آيات من القرآن الكريم

وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ

أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً [النِّسَاءِ: ٥٣] أَيْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ نَصِيبًا فِي مُلْكِ اللَّهِ لَمَا أَعْطَوْا أَحَدًا شَيْئًا وَلَا مِقْدَارَ نَقِيرٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَصِفُ الْإِنْسَانَ مِنْ حَيْثُ هُوَ إِلَّا مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَهَدَاهُ، فَإِنَّ الْبُخْلَ وَالْجَزَعَ وَالْهَلَعَ صِفَةٌ لَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ [الْمَعَارِجِ: ١٩- ٢٢] وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ، وَيَدُلُّ هَذَا عَلَى كَرَمِهِ وَجُودِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ» «١».
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٠١ الى ١٠٤]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤)
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ بَعَثَ مُوسَى بِتِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَهِيَ الدَّلَائِلُ الْقَاطِعَةُ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ وَصِدْقِهِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَمَّنْ أَرْسَلَهُ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَهِيَ الْعَصَا وَالْيَدُ وَالسِّنِينَ وَالْبَحْرُ وَالطُّوفَانُ وَالْجَرَادُ وَالْقُمَّلُ وَالضَّفَادِعُ وَالدَّمُ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ «٢». وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هِيَ الْيَدُ وَالْعَصَا، وَالْخَمْسُ فِي الْأَعْرَافِ وَالطَّمْسَةُ وَالْحَجَرُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ: هِيَ يَدُهُ وَعَصَاهُ وَالسِّنِينَ وَنَقْصُ الثَّمَرَاتِ وَالطُّوفَانُ وَالْجَرَادُ وَالْقُمَّلُ وَالضَّفَادِعُ وَالدَّمُ، وَهَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ حَسَنٌ قَوِيٌّ، وَجَعَلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ السِّنِينَ وَنَقْصَ الثَّمَرَاتِ وَاحِدَةً، وَعِنْدَهُ أَنَّ التَّاسِعَةَ هِيَ تَلَقُّفُ الْعَصَا مَا يَأْفِكُونَ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ [الْأَعْرَافِ: ١٣٣] أَيْ وَمَعَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَمُشَاهَدَتِهِمْ لَهَا، كَفَرُوا بِهَا وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا، وَمَا نَجَعَتْ فِيهِمْ: فَكَذَلِكَ لَوْ أَجَبْنَا هؤلاء الذين سألوا منك ما سَأَلُوا، وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا من الأرض ينبوعا إِلَى آخِرِهَا، لَمَا اسْتَجَابُوا وَلَا آمَنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، كَمَا قَالَ فِرْعَوْنُ لِمُوسَى وَقَدْ شَاهَدَ مِنْهُ مَا شَاهَدَ مِنْ هَذِهِ الآيات إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً قِيلَ: بِمَعْنَى سَاحِرٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
فَهَذِهِ الْآيَاتُ التِّسْعُ الَّتِي ذَكَرَهَا هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ هي المراد هَاهُنَا، وَهِيَ الْمَعْنِيَّةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسى لَا تَخَفْ- إلى قوله- فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ [النَّمْلِ: ١٠- ١٢] فَذَكَرَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الْعَصَا وَالْيَدَ وَبَيَّنَ الْآيَاتِ الْبَاقِيَاتِ فِي سُورَةِ الأعراف وفصلها. وقد أوتي موسى عليه

(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١١، باب ٢، والتوحيد باب ١٩، ٢٢، ومسلم في الزكاة حديث ٣٧، والترمذي في تفسير سورة ٥، باب ٣، وأحمد في المسند ٢/ ٣١٣، ٥٠٠.
(٢) تفسير الطبري ٨/ ١٥٥.

صفحة رقم 114

السَّلَامُ آيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً، مِنْهَا ضَرْبُهُ الْحَجَرَ بالعصا، وخروج الماء مِنْهُ، وَمِنْهَا تَظْلِيلُهُمْ بِالْغَمَامِ وَإِنْزَالُ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، وغير ذلك مما أوتيه بَنُو إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِمْ بِلَادَ مِصْرَ، وَلَكِنْ ذَكَرَ هَاهُنَا التِّسْعَ الْآيَاتِ الَّتِي شَاهَدَهَا فِرْعَوْنُ وقومه من أهل مصر، فكانت حُجَّةً عَلَيْهِمْ فَخَالَفُوهَا وَعَانَدُوهَا كُفْرًا وَجُحُودًا.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا يَزِيدُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ:
سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هذا النبي حَتَّى نَسْأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَقَالَ: لَا تَقُلْ لَهُ نَبِيٌّ، فَإِنَّهُ لَوْ سَمِعَكَ لَصَارَتْ لَهُ أَرْبَعُ أَعْيُنٍ، فَسَأَلَاهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً- أَوْ قَالَ لَا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ شُعْبَةُ الشَّاكُّ- وَأَنْتُمْ يَا يَهُودُ عَلَيْكُمْ خَاصَّةً أَنْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ» فَقَبَّلَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ. قَالَ: «فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تَتَّبِعَانِي؟» قالا: لأن دواد عليه السلام دعا أن لا يَزَالَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وَإِنَّا نَخْشَى إِنْ أَسْلَمْنَا أَنْ تَقْتُلَنَا يَهُودُ «٢». فَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ هَكَذَا التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهُوَ حَدِيثُ مُشْكَلٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ، وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ التِّسْعُ الْآيَاتُ بِالْعَشْرِ الْكَلِمَاتِ فَإِنَّهَا وَصَايَا فِي التَّوْرَاةِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَى فِرْعَوْنَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلِهَذَا قَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ أَيْ حُجَجًا وَأَدِلَّةً عَلَى صِدْقِ مَا جِئْتُكَ بِهِ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً أَيْ هَالِكًا، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَلْعُونًا، وَقَالَ أَيْضًا هُوَ وَالضَّحَّاكُ مَثْبُوراً أَيْ مَغْلُوبًا، وَالْهَالِكُ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ يشمل هذا كله، قال الشاعر عبد الله بن الزبعرى: [الخفيف]

إِذْ أُجَارِي الشَّيْطَانَ فِي سُنَنِ الْغَيِّ وَمَنْ مال ميله مثبور «٣»
وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ بِرَفْعِ التَّاءِ مِنْ قَوْلِهِ عَلِمْتُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَلَكِنْ قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ لِفِرْعَوْنَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا [النَّمْلِ: ١٤] الآية، فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتِّسْعِ الْآيَاتِ إِنَّمَا هِيَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ من العصا واليد والسنين ونقص من
(١) المسند ٤/ ٢٣٩.
(٢) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ١٧، باب ١٥، والنسائي في التحريم باب ١٨.
(٣) البيت لابن الزبعرى في تفسير البحر المحيط ٦/ ٦٧، والجامع لأحكام القرآن ١٠/ ٣٣٨، وسيرة ابن هشام ٢/ ٤١٩، وتفسير الطبري ٨/ ١٥٩.

صفحة رقم 115
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية