آيات من القرآن الكريم

وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ

فأجابهم الله تعالى أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ في عظمها وشدتها وكثرة أجزائها وقوتها قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ في صغرهم وضعفهم نظيره قوله لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ «١» وقوله أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ «٢».
وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا أي وقتا لعذابهم وهلاكهم لا رَيْبَ فِيهِ إنه إليهم، وقيل: إن هذا جواب لقولهم أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً، وقيل: هو يوم القيامة، وقيل: هو الموت الذي يعاينونه فَأَبَى الظَّالِمُونَ الكافرون إِلَّا كُفُوراً جحودا قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي أيّ أملاك ربي وأمواله وأراد بالرحمة هاهنا الرزق إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ لبخلتم وحبستم خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ أي الفاقة، وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً أي بخيلا ممسكا ضيقا.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٠١ الى ١١١]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤) وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥)
وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩) قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ قال ابن عبّاس والضحاك: هي العصا واليد البيضاء والعقدة التي كانت بلسانه فحلها وفلق البحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.
وقال: عكرمة: مطر، الوراق وقتادة ومجاهد والشعبي وعطاء: هي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا واليد والسنون ونقص من الثمرات.
وعن محمّد بن كعب القرظي قال: سألني عمر بن عبد العزيز عن الآيات التسع، فقلت:
الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ وعصا موسى ويده والطمس والبحر.
فقال عمر: وأنا أعرف إن الطمس إحداهن.

(١) سورة المؤمن: ٥٧.
(٢) سورة النازعات: ٢٧

صفحة رقم 137

قال محمّد بن كعب: إن رجل منهم كان مع أهله في فراشه وقد صار حجرين، وإن المرأة منهم لقائمة تختبز وقد صارت حجرا، وإن المرأة منهم لفي الحمام وإنها تصير حجرا.
فقال عمر: كيف يكون الفقه إلّا هكذا ثمّ دعا بخريطة فيها أشياء مما كانت أصيبت لعبد العزيز بن مروان بمصر حين كان عليها من بقايا آل فرعون فأخرج منها البيضة مشقوقة [قطعا] وإنها لحجر وأخرج الجوزة مشقوقة وإنها لحجر وأخرج أشباه ذلك من الفواكه وإنها لحجارة، وأخرج دراهم ودنانير وفلوسا وإنها لحجارة. فعلى هذا القول يكون الآيات بمعنى الدلالات والمعجزات.
وقال بعضهم: هي بمعنى آيات الكتاب.
روى شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن صفوان بن غسان المرادي: إن يهوديا قال لصاحبه: تعال حتّى نسأل هذا النبي، فقال الآخر: لا تقل نبي لأنه لو سمع صارت له أربعة أعين فأتياه فسألاه عن هذه الآية وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ.
فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لا تشركوا بالله شيئا ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ولا تزنوا ولا تَأْكُلُوا الرِّبَوا ولا تسحروا ولا تمشوا بالبريء إلى سلطان ليقتله ولا تسرقوا ولا تقذفوا المحصنة ولا تولوا يوم الزحف، وعليكم خاصة في اليهود أن لا يتعدوا في السبت» [٦٠] «١».
فقبّلوا يده [ورجله] «٢» وقالوا: نشهد أنّك نبي، قال: «فما يمنعكم أن تتبعوني؟» قالوا: إن داود دعا أن لا يزال في ذريته نبي، وإنّا نخاف إن اتبعناك تقتلنا اليهود «٣».
فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ موسى (عليه السلام)، وهو قراءة العامة، وروى حنظلة السّدوسي عن شهر بن حوشب عن ابن عباس أنّه قرأ فَسَأَلَ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ على الخبر وقال: سأل موسى فرعون أن يخلّي سبيل بني إسرائيل ويرسلهم معه.
فقال له فرعون: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً أي قد سحروك، قاله الكلبي، وقال ابن عباس: مخدوعا، وقال محمّد بن جرير: يعطي علم السحر فهذه العجائب التي يفعلها من سحرك، وقال الفرّاء وأبو عبيد: ساحرا فوضع المفعول موضع الفاعل، كما يقال: هو مشؤوم وميمون أي شائم ويامن، وقيل: معناه: وإنّي لأعلمك يا موسى بشرا ذا سحر، أي له رئة «٤».
قال موسى: لَقَدْ عَلِمْتَ قراءة العامة بفتح التاء خطابا لفرعون، وقرأ الكسائي بضم التاء وهي قراءة علي.

(١) الدر المنثور: ٤/ ٢٠٤، وفتح القدير: ٣/ ٢٦٥.
(٢) زيادة من المصدر.
(٣) تفسير الطبري: ١٥/ ٢١٦، ومسند أحمد: ٤/ ٢٤٠.
(٤) فتح القدير: ٤/ ٦٣، ومختار الصحاح: ١٥٦.

صفحة رقم 138

روى شعبة عن أبي إسحاق عن رجل من مراد عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أنه قرأها:
لَقَدْ عَلِمْتُ برفع التاء وقال: والله ما علم عدو الله ولكن موسى هو الذي علم، قال: فبلّغت ابن عباس فقال: إنها لَقَدْ عَلِمْتَ تصديقا لقوله: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ.
قال أبو عبيد: والمأخوذ عندنا نصب التاء، وهو أصح من المعنى الذي احتجّ به ابن عباس، ولأن موسى (عليه السلام) لا يحتج بأن يقول علمت أنا وهو الرسول الداعي، ولو كان مع هذا كلّه تصح تلك القراءة [عن علي] لكانت حجة، ولكنها ليست تثبت عنه إنما هي عن رجل مجهول، ولا نعلم أحدا من القرّاء تمسك بها غير الكسائي، والرجل المرادي الذي روى عنه أبو إسحاق هو كلثوم المرادي «١».
ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ الآيات التسع إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ جمع بصيرة وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً قال ابن عباس: يعني ملعونا، مجاهد: هالكا، قتادة: مهلكا «٢».
وروى عيسى بن موسى عن عطية العوفي في قوله: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً قال:
مبدّلا «٣»، ابن زيد: مخبولا، لا عقل لك، مقاتل: مغلوبا، ابن كيسان: بعيدا عن الخيرات، وروى سفيان بن حصين عن الحسن في قوله: وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً قال [سلاحا] «٤» في القطيفة.
قال مجاهد: دخل موسى على فرعون في يوم شات وعليه قطيفة له فألقى موسى عصاه فرأى فرعون جانبي البيت بين [فقميها]، ففزع فرعون وأحدث في قطيفته.
وعن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: كنت قائما على رأس المأمون وهو يناظر رجلا فسمعته يقول: يا مثبور، ثم أقبل عليّ فقال: يا إبراهيم ما معنى: يا مثبور؟ قلت: لا أدري، فقال: حدّثني الرشيد قال: حدّثني أمير المؤمنين المنصور فسمعته يقول لرجل يا مثبور، فقلت له: يا أمير المؤمنين ما معنى مثبور؟ قال: قال ميمون بن مهران قال ابن عباس في قوله: وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً قال: ناقص العقل، قال الفرّاء: يعني مصروفا ممنوعا من الخير، والعرب تقول: ما ثبرك عن هذا الحق؟ أي ما منعك عنه وصرفك، وثبره الله يثبره ومثبره وهو لغتان، وقال ابن الزهري: الغليظ الأرب إذا بارى الشيطان في سنن الغي ومن مال ميله مثبور.
فَأَرادَ فرعون أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ يعني يخرجهم، أي بني إسرائيل مِنَ الْأَرْضِ أي أرض مصر والشام.

(١) راجع الثقات لابن حبان: ٧/ ٤٦١.
(٢) كذا في المخطوط، وفي تفسير الطبري: مالكا، كما عن مجاهد.
(٣) كذا في المخطوط، وفي تفسير الطبري: مالكا، كما عن مجاهد.
(٤) تفسير الطبري: ١٥/ ١٩.

صفحة رقم 139

فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً ونجّينا موسى وقومه وَقُلْنا لهم مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد هلاك فرعون وقومه لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ يعني مصر والشام فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ وهي الساعة جِئْنا بِكُمْ من قبوركم الى موقف القيامة لَفِيفاً مختلطين وقد التفّ بعضكم ببعض لا تتعارفون ولا ينحاز [أحدكم] إلى قبيلته وحيّه، وهو من قول الجيوش إذا اختلطوا، وكل شيء اختلط بشيء تعطّف به والتفّ.
وقال مجاهد والضحاك: (لَفِيفاً) أي جميعا، ووحّد اللفيف وهو خبر عن الجمع لأنه بمعنى المصدر كقول القائل: لففته لفا ولفيفا.
وقال الكلبي فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ يعني مجيء عيسى ابن مريم من السماء جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً وقال البزّار: من هاهنا وهاهنا، يقول: جميعا.
وهذه القصة تعزية لنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم وتقوية لقلبه، يقول الله تعالى: كما أنزلت عليك القرآن فكذبك كفار قومك من مكة كذلك آتيت موسى التوراة فكذبه فرعون وقومه، وكما أراد أهل مكة أن يستفزّوك منها، كذلك أراد فرعون أن يستفزّ موسى وبني إسرائيل من مصر، فأنجيناهم منهم وأظفرتهم عليهم، وكذلك أظفرتك على أعدائك، وأتمّ نعمتي عليك وعلى من اتّبعك نصرة للدين وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ، فأنجز الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده وله الحمد والمنّة.
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ يعني القرآن وَما أَرْسَلْناكَ يا محمد إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَقُرْآناً فَرَقْناهُ أي وأنزلناه قرآنا ففصّلناه.
قرأ ابن عباس: فرّقناه بالتشديد وقال: لأنه لم ينزل مرة واحدة وانما أنزل [نجوما] في عشرين سنة، وتصديقه قراءة أبي بن كعب وقرآنا فرّقناه عليك، وقرأ الباقون بالتخفيف كقوله فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ.
قال ابن عباس فصّلناه، قال الحسن: فرّق الله به بين الحق والباطل، وقرأ الآخرون:
بيّناه.
لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ أي تؤدة ومهل في ثلاث وعشرين سنة وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا. قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا أمر وعد وتهديد إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ أي من قبل نزول القرآن وخروج محمد صلّى الله عليه وسلّم وهم مؤمنو أهل الكتاب إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يعني القرآن يَخِرُّونَ يسقطون لِلْأَذْقانِ على الأذقان وهي جمع الذقن وهو مجتمع اللحيين، قال ابن عباس أراد الوجوه سُجَّداً. وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا قال مجاهد: هم ناس من أهل الكتاب حين سمعوا ما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم خرّوا سجدا وقالوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ أي وقد كان وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ نزول القرآن خُشُوعاً وخضوعا وتواضعا لربّهم.

صفحة رقم 140

قال عبد الأعلى التيمي: من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق أن لا يكون أوتي علما ينفعه، وتلا هذه الآية «١»، نظيرها قوله: إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا «٢».
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ الآية،
قال ابن عباس: تهجّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة فجعل يقول في سجوده: يا الله يا رحمن يا رحيم، فقال المشركون: كان محمد يدعو إلها واحدا فهو الآن يدعوا إلهين اثنين الله والرحمن، والله ما نعرف الرحمن إلّا رحمن اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية.
قال ميمون بن مهران: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم في أول ما أوحي إليه يكتب: باسمك اللهم حتى نزلت هذه الآية: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فكتب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، فقال مشركو العرب: هذا الرحيم نعرفه فما الرحمن؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية «٣».
الضحاك: قال أهل الكتاب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنّك لتقلّ ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم، فأنزل الله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ الآية «٤».
أَيًّا ما تَدْعُوا من هذين الاسمين ومن جميع أسمائه فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [.....] مجازه: أيّا تدعوا، كقوله: عَمَّا قَلِيلٍ «٥» وجُنْدٌ ما هُنالِكَ.
وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها
قال ابن عباس: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع ذلك المشركون سبّوا القرآن ومن أنزله ومن تلا به «٦» كما حكاه القرآن: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ «٧» ربما صفّروا ليغلّطوا النبي صلّى الله عليه وسلّم ويخلطوا عليه قراءته فأنزل الله تعالى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أي في الصلاة فيسمع المشركون فيؤذوك، ولا تُخافِتْ بِها فلا يسمع أصحابك حتى يأخذوا عنك «٨».
وقال سعيد: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يجهر بقراءة القرآن في المسجد الحرام، فقالت قريش: لا تجهر بالقراءة فتؤذي آلهتنا فنهجو ربك
، وقال مقاتل: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي في دار أبي سفيان بن حرب عند الصفا، يجهر بقرائته فمرّ به أبو جهل فقال: لا تفتر على الله، فجعل يخفت

(١) سنن الدارمي: ١/ ٨٨، وتفسير الثعالبي: ٤/ ١٥٤. [.....]
(٢) سورة مريم ٥٨.
(٣) أسباب النزول للواحدي: ٢٠٠.
(٤) المصدر السابق.
(٥) سورة المؤمنون: ٤٢.
(٦) تفسير الطبري: ١٥/ ٢٣٠، وفيه: ومن جاء به.
(٧) سورة فصلت: ٢٦.
(٨) تفسير الطبري: ١٥/ ٢٣٠.

صفحة رقم 141

صوته، فقال أبو جهل للمشركين: ألا ترون ما فعلت بابن أبي كبشة، رددته عن قراءته فأنزل الله تعالى هذه الآية «١».
وروى [علقمة] عن ابن سيرين في هذه الآية قال: كان أبو بكر (رضي الله عنه) يخافت بالقراءة في الصلاة ويقول: أناجي ربي، وقد علم بحاجتي، وكان عمر بن الخطاب يرفع صوته ويقول:
أزجر الشيطان وأوقظ المنان، فأمر أبو بكر حين نزلت هذه الآية أن يرفع صوته شيئا، وأمر عمر أن يخفض شيئا «٢».
وقالت عائشة رضي (رضي الله عنه) : نزلت هذه الآية في التشهد، كان الأعرابي يجهر فيقول:
التحيات لله والصلوات ويرفع بها صوته، فنزلت هذه الآية، وقال الحسن: [لا تراء] بصلاتك في العلانية ولا [تسئها] في السر.
الوالبي عن ابن عباس: لا تصلّ مرائيا الناس، ولا تدعها مخافة الناس، ابن زيد: كان أهل الكتاب يخافتون في الصلاة، لم يجهر أحدهم بالحرف فيصيح ويصيح من وراءه، فنهاه الله أن يصيح كما يصيحون، وخافت كما يخافتون، والسبيل الذي بين ذلك الذي بيّن له جبرئيل في الصلاة.
وقال: علي والنخعي ومجاهد وابن مكحول: هي في الدعاء «٣»
، [وبه
قال أشعث عن] عطية «٤» عن ابن عباس، وقال عبد الله بن شدّاد: كان أعراب من بني تميم إذا سلّم النبي صلّى الله عليه وسلّم قالوا: «اللهم ارزقنا»، فقال لهم: أتجهرون؟ فأنزل الله هذه الآية.
ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن دراج أبي السمح أن شيخا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثه أن رسول الله قال في هذه الآية: «إنما أنزلت في الدعاء، يقول: لا ترفع صوتك في الدعاء عند استغفارك واذكر ذنوبك فيسمع منك فتعبّر بها وتخافت في الصوت والسكون» [٦١]،
ومنه يقال للميّت إذا برد خفت.
وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ أي بين الجهر والإخفات سَبِيلًا وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً قال الحسين بن الفضل: يعني الذي عرّفني أنّه لم يتخذ ولدا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ قال مجاهد: لم يذل فيحتاج الى ولي يتعزز به.
وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً وعظّمه أن يكون له شريك أو ولي، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قول العبد: «الله أكبر» خير من الدنيا وما فيها.

(١) زاد المسير ٥/ ٧٠.
(٢) تفسير الطبري: ١٥/ ٢٣٢.
(٣) يراجع تفسير ابن كثير: ٣/ ٧٣.
(٤) في تفسير ابن كثير: عكرمة عن ابن عباس.

صفحة رقم 142

وروى سهل بن معاذ عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آية العزّ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً» [٦٢] الى آخره.
وروى سفيان بن وكيع عن سفيان بن عيينة عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علّمه هذه الآية سبع مرات «١».
وروى محمد بن سلمة عن عبد الحميد بن واصل قال: من قرأ آخر بني إسرائيل كتب الله له من الأجر ملء السموات والأرض لأن الله يقول فيمن زعم أن له ولدا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً «٢» قال: فيكتب له من الأجر على قدر ذلك.

(١) المصنف لابن أبي شيبة: ١/ ٣٨٣.
(٢) سورة مريم: ٩٠- ٩١.

صفحة رقم 143
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية