آيات من القرآن الكريم

حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ

أمر اللَّه تعالى هو الأمر الكوني وهو الغرق، والنجاة لمن نجا عليها، (وَفَارَ التَّنُّورُ)، التنور مكان النار، وقالوا في تصوير ذلك إن كل جزء من الأرض صار فيه تنور يفور منه الماء وكانت العجزة أن يخرج الماء من التنور ويصير غرقا.
وعلى ذلك يكون التنور في الأرض ليكون منه الغرق، وليس التنور في السفينة أي أن التنور لما فار ووجدت أسباب الغرق أمر اللَّه نوحا وقد استعدت السفينة للسير أن يحمل فيها من كل حي زوجين اثنين ليكون التوالد في الحيوان والنبات بشكل عام.
وقد عرض لي خاطر أذكره وهو أن التنور في السفينة، وأنه فار وخرج منه بخار حرك السفينة للسير، فهي قد سارت بالبخار لَا بالتجديف أو الرياح، إذ لم يذكر هنا ولكن ذكر فقط التنور وفورانه. وقد يقال إن البخار لم يكن قد اخترع، وما اكتشف إلا في القرن التاسع عشر، حيث سارت به القطر والسفن.
نقول في الجواب على ذلك بأن صنع السفينة قال فيه اللَّه تعالى:
(وَاصْنعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) فالسفينة كانت تصنع تحت رعايه اللَّه ووحيه فهل يعجز سبحانه عن تسييرها بالبخار الذي جعل سبحانه العقل البشري يتوصل إليه بعد ألوف السنين، إن هذا هو ظاهر الآية.
أولا: لأن ظاهر الآية يدل على أن ذلك كان عند تمام صنعها.
ثانيا: أنه جاء مقترنا للأمر بحمل زوجين اثنين من كل الأحياء.
ثالثا: أنه لم يكن ثمة ذكر للأرض ولكن ذكر للسفينة، فالتنور فيها، وليس معنى ذلك بالفعل أن السفينة فارت بالماء الغرق، إنما فارت بالماء المسير.
إن ذلك الخاطر استمر يطرق أبواب التفكير حتى آمنا به، واللَّه أعلم بالصواب. بعد أن أعدت السفينة تحت رعاية اللَّه وكلاءته، وصنعت بوحي في تركيبها جزءا جزءًا، وما كان نوح صانع سفن، ولكن كان نبيا مرسلا موحًى إليه،

صفحة رقم 3709

فكانت صناعتها معجزة، وإغراقهم معجزة، ونجاة من نجا معجزة وكل ذلك صار مرئيا للعيان.
حمل نوح عليه السلام. من كل زوجين اثنين وحمل أهله، إلا من سبق عليه القول منهم وهو ابنه، وحمل من آمن، وذكر سبحانه أن الذين آمنوا كانوا عددًا قليلًا.
وقد ذكر في الأخبار أن السفينة كانت ضخمة كأنها مدينة تسير في البحر، وروي أن طولها مائتا ذراع وألف، وعرضها ستمائة ذراع وارتفاعها ثلاثون، واللَّه أعلم، وبعد صنعها أمر نوح بتكليف من ربه بأن يركبوا.

صفحة رقم 3710
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية