: «ما تركت شيئا يقرّبكم إلى الجنة، ويباعدكم عن النار، إلا وقد أعلمتكم به».

صفحة رقم 127

(ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ) أي إن هدايتهم إلى التوحيد ومخالفتهم قومهم وآباءهم وعدم الاكتراث بهم وبملكهم مع حداثتهم، وإيواءهم إلى كهف تلك صفته بحيث تزاور الشمس عنهم طالعة، وتقرضهم غاربة، وإخبارك بقصصهم- كل ذلك من آيات الله الكثيرة فى الكون، الدالة على كمال قدرته، وعلى أن التوحيد هو الدين الحق، وعلى أن الله يكرم أهله.
ثم بين أن هدايتهم إلى التوحيد كانت بعناية الله ولطفه فقال:
(مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) أي من يوفّقه الله للاهتداء بآياته وحججه إلى الحق كأصحاب الكهف، فهو المهتدى الذي أصاب سبيل الحق، وفاز بالحظ الأوفر فى الدارين.
وفى هذا إيماء إلى أن أصحاب الكهف أصابوا الصواب، ووفّقوا لتحقيق ما أنيلوا من نشر الرحمة عليهم وتهيئة المرفق.
(وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) أي ومن يضلله الله لسوء استعداده، وصرف اختياره، إلى غير سبل الهدى والرشاد، فلن تجد له أبدا خليلا ولا حليفا يرشده لإصابة سبل الهداية، ويخلّصه من الضلال، لأن التوفيق والخذلان بيد الله، يوفّق من يشاء من عباده، ويخذل من يشاء.
وفى هذا تسلية لرسوله وإرشاد له إلى أنه لا ينبغى له أن يحزن على إدبار قومه عنه، وتكذيبهم إياه، فإن الله لو شاء لهداهم وآمنوا.
(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) أي ولو رأيتهم لظنتهم فى حال يقظة لانفتاح أعينهم وهم نيام، كأنهم ينظرون إلى من أمامهم، ولما للنوم من الحال الخاصة به التي يستبينها الناظر بادىء ذى بداء كاسترخاء المفاصل والأعضاء ولا سيما العينان والوجه.
(وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) ونقلّب هؤلاء الفتية فى رقدتهم مرة للجنب الأيمن، ومرة للجنب الأيسر، كى ينال روح النسيم جميع أبدانهم، ولا يتأثر ما يلى الأرض منها بطول المكث.

صفحة رقم 128
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية