آيات من القرآن الكريم

فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ

الثالثة- إنما عدل عن (ضيّق) الصفة المشبهة إلى (ضائق) اسم الفاعل، ليدل على أنه ضيق عارض، غير ثابت، لأن رسول الله ﷺ كان أفسح الناس صدرا. وكذا كل صفة مشبهة إذا قصد بها الحدوث تحوّل إلى فاعل، فيقولون في سيد سائد وفي جواد جائد، وفي سمين سامن. قال:

بمنزلة أمّا اللئيم فسامن بها، وكرام الناس باد شحوبها
وظاهر كلام أبي حيّان أنه مقيس. وقيل إنه لمشابهة (تارك). ومنه يعلم أن المشاكلة قد تكون حقيقة- كذا في العناية-.
وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة هود (١١) : آية ١٣]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ أي ما يوحى إليك. وفي (أم) وجهان منقطعة مقدرة ب (بل والهمزة الإنكارية) أي: بل أيقولون. ومتصلة والتقدير: أيكتفون بما أوحينا إليك، وهو ما في الإعجاز، أم يقولون ليس من عند الله.
قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا أي للاستعانة مَنِ اسْتَطَعْتُمْ أي من الإنس والجن. وقوله: مِنْ دُونِ اللَّهِ متعلق ب ادْعُوا، أي متجاوزين الله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي في أني افتريته، فأنتم عرب فصحاء مثلي، لا سيّما وقد زاولتم أساليب النظم والنثر والخطب.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة هود (١١) : آية ١٤]
فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤)
فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ أي بما لا يعلمه غيره من نظم معجز للخلق، وإخبار بغيوب لا سبيل لهم إليها وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أي واعلموا عند ذلك أن لا إله إلا الله، وأن توحيده واجب، والإشراك به ظلم عظيم، فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

صفحة رقم 80

أي مبايعون بالإسلام، منقادون لتوحيد الله، وتصديق رسوله، بعد هذه الحجة القاطعة؟
لطائف:
الأولى- قيل: تحدّوا أولا بعشر سور، فلما عجزوا تحدّوا بسورة، وذهب المبرد إلى أن الأمر بالعكس، ووجهه بأن ما وقع أولا هو التحدي بسورة مثله في البلاغة والاشتمال على ما اشتمل عليه من الإخبار عن المغيبات والأحكام وأخواتها، وهي الأنواع التسعة المنظومة في قول بعضهم:

ألا إنما القرآن تسعة أحرف سأنبيكها في بيت شعر بلا ملل
حلال، حرام، محكم متشابه بشير نذير، قصّة، عظة، مثل
فلما عجزوا عن ذلك، أمرهم بالإتيان بعشر سور مثله في النظم، وإن لم تشتمل على ما اشتمل عليه، ويشهد له توصيفها ب (مفتريات).
وقيل: إن التحدي بسورة وقع بعد إقامة البرهان على التوحيد، وإبطال الشرك، فتعين أن يكون لإثبات النبوة بإظهار معجزة، وهي السورة الفذة. والتحدي بعشر وقع بعد تعنتهم واستهزائهم، واقتراحهم آيات غير القرآن، لزعمهم أنه مفترى. فمقامه يناسبه التكثير، لأنه أمر مفترى عندهم، فلا يعسر الإتيان بكثير مثله- كذا في العناية-.
الثانية- ضمير (لكم) للنبيّ ﷺ وجمع للتعظيم، كما في قول من قال:
وإن شئت حرمت النساء سواكم
أو له وللمؤمنين، لأنهم أتباعه في الأمر بالتحدي، وفيه تنبيه لطيف على أن حقهم ألا ينفكوا عنه، عليه الصلاة والسلام، ويناصبوا معه لمعارضة المعارضين، كما كانوا يفعلونه في الجهاد. وإرشاد إلى أن ذلك مما يفيد الرسوخ في الإيمان، والطمأنينة في الإيقان، ولذلك رتب عليه قوله عز وجل: فَاعْلَمُوا... إلخ. وجوز أن يكون الخطاب في الكل للمشركين من جهته عليه السلام، داخلا تحت الأمر بالتحدي، والضمير في (لم يستجيبوا) ل (من استطعتم) أي: فإن لم يستجب لكم سائر من تجأرون إليهم في مهماتكم إلى المعاونة، فاعلموا أن ذلك خارج عن دائرة قدرة البشر، وأنه منزل من خالق القوى والقدر- كذا في أبي السعود-.
ثم بين تعالى وعيد من آثر الحياة الدنيا على الآخرة- وهم الكفار- بقوله:

صفحة رقم 81
محاسن التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي
تحقيق
محمد باسل عيون السود
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية