آيات من القرآن الكريم

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۖ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ

القول في تأويل قوله عز ذكره: ﴿وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبًرا عن قِيل الرسل لأممها: (وما لنا أن لا نتوكل على الله)، فنثق به وبكفايته ودفاعه إياكم عنَّا = (وقد هدانا سُبُلنا)، يقول: وقد بَصَّرنا طريقَ النجاة من عذابه، فبين لنا (١) = (ولنصبرنَّ على ما آذيتمونا)، في الله وعلى ما نلقى منكم من المكروه فيه بسبب دُعائنا لكم إلى ما ندعوكم إليه، (٢) من البراءة من الأوثان والأصنام، وإخلاص العبادة له = (وعلى الله فليتوكل المتوكلون)، يقول: وعلى الله فليتوكل من كان به واثقًا من خلقه، فأما من كان به كافرًا فإنّ وليَّه الشيطان.
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (١٤) ﴾
قال أبو جعفر: يقول عزّ ذكره: وقال الذين كفروا بالله لرسلهم الذين أرسلوا إليهم، حين دعوهم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له، وفراق عبادة الآلهة والأوثان=

(١) انظر تفسير " الهدى " فيما سلف من فهارس اللغة (هدى).
= وتفسير " السبيل " فيما سلف من فهارس اللغة (سبل).
(٢) انظر تفسير " الأذى " فيما سلف ١٤: ٣٢٤، تعليق: ١، والمراجع هناك.

صفحة رقم 539

(لنخرجنَّكم من أرضنا)، يعنون: من بلادنا فنطردكم عنها = (أو لتعودن في مِلّتنا)، يعنون: إلا أن تَعُودوا في دِيننا الذي نحن عليه من عبادة الأصنام. (١)
* * *
وأدخلت في قوله: (لتعودُنَّ) "لام"، وهو في معنى شرطٍ، كأنه جواب لليَمين، وإنما معنى الكلام: لنخرجَنكم من أرضنا، أو تعودون في ملتنا. (٢)
* * *
ومعنى "أو" ههنا معنى "إلا" أو معنى "حتى" كما يقال في الكلام:" لأضربنك أوْ تُقِرَّ لي"، فمن العرب من يجعل ما بعد "أو" في مثل هذا الموضع عطفًا على ما قبله، إن كان ما قبله جزمًا جزموه، وإن كان نصبًا نصبوه، وإن كان فيه "لام" جعلوا فيه "لاما"، (٣) إذ كانت "أو" حرف نَسق. ومنهم من ينصب "ما" بعد "أو"بكل حالٍ، ليُعْلَم بنصبه أنه عن الأول منقطع عما قبله، كما قال امرؤ القيس:
بَكَى صَاحِبِي لَمَّا رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ... وَأَيْقَنَ أَنَّا لاحِقَانِ بِقَيْصَرَا... فَقُلْتُ لَهُ:

لا تَبْكِ عَيْنُكَ إِنَّمَا نُحَاوِلُ مُلْكًا أَوْ نَمُوتَ فَنُعْذَرَا (٤)
فنصب "نموت فنعذرا" وقد رفع "نحاول"، لأنه أراد معنى: إلا أن نموتَ، أو حتى نموتَ، ومنه قول الآخر: (٥)
لا أَسْتَطِيعُ نزوعًا عَنْ مَوَدَّتِهَا أَوْ يَصْنَعَ الْحُبُّ بِي غَيْرَ الَّذِي صَنَعَا (٦)
(١) انظر تفسير " الملة " فيما سلف: ١٠١، تعليق: ١، والمراجع هناك، وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣٣٦.
(٢) في المطبوعة: " أو تعودن "، والصواب من المخطوطة.
(٣) في المطبوعة: " إن كان فيه لامًا "، ، خطأ، صوابه في المخطوطة.
(٤) ديوانه: ٦٥ من قصيدته الغالية التي قالها في مسيرة إلى قيصر مستنصرًا به بعد قتل أبيه. وصاحبه الذي ذكره، هو عمرو بن قميئة اليشكري الذي استصحبه إلى قيصر، و " الدرب ". ما بين طرسوس وبلاد الروم.
(٥) هو الأحوص بن محمد الأنصاري، وينسب أحيانًا للمجنون.
(٦) الأغاني ٤: ٢٩٩، وديوان المجنون: ٢٠٠، وخرج أبيات الأحوص، ولدنا الأستاذ عادل سليمان، فيما جمعه من شعر لأحوص، ولم يطبع بعد.

صفحة رقم 540

وقوله: (فأوحَى إليهم ربُّهم لنُهلكنَّ الظالمين)، الذين ظلموا أنفسهم، (١) فأوجبوا لها عقاب الله بكفرهم. وقد يجوز أن يكون قيل لهم: "الظالمون" لعبادتهم من لا تجوز عبادته من الأوثان والآلهة، (٢) فيكون بوضعهم العبادةَ في غير موضعها، إذ كان ظلمًا، سُمُّوا بذلك. (٣)
* * *
وقوله: (ولنسكننكم الأرض من بعدهم)، هذا وعدٌ من الله مَنْ وَعد من أنبيائه النصرَ على الكَفَرة به من قومه. يقول: لما تمادتْ أمم الرسل في الكفر، وتوعَّدوا رسُلهم بالوقوع بهم، أوحى الله إليهم بإهلاك من كَفَر بهم من أممهم ووعدهم النصر. وكلُّ ذلك كان من الله وعيدًا وتهدُّدا لمشركي قوم نبيِّنا محمد ﷺ على كفرهم به، (٤) وجُرْأتهم على نبيه، وتثبيتًا لمحمد صلى الله عليه وسلم، وأمرًا له بالصبر على ما لقي من المكروه فيه من مشركي قومه، كما صبر من كان قبله من أولي العزم من رسله = ومُعرِّفَة أن عاقبة أمرِ من كفر به الهلاكُ، وعاقبتَه النصرُ عليهم، سُنَّةُ الله في الذين خَلَوْا من قبل.
* * *
٢٠٦١١ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ولنسكننكم الأرضَ من بعدهم)، قال: وعدهم النصرَ في الدنيا، والجنَّةَ في الآخرة.
* * *
وقوله: (ذلك لمن خَافَ مَقامي وخاف وَعِيدِ)، يقول جل ثناؤه:

(١) انظر تفسير: " أوحى " فيما سلف ٦: ٤٠٥/٩: ٣٩٩ / ١١: ٢١٧، ٢٩٠، ٣٧١، ٥٣٣.
(٢) انظر تفسير " الظلم " فيما سلف ١: ٥٢٣، ٥٢٤ / ٢: ٣٦٩، ٥١٩ / ٤: ٥٨٤ / ٥: ٣٨٤، وغيرها في فهارس اللغة.
(٣) في المطبوعة كتب: " سموا بذلك ظالمين "، زاد ما لا محصل له، إذ لم يألف عبارة أبي جعفر، فأظلمت عليه.
(٤) في المطبوعة: " وعيدًا وتهديدًا "، أساء إذ غير لفظ أبي جعفر.

صفحة رقم 541
جامع البيان في تأويل آي القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري
تحقيق
أحمد شاكر
الناشر
مؤسسة الرسالة
الطبعة
الأولى، 1420 ه - 2000 م
عدد الأجزاء
24
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية