
قوله تعالى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ)
قال ابن كثير: هذه مواعدة من الله تعالى لنوح عليه السلام إذا جاء أمر الله من الأمطار المتتابعة والهتان الذي لا يقلع ولا يفتر، بل هو كما قال تعالى: (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وفار التنور)، قال: انبجس الماء منه، آية، أن يركب بأهله ومن معه في السفينة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وفار التنور)، قال: نبع.
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أمر نبيه نوحاً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: أن يحمل في سفينته من كل زوجين اثنين، وبين في سورة قد أفلح المؤمنون: أنه أمره أن يسلكهم فيها أي يدخلهم فيها.
فدل ذلك على أن فيها بيوتا يدخل فيها الراكبون، وذلك في قوله: (فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين) ومعنى (اسلك) أدخل فيها من كل زوجين اثنين؛ تقول العرب: سلكت الشئ في الشئ: أدخلته فيه.
وفيه لغة أخرى أسلكته فيه، رباعيا بوزن أفعل، والثلاثية لغة القرآن؛ كقوله: (فاسلك فيها من كل زوجين) الآية. وقوله: (اسلك يدك في جيبك) الآية. وقوله: (كذلك سلكناه في قلوب المجرمين) الآية. وقوله: (كذلك نسلكه في قلوب المجرمين) وقوله (ما سلككم في سقر) الآية.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (من كل زوجين اثنين)، قال: ذكر وأنثى، من كل صنف.

قوله تعالى (وأهلك إلا من سبق عليه القول)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أنه أمر نوحاً أن يحمل في السفينة أهله إلا من سبق عليه القول، أي سبق عليه من الله القول بأنه شقى، وأنه هالك مع الكافرين. ولم يبين هنا من سبق عليه القول منهم، ولكنه بين بعد هذا أن الذي سبق عليه القول من أهله هو ابنه وامرأته. قال في ابنه الذي سبق عليه القول: (ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين) -إلى قوله- (وحال بينهما الموج فكان من المغرقين) وقال فيه أيضاً: (قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح) الآية. وقال في امرأته: (وضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح -إلى قوله- مع الداخلين).
قوله تعالى (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (٤٢) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: بسم الله حين يركبون ويجرون ويرسون.
قال ابن كثير: يقول تعالى إخباراً عن نوح عليه السلام أنه قال للذين أمر بحملهم معه في السفينة (اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها) أي بسم الله يكون جريها على وجه الماء، وبسم الله يكون منتهى سرها وهو رسوّها... وقال الله تعالى: (فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنزلني منزلاً مباركا وأنت خير المنزلين) ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور عند الركوب على السفينة وعلى الدابة كما قال تعالى: (والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره) الآية، وجاءت السنة بالحث على ذلك والندب إليه كما سيأتي في سورة الزخرف.