آيات من القرآن الكريم

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ

اى والله لنعطين الَّذِينَ صَبَرُوا على اذية المشركين ومشاق الإسلام التي من جملتها الوفاء بالعهود والفقر أَجْرَهُمْ الخاص بهم بمقابلة صبرهم على الأمور المذكورة وهو مفعول ثان لنجزين بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى لنجزينهم بما كانوا يعملونه من الصبر المذكور وانما أضيف اليه الأحسن للاشعار بكمال حسنه كما فى قوله تعالى وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ فقد علم من الآيات ان للوفاء بالعهد والثبات على الايمان والصبر على المشاق ثمرات دنيويه واخروية. فعلى العاقل ان لا ينقض المعاهدة التي بينه وبين الله وكذا بين العلماء العاملين والصلحاء الكاملين وعن بعض اهل العلم كنت بالمصيصة فاذا برجلين يتكلمان فى الخلوة مع الله تعالى فلما أرادا ان ينصرفا قال أحدهما للآخر تعال نجعل لهذا العلم ثمرة ولا يكون حجة علينا فقال له اعزم على ما شئت فقال ان لا آكل ما لمخلوق فيه صنع قال فتبعتهما وقلت انا معكما فقالا على الشرط قلت على أي شرط شرطتما فصعدا جبل لكام ودلانى على كهف وقالا تعبد فيه فدخلت فيه وجعل كل واحد يأتينى بما قسم الله تعالى وبقيت مدة ثم قلت الى متى أقيم هاهنا انا أسير الى طرطوس وآكل من الحلال واعلم الناس العلم واقرئ القرآن فخرجت ودخلت طرطوس وأقمت بها سنة فاذا انا برجل منهما قد وقف علىّ وقال يا فلان خنت فى عهدك ونقضت الميثاق ألا انك لو صبرت كما صبرنا لوهب لك ما وهب لنا قلت ما الذي وهب لكما قال ثلاثة أشياء طى الأرض من المشرق الى المغرب بقدم واحد والمشي على الماء والحجبة إذا شئنا ثم احتجب عنى ففى هذه الحكاية ما يغنى العاقل عن التصريح فانظر الى ذلك العالم كيف اختار ما عند الناس فحرم مما عند الله من الكرامات والكمالات وذلك ان نقض العهد بسبب عرض دنيوى فى صورة امر دينى فان التعليم واقرأ الناس وان كان من الأمور الاخروية الا انه لا بد لطالب الحق حين تخليه وانقطاعه من التجرد عن كل اسم ورسم وصورة: فان قيل منصب تعليم نوع شهوتيست وما يعقل هذا المقام الا العالمون وفى المثنوى

كر نبودى امتحان هر بدى هر مخنث دروغا رستم بدى
خود مخنث را زره پوشيده گير چون به بيند زحم كردد چون أسير
ونعم ما قيل وعند الامتحان يكرم الرجل او يهان فمن زل عند الامتحان فقد افتضح وذاق وجع القطيعة والفراق وماله من خلاق ومن ثبت وصبر وافتكر العاقبة ظفر بالمراد وجوزى جزاء لا يعلمه الا رب العباد فانه أعد لعباده الصالحين ما لا عين رأيت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر مَنْ [هر كه] عَمِلَ [بكند] صالِحاً اى عملا صالحا اى عمل كان وهو ما كان لوجه الله تعالى ورضاه ليس فيه هوى ولا رياء والفرق بينهما ان الهوى بالنسبة الى النفس والرياء بالنسبة الى الخلق مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى اى حال كون ذلك العامل من رجل او امرأة بينه بالنوعين ليعمهما الوعد الآتي ولا يتوهم التخصيص بالذكور بناء على كثرة استعمال لفظ من فيهم وان الإناث لا يدخلن فى اكثر الاحكام والمحاورات آلا بطريق التغليب او التبعية وَهُوَ اى والحال ان ذلك العامل

صفحة رقم 77

مُؤْمِنٌ قيده به إذ لا اعتداد باعمال الكفرة فى استحقاق الثواب وانما المتوقع عليها تخفيف العذاب كما قال النبي ﷺ (ان الله تعالى يأمر بالكافر السخي الى جهنم فيقول لمالك خازن جهنم عذبه وخفف عنه العذاب على قدر سخائه الذي كان فى دار الدنيا) كما فى تفسير السمرقندي ويؤيده ما قيل انه لما عرج النبي ﷺ اطلع على النار فرأى حظيرة فيها رجل لا تمسه النار فقال جبرائيل عليه السلام هذا حاتم طى صرف الله عنه عذاب جهنم بسخائه وجوده كما فى أنيس الوحدة فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً فى الدنيا يعيش عيشا طيبا لانه ان كان موسرا فظاهر وان كان معسرا فيطيب عيشه بالقناعة والرضى بالقسمة وتوقع الاجر العظيم فى الآخرة كالصائم يطيب نهاره بملاحظة نعيم ليله بخلاف الفاجر فانه ان كان معسرا فظاهر وان كان موسرا فلا يدعه الحرص وخوف الفوت ان يتهنأ بعيشه وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى ولنعطينهم فى الآخرة أجرهم الخاص بهم بما كانوا يعملون من الصالحات وانما أضيف اليه الأحسن للاشعار بكمال حسنه كما سبق فى حق الصابرين وفى التأويلات النجمية يشير بالذكر الى القلب وبالأنثى الى النفس فالعمل الصالح من النفس استعمال الشريعة بتقوى الله وصدقه على وفق الطريقة تزكية عن صفاتها الذميمة وافعالها الطبيعية والعمل الصالح من القلب حسن توجهه الى الله بالكلية لطلب الله والاعراض عما سواه تصفية للتحلية بصفات الله والتخلق بأخلاقه وبقوله فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً يشير الى احياء كل واحد منهما بالحياة الطيبة على قدر صلاحية عمله وحسن استعداد فى قبولها فاحياء النفس بالحياة الطيبة ان تصير مزكاة عن صقاتها متحلية بأخلاق القلب الروحاني مطمئنة بذكر الله راجعة الى ربها راضية مرضية واحياء القلب بالحياة الطيبة ان يصير متخلقا بأخلاق الله ويكون فانيا عن انانيته بهويته حيا بحياته طيبا عن دنس الاثنينية ولوث الحدوث فان الله طيب عن هذه الأوصاف فلا يقبل إلا طيبا ثم اعلم ان صلاحية اعمال العباد انما تكون على قدر صدقهم فى المعاملات وحسن استعدادهم فى قبول الفيض الإلهي فيكون طيب حياتهم بإحياء الله إياهم بحسب ذلك ولنجزينهم فى الآخرة اجر كل طائفة منهم باوفر ما كانوا يظنون ان يجازيهم الله على أعمالهم بيانه قوله وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً وعن بعض اصحاب الامام احمد بن حنبل رحمه الله قال لما مات احمد رأيته فى المنام وهو يمشى ويتبختر فى مشيه فقلت له يا أخي أي مشية هذه قال مشية الخدام فى دار السلام فقلت له ما فعل الله بك قال غفر لى وألبسني تعلين من ذهب وقال هذا جزاء قولك القرآن كلام الله المنزل غير مخلوق وقال يا احمد قم حيث شئت فدخلت الجنة فاذا سفيان الثوري رحمه الله له جناحان أخضران يطير بهما من نخلة الى نخلة وهو يقرأ هذه الآية الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ فقلت له أي شىء خبر عبد الواحد الوراق رحمه الله قال تركته فى بحر من النور يراد به الملك الغفور فقلت ما فعل بشر بن الحارث رحمه الله فقال بخ بخ ومن مثل بشر تركته بين يدى الجليل والجليل سبحانه مقبل عليه وهو يقول كل يا من لم
يأكل واشرب

صفحة رقم 78
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية