آيات من القرآن الكريم

وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا
ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ

هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا (١٠٢) فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا (١٠٣) وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (١٠٤)
شرح الكلمات:
خزائن رحت ربي: أي من المطر والأرزاق.
لأمسكتم: أي منعتم الإنفاق.
خشية الإنفاق: خوف النفاد.
قتوراً: أي كثير الإقتار أي البخل والمنع للمال.
تسع آيات بينات: أي معجزات بينات أي واضحات وهو اليد والعصا والطمس الخ.
مسحوراً: أي مغلوباً على عقلك، مخدوعاً.
ما أنزل هؤلاء: أي الآيات التسع.
مثبوراً: هالكاً بانصرافك عن الحق والخير.
فأراد أن يستفزهم: أي يستخفهم ويخرجهم من ديار مصر.
اسكنوا الأرض: أي أرض القدس والشام.
الآخرة: أي الساعة.
لفيفاً: أي مختلطين من أحياء وقبائل شتى.
معنى الآيات:
يقول تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قل يا محمد لأولئك الذين يطالبون بتحويل جبل الصفا إلى ذهب، وتحويل المنطقة حول مكة إلى بساتين من نخيل وأعناب تجري الأنهار من خلالها، قل لهم، لو كنتم أنتم تملكون خزائن رحمة ربي من الأموال والأرزاق لأمسكتم بخلا بها ولم تنفقوها خوفاً من نفادها إذ هذا طبعكم، وهو البخل، ﴿وكان الإنسان﴾ قبل هدايته وإيمانه ﴿قتوراً﴾ أي كثير التقتير بخلاً وشحاً نفسياً ملازماً له حتى يعالج هذا الشح بما وضع الله تعالى من دواء نافع جاء بيانه في سورة المعارج١ من هذا

١ هو قوله تعالى: ﴿إنّ الإنسان خلق هلوعاً إذا مسّه الشر جزوعاً وإذا مسّه الخير منوعاً إلاّ المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون﴾ إلى قوله: ﴿والذين هم على صلاتهم يحافظون﴾.

صفحة رقم 229

الكتاب الكريم.
وقوله تعالى: ﴿ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات١﴾ أي، ولقد أعطينا موسى بن عمران نبي بني إسرائيل تسع آيات وهي: اليد، والعصا والدّم٢، وانفلاق البحر، والطمس على أموال آل فرعون، والطوفان والجراد والقمل والضفادع، فهل آمن عليها آل فرعون؟! لا، إذاً، فلو أعطيناك ما طالب به قومك المشركون من الآيات الست التي اقترحوها وتقدمت في هذه السياق الكريم مبينة، ما كانوا ليؤمنوا بها، ومن هنا فلا فائدة من إعطائك إياها.
وقوله تعالى: ﴿فاسأل بني إسرائيل﴾ أي سل يا نبينا علماء بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وغيره، إذ جاءهم موسى بطالب فرعون بإرسالهم معه ليخرج بهم إلى بلاد القدس، وأرى فرعون الآيات الدالة على صدق نبوته ورسالته وأحقية ما يطالب به فقال له فرعون: ﴿إني لأظنك يا موسى مسحوراً﴾ أي ساحراً لإظهارك ما أظهرت من هذه الخوارق، ومسحوراً بمعنى مخدوعاً مغلوباً على عقلك فتقول الذي تقول مما لا يقوله العقلاء فرد عليه موسى بقوله بما أخبر تعالى به في قوله ﴿لقد علمت﴾ أي فرعون ما أنزل هؤلاء الآيات البينات إلا رب السماوات أي خالقها ومالكها والمدبر لها ﴿بصائر﴾ أي آيات واضحات مضيئات هاديات لمن طلب الهداية، فعميت عنها وأنت تعلم صدقها ﴿وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً٣﴾ ! أي من أجل هذا أظنك يا فرعون ملعوناً، من رحمة الله مبعداً مثبوراً هالكاً. فلما أعيته أي فرعون الحجج والبينات لجأ إلى القوة، ﴿فأراد أن يستفزهم من الأرض﴾ أي يستخفهم من أرض مصر بالقتل الجماعي استئصالاً لهم، أو بالنفي والطرد والتشريد، فعامله الرب تعالى بنقيض، قصده فأغرقه الله تعالى هو وجنوده أجمعين، وهو معنى قوله تعالى: ﴿فأغرقناه ومن معه﴾ أي من الجنود ﴿أجمعين﴾ وقوله تعالى:

١ روى الترمذي وصححه والنسائي عن صفوان بن عسال المرادي: " أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي نسأله، فقال: لا تقل له نبي فإنه إن سمعنا كان له أربعة أعين، فأتيا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألاه عن قول الله تعالى: ﴿ولقد آتينا موسى تسع آيات بيّنات﴾ فقال: لا تشركوا بالله شيئاً ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق ولا تسرقوا ولا تسحروا ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف، وعليكم يا معشر يهود خاصة ألاّ تعدوا في السبت فقبّلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنك نبي قال: ما يمنعكما أن تؤمنا؟ قالا: إن داود دعا الله ألاّ يزال في ذريته نبي وإنّا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود". وعليه فالمراد بالآيات: آيات التشريع في التوراة، وهذا وجه. ولا منافاة مع تفسير الآيات بالمعجزات التسع كما في التفسير.
٢ لا خلاف في اليد والعصا والطوفان والجراد والقمّل والدم وإنما الخلاف في الثلاث الباقية وانفلاق البحر مجمع عليه وإنما في الطمس والحجر لأن الحجر كان في التيه بعد نجاة بني إسرائيل.
٣ الظنّ هنا بمعنى التحقيق، وذكر لكلمة مثبور عدة معان كلها صحيحة منها: الهلاك والخسران والخبال والمنع من الخير، قال ابن الزّبعرى:
إذ أجاري الشيطان في سنن الغيِّ ومَنْ مال مَيْلَةُ مثبورُ
أي هالك وخاسر.

صفحة رقم 230
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية