آيات من القرآن الكريم

وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا
ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ

قَالَ: عِيسَى وَأُمُّهُ وَعُزَيْرٌ، وَقَالَ مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هُمْ عِيسَى وَعُزَيْرٌ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عِيسَى وَالْعُزَيْرُ وَالْمَلَائِكَةُ.
وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ لِقَوْلِهِ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ وَهَذَا لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْمَاضِي، فلا يدخل فيه عيسى والعزير والملائكة، وقال وَالْوَسِيلَةُ هِيَ الْقُرْبَةُ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ، وَلِهَذَا قال:
أَيُّهُمْ أَقْرَبُ. وقوله تعالى: وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ لَا تَتَمُّ الْعِبَادَةُ إِلَّا بِالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ فَبِالْخَوْفِ يَنْكَفُّ عَنِ الْمَنَاهِي، وبالرجاء يكثر من الطاعات. وقوله تعالى: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يُحَذَّرَ مِنْهُ وَيُخَافَ مِنْ وُقُوعِهِ وَحُصُولِهِ، عياذا بالله منه.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٨]
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٥٨)
هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّهُ قَدْ حَتَمَ وَقَضَى بما قد كتب عِنْدَهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ: أَنَّهُ مَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا سَيُهْلِكُهَا بِأَنْ يُبِيدَ أَهْلَهَا جَمِيعَهُمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِمَّا بِقَتْلٍ أَوِ ابْتِلَاءٍ بِمَا يَشَاءُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِسَبَبِ ذنوبهم وخطاياهم، كما قال تعالى عَنِ الْأُمَمِ الْمَاضِينَ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [هود: ١٠١] وقال تعالى: فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً [الطلاق: ٩] وقال وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ [الطلاق:
٨] الآيات.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٩]
وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (٥٩)
قَالَ سُنَيْدٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَكَ أَنْبِيَاءُ فَمِنْهُمْ مَنْ سُخِّرَتْ لَهُ الرِّيحُ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، فَإِنْ سَرَّكَ أَنْ نُؤْمِنَ بِكَ وَنُصَدِّقَكَ، فَادْعُ رَبَّكَ أَنْ يَكُونَ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ الَّذِي قَالُوا فَإِنْ شِئْتَ أَنْ نَفْعَلَ الَّذِي قَالُوا فَإِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا نَزَلَ الْعَذَابُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ مُنَاظَرَةٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ نَسْتَأْنِيَ بِقَوْمِكَ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ. قَالَ: «يَا رَبِّ اسْتَأْنِ بِهِمْ» «١» وَكَذَا قال قتادة وابن جريج وغيرهما.
وروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، وَأَنْ يُنَحِّيَ الْجِبَالَ عَنْهُمْ فَيَزْرَعُوا، فَقِيلَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ أَنْ نَسْتَأْنِيَ بِهِمْ، وَإِنْ شِئْتَ أن يأتيهم

(١) تفسير الطبري ٨/ ٩٨.
(٢) المسند ١/ ٢٥٨.

صفحة رقم 82

الذي سألوا فإن كفروا هلكوا، كَمَا أَهْلَكْتُ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ. وقال «لا، بل استأن بهم» وأنزل اللَّهُ تَعَالَى: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ الآية، ورواه النسائي وابن جَرِيرٍ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عِمْرَانَ بن حكيم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا وَنُؤْمِنُ بِكَ. قَالَ «وَتَفْعَلُونَ؟» قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَدَعَا فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ: إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، فَمَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَذَّبْتُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ»، وَإِنْ شئت فتحت لهم أبواب التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ، فَقَالَ: «بَلْ بَابَ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ».
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ تَمِيمٍ الْمِصِّيصِيُّ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بن عمر الْأَيْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عَطَاءٍ مَوْلَاةِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَتْ: سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ يَقُولُ لَمَّا نَزَلَتْ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشُّعَرَاءِ: ٢١٤] صَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي قَبِيسٍ «يَا آلَ عَبْدِ مُنَافٍ إِنِّي نَذِيرٌ» فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ فَحَذَّرَهُمْ وَأَنْذَرَهُمْ، فَقَالُوا: تَزْعُمُ أَنَّكَ نَبِيٌّ يُوحَى إِلَيْكَ، وَأَنَّ سُلَيْمَانَ سُخِّرَ لَهُ الرِّيحُ وَالْجِبَالُ، وَأَنَّ مُوسَى سُخِّرَ لَهُ الْبَحْرُ، وَأَنَّ عِيسَى كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُسَيِّرَ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَالَ وَيُفَجِّرَ لَنَا الْأَرْضَ أَنْهَارًا، فَنَتَّخِذَهَا مَحَارِثَ فَنَزْرَعَ وَنَأْكُلَ، وَإِلَّا فادع الله أن يحيي لنا موتانا لنكلمهم وَيُكَلِّمُونَا، وَإِلَّا فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُصَيِّرَ لَنَا هَذِهِ الصَّخْرَةَ الَّتِي تَحْتَكَ ذَهَبًا فَنَنْحَتَ مِنْهَا وَتُغْنِيَنَا عَنْ رِحْلَةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَإِنَّكَ تَزْعُمُ أنك كهيئتهم.
وقال: فَبَيْنَا نَحْنُ حَوْلَهُ إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ أَعْطَانِي مَا سَأَلْتُمْ وَلَوْ شِئْتُ لَكَانَ، وَلَكِنَّهُ خَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ تَدْخُلُوا بَابَ الرَّحْمَةِ فَيُؤَمَّنَ مُؤْمِنُكُمْ، وَبَيْنَ أَنْ يَكِلَكُمْ إِلَى مَا اخْتَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَتَضِلُّوا عَنْ بَابِ الرَّحْمَةِ، فَلَا يُؤَمَّنَ مِنْكُمْ أَحَدٌ، فَاخْتَرْتُ بَابَ الرَّحْمَةِ فَيُؤَمَّنُ مُؤْمِنُكُمْ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ إِنْ أَعْطَاكُمْ ذَلِكَ ثُمَّ كفرتم أن يعذبكم عذابا لا يعذبه أحد مِنَ الْعَالَمِينَ» وَنَزَلَتْ وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وقرأ ثَلَاثَ آيَاتٍ وَنَزَلَتْ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى [الرعد: ٣١] الآية.
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ أَيْ نَبْعَثُ الْآيَاتِ وَنَأْتِيَ بِهَا عَلَى مَا سَأَلَ قَوْمُكَ مِنْكَ فَإِنَّهُ سَهْلٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ لَدَيْنَا إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَذَّبَ بِهَا الأولون بعد ما سَأَلُوهَا، وَجَرَتْ سُنَّتُنَا فِيهِمْ وَفِي أَمْثَالِهِمْ أَنَّهُمْ لا يؤخرون إن كَذَّبُوا بِهَا بَعْدَ نُزُولِهَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى في المائدة

(١) المسند ١/ ٢٤٢.

صفحة رقم 83
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية