
٤٠ - قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا﴾ أي: أمرنا بعذابهم وإهلاكهم.
وقوله تعالى: ﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾، اختلفوا في معنى التنور؛ فقال ابن عباس (١) في رواية الضحاك: ظهر الماء على وجه الأرض، وقيل لنوح عليه السلام: إذا رأيت الماء على وجه الأرض، فاركب أنت وأصحابك، وهذا قول عكرمة والزهري وابن عيينة (٢)، ورواية الوالبي أيضاً عن ابن عباس (٣).
وقال قتادة (٤): ذكر لنا (٥) أنه أرفع الأرض وأشرفها، جعل ذلك علامة بين نوح عليه السلام وبين ربه عز وجل.
قال أبو بكر (٦): والمعنى على هذا: ونبع الماء من أعالي الأرض ومن الأمكنة المرتفعة، فشبهت لعلوها بالتنانير.
روي عن علي (٧) رضي الله عنه أنه قال: هو تنوير الصبح، ومعناه: طلع الفجر، قال أبو بكر: ومن ذهب إلى هذا قال: المعنى وبرز النور
(٢) رواه عنهم الطبري ١٢/ ٣٨، الثعلبي ٧/ ٤١ ب، "زاد المسير" ٤/ ١٠٥، البغوي ٤/ ١٧٦.
(٣) ابن أبي حاتم ٦/ ٢٠٢٩.
(٤) الطبري ١٢/ ٣٩، الثعلبي ٧/ ٤١ ب، وأبو الشيخ كما في "الدر" ٣/ ٥٩٦، وروي هذا القول عبد بن حميد وابن أبي حاتم ٦/ ٢٠٢٩، وأبو الشيخ عن ابن عباس كما في "الدر" ٣/ ٥٩٦.
(٥) في (ي): (له).
(٦) "زاد المسير" ٤/ ١٠٥.
(٧) الطبري ١٢/ ٣٩، الثعلبي ٧/ ٤١ ب، وابن المنذر وابن أبي حاتم ٦/ ٢٠٢٩، وأبو الشيخ كما في "الدر" ٣/ ٥٩٦.

وظهر الضوء، وتقضى الليل، فشبه تتابع الأضواء والأنوار بخروج النار من التنور.
وقال ابن عباس (١) في رواية عطية وعطاء: يريد التنور الذي يخبز فيه، قال الحسن (٢): وكان تنورًا من حجارة، وكان لآدم وحواء حتى صار إلى نوح، وقيل له: إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك.
وقال مقاتل بن سليمان (٣) عن عدة من أهل التفسير: فار التنور من أقصى دار نوح بعين وردة من أرض الشام.
وقال مجاهد (٤): نبع الماء من التنور فعلمت به امرأته فأخبرته، وكان ذلك بناحية الكوفة، وهو قول الشعبي (٥) واختيار الفراء (٦)، قال: هو تنور الخابز، ونحو هذا قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس (٧).
قال أبو بكر (٨): والقول الذي يذهب إليه: هو أن التنور تنور الخبز؛
(٢) الطبري ١٢/ ٤٠، الثعلبي ٧/ ٤١ ب، البغوي ٤/ ١٧٦، وذكره ابن الجوزي عن ابن عباس. انظر: "زاد المسير" ٤/ ١٠٥.
(٣) "تفسير مقاتل" ١٤٦ أ، "زاد المسير" ٤/ ١٠٦، البغوي ٤/ ١٧٦.
(٤) الطبري ١٢/ ٤٠، الثعلبي ٧/ ٤٢ أ، "زاد المسير" ٤/ ١٠٥، البغوي ٤/ ١٧٦.
(٥) الطبري ١٢/ ٤٠، الثعلبي ٧/ ٤٢ أ، البغوي ٤/ ١٧٦، "زاد المسير" ٤/ ١٠٥.
(٦) "معاني القرآن" ٢/ ١٤.
(٧) "زاد المسير" ٤/ ١٠٥.
(٨) ما ذكره عن ابن الأنباري هو الذي رجحه الطبري ١٢/ ٤٠، وهو قول أكثر المفسرين كما قال البغوي ٤/ ١٧٦، وقال ابن كثير ٢/ ٤٨٨: هذا قول جمهور السلف وعلماء الخلف.

لأن الحمل على الظاهر الذي (١) هو حقيقة أولى من العمل على المجاز، والتمثيل. وأما التنور في اللغة (٢)؛ فقال الليث (٣): التنور عمت بكل لسان وصاحبه تنار (٤).
قال الأزهري: وهذا يدل على أن الاسم أعجمي فعربته العرب [فصار عربيًا] (٥) علي بناء فعول، والدليل على ذلك أن أصل بنائه تنر، ولا يعرف في كلام العرب نون قبل راء، وهو نظير ما دخل من كلام العجم في كلام العرب، مثل الديباج والدينار والسندس والاستبرق ولما تكلمت بها العرب صارت عربية.
وقوله تعالى: ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾، قال أبو الحسن الأخفش (٦): يقال للاثنين هما زوجان، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾ [الذاريات: ٤٩] قال الحسن (٧): السماء زوج، والأرض زوج، والشتاء زوج، والصيف زوج، والليل زوج، والنهار زوج، حتى يصير الأمر إلى الله جل جلاله الفرد الذي لا يشبهه شيء، ويقال للمرأة هي
(٢) هذا النقل إلى نهايته من "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٤٥٦ (تنر).
(٣) الليث هو: ابن نصر بن سيار الخراساني، ويقال ابن المظفر بن نصر، إمام لغوي، من أصحاب الخليل، ويقال هو صاحب (العين). انظر: "تهديب اللغة" ١/ ٤٧، "معجم الأدباء" ١٧/ ٤٣.
(٤) ساقط من (ي).
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ي).
(٦) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٣٢٧، "الحجة" ٤/ ٣٢٤.
(٧) ذكره الطبري ١٢/ ٤١ من غير إسناد.

زوج، وللرجل (١) هو زوجها، وقال تعا لي: ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [النساء: ١] [يعني المرأة، فالواحد يقال له زوج كما ذكرنا، وقد يقال للاثنين هما زوج] (٢)؛ قال لبيد (٣):
زوج عليه كِلَّة وقِرامُها
ففسر الزوج بشيئين، ويدل على أن الزوج يقع على الواحد قوله تعالى: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٤٣) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ﴾ (٤) فالزوجان في قوله: ﴿مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ﴾ يراد بهما الشياع، وليس يراد بذلك الناقص عن الثلاثة، قال ابن عباس (٥) في قوله: ﴿احْمِلْ فِيهَا﴾ يريد في السفينة ﴿مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ﴾؛ الذكر زوج والأنثى زوج، وهو قول الحسن (٦) ومجاهد (٧)
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٣) من معلقته، وصدره:
من كل محفوف يُظلُ عصيه
المحفوف: الهودج الذي ستر بالثياب، عصيه: عصى الهودج، والزوج: النمط الواحد من الثياب، والكلة من الستور: ما خيط فصار كالبيت، القرام: الغطاء، وهو الستر المرسل على جانب الهودج، انظر: "ديوانه" ص ٩٦، "شرح المعلقات السبع" ص ٥٣١، "اللسان" ٣/ ١٨٨٦ (زوج)، "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٣٢٨، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٧٤.
(٤) الأنعام: ١٤٣، ١٤٤، ومن هنا بدأ النقل عن "الحجة" ٤/ ٣٢٧.
(٥) البغوي ٤/ ١٧٦، "زاد المسير" ٤/ ١٠٦، الطبري ١٢/ ٤٠.
(٦) انظر: الرازي ١٧/ ٢٢٦.
(٧) الطبري ١٢/ ٤٠، وابن المنذر وابن أبي حاتم ٦/ ٢٠٣٠ وأبو الشيخ كما في "الدر" ٣/ ٦٠١.

وقتادة (١) والضحاك (٢)، قالوا ذكرا وأنثى.
وقرأ حفص (٣) ﴿مِن كُلٍّ﴾ بالتنوين أراد من كل شيء، ومن كل زوج زوجين اثنين، فحذف المضاف إليه، ويكون انتصاب اثنين على أنه صفة لزوجين، أتي به للتأكيد، كما قال: ﴿لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [النحل: ٥١] وقد جاء في غير هذا من الصفات ما مصرفه إلى التأكيد، كقولهم: نعجة أنثى، وأمس الدابر، وقوله: ﴿نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ (٤)، وعلى قراءة العامة نصب اثنين بالحمل، وليس صفة لزوجين (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَأَهْلَكَ﴾، أي احمل أهلك، قال المفسرون (٦): يعني ولده وعياله، ﴿إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾، قال ابن عباس: يريد من كان في علمي أنه يغرق بفعله وكفره، قالوا (٧): يعني: امرأته واعلة، وابنه كنعان، ﴿وَمَنْ آمَنَ﴾، يريد واحمل من صدقك، ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾، قال ابن عباس (٨): ثمانون إنسانًا وكان فيهم ثلاثة من بنيه: سام وحام ويافث،
(٢) الطبري ١٢/ ٤١.
(٣) "التبصرة" / ٥٣٨، "السبعة" ٣٣٣، "النشر" ٣/ ١١٤، "إتحاف" ٢/ ١٢٥، "الحجة" ٤/ ٣٢٤.
(٤) الحاقة: ١٣. وفي (ي): (نعجة)، وهي في سورة ص: الآية ٢٣.
(٥) إلى هنا انتهى النقل عن "الحجة" ٤/ ٣٢٨ بتصرف.
(٦) الطبري ١٢/ ٤١، الثعلبي ٧/ ٤٢ ب، البغوي ٤/ ١٧٦، "زاد المسير" ٤/ ١٠٦.
(٧) الثعلبي ٧/ ٤٢ ب، البغوي ٤/ ١٧٦ - ١٧٧، "زاد المسير" ٤/ ١٠٦، القرطبي ٩/ ٣٥.
(٨) الطبري ١٢/ ٤٣، الثعلبي ٧/ ٤٢ ب، البغوي ٤/ ١٧٧، "زاد المسير" ٤/ ١٠٧، وابن المنذر وابن أبي حاتم ٦/ ٢٠٣٢، وأبو الشيخ كما في "الدر المنثور" ٣/ ٦٠١، القرطبي ٩/ ٣٥.

وثلاث كنائن له، ونحو ذلك قال مقاتل بن سليمان (١) وغيره، وقالوا: قرية الثمانين (٢) بناحية الموصل، إنما سميت لأن هؤلاء لما خرجوا من السفينة بوها، فسميت بهم، وعلى هذا سمى الله ثمانين قليلاً.
قال أبو إسحاق: لأن ثمانين (٣) قليل في جملة أمة نوح.
قال ابن الأنباري: ووحد القليل؛ لأنه لفظ مبني للجمع لما كان الواحد لا يوصف (٤) به ولا الاثنين، فلما كان مبناه للجمع استغنى عن علامة الجمع، وجمع في قوله: ﴿لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾ [الشعراء: ٥٤] استيثاقًا من الجمع، لما كان (قليل) لفظه لفظ الواحد، كما جمعت العرب البيوت وهي جمع؛ للاستيثاق فقالوا: بيوتات، قال: ويجوز أن يقال في توحيد القليل إنه وصف لجمع خرج على تقطيع الواحد، تقديره وما آمن معه إلا نفر قليل، وقيل: أراد الجمع فاكتفى بالواحد منه، كقوله (٥):
(٢) قال ياقوت الحموي: بُليدة عند جبل الجودي، قرب جزيرة ابن عمر التغلبي فوق الموصل، كان أول من نزله نوح -عليه السلام -، لما خرج من السفينة ومعه ثمانون إنسانًا، فبنوا لهم مساكن بهذا الموضع وأقاموا به، فسمي الموضع بهم، "معجم البلدان" ٢/ ٨٤.
(٣) في جميع النسخ (ثمانون) والصواب ما ذكرته، كما هو في "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٥٢.
(٤) في (ب): (يصف).
(٥) البيت لجرير من قصيدة له في هجاء تيم بن قيس من بكر بن وائل، وصدره:
الواردون وتيم في ذرى سبأ
والشاهد أنه قال: جلد ولم يقل جلود. انظر: ديوانه ص٢٥٢، "معاني القرآن" ١/ ٣٠٨، ومعني البيت أن تيم يحتمون بسبأ ويمتنعون بها، ولا عصمة لهم من =