
وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨)
شرح الكلمات:
تالله تفتؤا تذكر: أي والله لا تزال تذكر يوسف.
حرضاً: أي مشرفاً على الهلاك لطول مرضك.
أشكو بثي: أي عظيم حزني إذ البث الذي لا يصبر عليه حتى يبث إلى الغير.
فتحسسوا: أي اطلبوا خبرهما بلطف حتى تصلوا إلى النتيجة.
من روح الله: أي من رحمة الله.
ببضاعة مزجاة: أي بدراهم مدفوعة لا يقبلها الناس لرداءتها.
يجزي المتصدقين: أي يثيب المتصدقين بثواب الدنيا والآخرة.
معنى الآيات:
مازال السياق فيما جرى من حديث بين يعقوب عليه السلام وبنيه أنه بعدما ذكروا له ما جرى لهم في مصر اعرض عنهم وقال يا أسفى على يوسف وأبيضت عيناه من الحزن وهو كظيم. قالوا له ما أخبر به تعالى في قوله: ﴿قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف١﴾ أي والله لا تزال تذكر يوسف حتى تصبح حرضاً مشرفاً٢ على الموت أو تكون من الهالكين أي الميتين. أجابهم بما أخبر تعالى به عنه: ﴿قال إنما أشكو بثي﴾ ٣ أي همي ﴿وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون﴾ يريد أن رجاءه في الله كبير وأن الله لا يخيب رجاءه وأن رؤيا يوسف صادقة وأن الله تعالى سيجمع شمله به ويسجد له كما رأى. ومن هنا قال لهم ما أخبر تعالى به: ﴿يا بنيّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه﴾ ٤ أي التمسوا أخبارهما
٢ الحرض: شدة المرض المشفي بصاحبه على الهلاك، وأصل الحرض: الفساد في الجسم أو العقل، من الحزن أو العشق أو الهرم.
٣ البث: الهم الشديد.
٤ هذا اللفظ دال على أنه تيقن حياة يوسف وذلك إمّا بوحي إلهي أو إلهام أو هداية عقل، وإلا كيف يطلب منهم التحسس على يوسف، والتحسس: شدة التَّطلب، والتعّرف وهو أعم من التجسس.

بحواسكم بالسؤال عنهما والنظر إليهما، ﴿ولا تيأسوا من روح الله﴾ أي لا تقنطوا من فرج الله ورحمته وعلل للنهي فقال: ﴿إنه لا ييأس من روح الله﴾ ١ أي من فرجه ورحمته ﴿إلا القوم الكافرون﴾.
وامتثل الأبناء أمر الوالد وذهبوا إلى مصر وانتهوا إليها ونزلوا بها وأتوا إلى دار العزيز ﴿فلما دخلوا عليه قالوا﴾ ما أخبر تعالى به عنهم ﴿يا أيها العزيز مسنا٢ وأهلنا الضر﴾ أي من الجدب والقحط والمجاعة ﴿وجئنا ببضاعة مزجاة﴾ أي دراهم رديئة مدفوعة لا تقبل كما تقبل الجيدة منها ﴿فأوف٣ لنا الكيل﴾ بها ﴿وتصدق علينا﴾ بقبولها على رداءتها ﴿إن الله يجزي٤ المتصدقين﴾ أي يثيبهم على إحسانهم ويجزيهم به خيراً.
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
١- شدة الحزن تعرض صاحبها للحرض أو الموت.
٢- تحرم الشكوى لغير الله عز وجل.
٣- حرمة اليأس من الفرج عند الشدة والرحمة عند العذاب.
٤- جواز الشكوى إذا كان المراد بها الكشف عن الحال للإصلاح أو العلاج كأن يقول المحتاج إني جائع أو عار مثلاً وكأن يقول المريض للطيب أشكو ألماً في بطني أو رأسي مثلاً.
٥- فضل الصدقة وثواب المتصدقين.
قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ (٨٩) قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ
٢ أي: أصابهم الضرّ.
٣ جملة تعليلية لاستدعائهم التصدق عليهم.
٤ قال مالك: في الآية دليل على أنّ أجرة الكيال والوزان على البائع، إذ هو باع شيئاً لا بد وأن يبرزه ويفصله لمن اشتراه.