
جزاء (١)، وما كان طاعة لله تعالى فهو الأحسن الذي وعد الله عليه الجزاء، ومن جزاه الله بأحسن عمله غفر له ذنوبه، وهذه الآيات زجر عن الأيمان الكاذبة فيما كانت، وحَثٌّ على الوفاء بالعهود والأيمان، وذكر الكلبي: أن هذه الآيات نزلت في امرئ القيس بن عابس الكندي (٢)، وفي خصمه عيدان ابن أشوع (٣)؛ كان يَدَّعي عليه أرضًا اقتطعها له، وأراد امرؤ (٤) القيس أن يحلف، فلما سمع هذه الآيات بكى وأقَرَّ له بحقه (٥).
٩٧ - قوله تعالى: ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ قال ابن عباس في رواية أبي الربيع (٦) وأبي مالك: هي الرزق الطيب الحلال (٧)، ونحو
(٢) امرؤ القيس بن عابس الكندي -رضي الله عنه- صحابي، وفد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسلم وثبت على إسلامه، ولم يكن فيمن ارتد من كندة، وكان شاعرًا نزل الكوفة في أواخر عمره وتوفي بها نحو سنة (٢٥ هـ). انظر: "الاستيعاب" ١/ ١٩٤، و"أسد الغابة" ١/ ١٣٧، و"الأعلام" ٢/ ١١.
(٣) عيدان بن أشوع -رضي الله عنه- هو رَبِيعَةُ بن عَيْدَان بن ذي العرف بن وائل الكِنْدِي، ويقال: الحضرمي، شهد فتح مصر، وله صحبة، وهو الذي تخاصم مع امرئ القيس في أرض إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-. انظر: "أسد الغابة" ٢/ ٢٦٦، و"الإصابة" ٣/ ٥١.
(٤) في جميع النسخ: (امرئ)، وهو خطأ نحوي ظاهر.
(٥) أخرج القصة الطبراني في "الكبير" ١/ ٢٣٣، عن الأشعث، ووردت في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٤٩، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٨٧، عن ابن عباس، و"تنوير المقباس" ص ٢٩٢، ووردت بلا نسبة في "تفسير مقاتل" ١/ ٢٠٧ أ، باختصار، وهود الهواري ٢/ ٣٨٦، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ١٧٣.
(٦) لم أقف عليه.
(٧) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" ٢/ ٣٦٠، بنحوه من طريق أبي الربيع، والطبري =

هذا روى الكلبي عن أبي صالح عنه قال: لنجعلن رزقه حلالًا (١).
وقال في رواية عطاء: يريد عبادة الله وأكل الحلال (٢).
وقال في رواية عكرمة: هي القناعة (٣)، وهو قول القرظي ووهب (٤) ومجاهد. وقال في رواية الوالبي: هي السعادة (٥).
(١) لم أقف عليه، وهي أوهى الطرق إلى ابن عباس.
(٢) لم أقف عليه، وهي طريق منقطعة.
(٣) ورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٠٤، بلفظه، و"تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٢ ب، بلفظه، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٨٨، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ١٧٤، وأبي حيان ٥/ ٥٣٤، وابن كثير ٢/ ٦٤٥، وطريق عكرمة جيدة.
(٤) انظر: "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٨٨، عن وهب، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ١٧٤، عن وهب، وأبي حيان ٥/ ٥٣٤، عن وهب، وابن كثير ٢/ ٦٤٥، عن وهب، و"الدر المنثور" ٤/ ٦٤٥، ونسبه إلى وكيع في الغرر عن القرظي.
(٥) أخرجه الطبري ١٤/ ١٧١ بلفظه من طريق ابن أبي طلحة صحيحة عن ابن عباس، ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٢ ب، بلفظه، و"تفسير الماوردي" ٣/ ٢١٢، بلفظه، وانظر: "تفسير ابن عطية" ٨/ ٥٠٦، وابن الجوزي ٤/ ٤٨٩، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ١٧٤، و"الدر المنثور" ٥/ ٦٤٥، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

وقال قتادة: هي رزق يوم بيوم (١).
وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول في دعائه: "قنعني بما رزقتني" (٢).
وفيما روى أبو هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو: "اللهم اجعل رزق آل محمد كفافًا" (٣).
فقول من قال: إنه القناعة، حسن مختار؛ لأنه لا يطيب في الدنيا إلا عيش القانع، والمكدود بطلبها لا تطيب حياته (٤).
وقال السدي: ﴿حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ يعني في القبر (٥).
(٢) جزء من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- رواه ابن عباس -رضي الله عنه-، وطرفه: (اللهم قنعني... ، وقد أخرجه السهمي في تاريخ جرجان ص ٩١، والحاكم: كتاب الدعاء ١/ ٥١٠، والتفسير: النحل ٢/ ٣٥٦، وقال: صحيح ووافقه الذهبي، والبيهقي في "الشعب" ٧/ ٢٩١، وورد في "تفسير الفخر الرازي" ٢٠/ ١١٢، و"تلخيص الحبير" ٢/ ٢٤٨، و"الدر المنثور" ٥/ ٦٤٥، وزاد نسبته إلى ابن جرير -لم أقف عليه- وابن المنذر وابن أبي حاتم، و"تفسير الألوسي" ١٤/ ٢٢٧.
(٣) أخرجه مسلم (١٠٥٥/ ١٩) كتاب: الزهد والرقائق بنصه، وورد في "الكنز" ٦/ ٤٩٠، ٦١٢، وأخرجه برواية: (قوتاً) بدل (كفافاً) أحمد ٢/ ٤٤٦، ٤٨١، والبخاري (٦٤٦٠): الرقاق/ كيف كان عيش النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا، ومسلم (١٠٥٤): الزكاة / في الكفاف والقناعة، والترمذي (٢٣٦٢) كتاب: الزهد/ ما جاء في معيشة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهله، وابن ماجة (٤١٣٩) كتاب: الزهد/ القناعة، والبيهقي في: السنن: النكاح/ ما أمره الله تعالى به من اختيار الآخرة ٧/ ٤٦، والشُّعَب (٧/ ٢٩١، والدلائل: باب زهده في الدنيا وصبره على القوت ١/ ٣٣٩، وفي باب دعائه لأهله وهو يريد نفسه ٦/ ٨٧، وورد في "الشفا" ١/ ٢٧٨، و"الكنز" ٦/ ٤٩٠.
(٤) وهذا القول هو الذي اختاره الطبري وصوَّبه. انظر: "تفسير الطبري" ١٤/ ١٧٢.
(٥) انظر: "تفسير الفخر الرازي" ٢٠/ ١١٣، والخازن ٣/ ١٣٣، وابن الجوزي ٤/ ٤٨٩، عن شريك.