آيات من القرآن الكريم

فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ

نَزَعْناها المفيد شدة تعلقه بالنعمة وحرصه عليها ثم إلى قوله في جانب النعمة أَذَقْنَا وفي جانب النقمة والضر مَسَّتْهُ فإن المس يشعر بكون الضر في أقل مرتبة من الملاقاة والإصابة.
هذا طبع الإنسان، وتلك غريزته التي جبل عليها كل إنسان إلا الذين صبروا، وعملوا الصالحات.
ومن هنا نعلم أن في الإنسان طبائع مادية كاليأس من رحمة الله، والكفر بنعمته، والفرح والبطر والفخر والكبر، وهذه أدواء فتاكة وأمراض خطيرة علاجها الصبر والسلوان الناشئ عن قوة الإيمان والرضا بقضاء الله وقدره، وعمل الصالحات من الأعمال النافعة كالبر والخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إلى آخر ما هو معلوم.
أولئك الصابرون العاملون المؤمنون لهم مغفرة من الله وأجر كبير لا يعلم كنهه إلا الله- سبحانه- وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ.
تقوية الروح المعنوية للنبي (صلّى الله عليه وسلم) وتحديهم بالقرآن [سورة هود (١١) : الآيات ١٢ الى ١٤]
فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤)

صفحة رقم 106

المفردات:
فَلَعَلَّكَ لعل تكون للتوقع وترجى المحبوب، وهي في قوله- تعالى- لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ للإعداد والتهيئة. وقد تكون للتعليل كما في قوله: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى وللاستفهام الشامل للإنكار منه كما في هذه الآية والمراد النفي أو النهى أى: لا تترك ضائِقٌ عارض لك ضيق الصدر والمراد الحرج والألم كَنْزٌ ما يدخر من المال في الأرض والمراد المال الذي يناله بغير كسب.
لا يزال الكلام من أول السورة في القرآن وحال الناس معه، وما يلاقيه الرسول منهم من غم وضيق صدر، وما يتبع ذلك من التحدي المثبت للوحى.
المعنى:
أتارك أنت أيها الرسول بعض ما يوحى إليك مما يشق سماعه على المشركين من الأمر بالتوحيد والنهى عن الشرك، والإنذار لهم والنعي عليهم؟!! وضائق به صدرك، وتتألم له نفسك من تبليغهم كل ما أنزل إليك والمراد بالاستفهام النفي أى: لا يكن منك ذلك كراهة أن يقولوا: لولا أنزل عليه كنز يغنيه عن التجارة والكسب، ويكون دليلا على صدقه، أو جاء معه ملك من السماء يؤيده في دعواه، وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً. أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها [سورة الفرقان الآيتان ٧ و ٨].
إن عناد المشركين وجحودهم وإعراضهم مع شدة اهتمام النبي صلّى الله عليه وسلّم بإيمانهم يفضى بحسب شأنه إلى ذلك لولا عصمة الله- سبحانه- لنبيه وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا [الإسراء ٧٤]. اقرأ معى قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ [المائدة ٦٧].
لا يهمنك قولهم، وطلبهم منك هذا، إنما أنت نذير تبلغ كل ما أنزل إليك ولا عليك شيء بعد هذا سواء أرضى الناس أم غضبوا، والله على كل شيء وكيل فهو الموكل بالعباد والرقيب عليهم والمجازى لهم فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [سورة الغاشية الآيتان ٢١ و ٢٢] نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ [سورة ق آية ٤٤].

صفحة رقم 107

أيقولون افتراه واختلقه من عنده؟!! إن يقولون إلا كذبا وزورا، قل لهم يا محمد: إن كان الأمر كما تزعمون فأتوا بعشر سور مثله في البيان والبلاغة والدقة والفصاحة، والإحكام والإتقان في السياسة والاجتماع، والقانون والتشريع، والقصص والأخبار، مفتريات من عند أنفسهم لا تدعون أنها من عند الله فإنكم أهل اللسان والبيان، وأنتم العرب الفصحاء، وفيكم الخطباء والشعراء، وقد افتريتم على الله كثيرا باتخاذ الآلهة والأنداد والبنات والشفعاء له، وحرمتم السائبة والوصيلة والحامي وغير ذلك من الأنعام والحرث.
وأما أنا فواحد منكم لم يسبق لي شيء من ذلك وقد لبثت فيكم عمرا من قبله لم تجربوا علىّ كذبا على مخلوق فكيف أفترى على الله- عز وجل-؟! وإن كنتم تزعمون أن لي أعوانا على ذلك فادعوا من استطعتم من دون الله من الشركاء والشفعاء، أو الخطباء والشعراء، أو أهل الكتاب والأحبار ليعينوكم على الإتيان بمثله كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً [سورة الكهف آية ٥].
لقد عالج القرآن الكريم هذا الموضوع في عدة سور من القرآن الكريم فمرة تحداهم بالإتيان بمثل القرآن أو بسورة مثله أو بعشر سور مثله كما في هذه الآية، ولقد علل المرحوم «الشيخ رضا» تعليل التحدي بعشر سور بأن هذه الآية في السورة العاشرة (سورة هود).
تحداهم القرآن بذلك فعجزوا، ولم يجدوا من يعاونهم من آلهة وشركاء، ولا من الفصحاء والبلغاء، ولا من أعداء النبي صلّى الله عليه وسلّم من أهل الكتاب وغيرهم فلما عجزوا قامت الحجة عليهم إلى يوم القيامة، وغيرهم من باب أولى.
فإن لم يستجب لكم من تدعوهم من دون الله ليظاهروكم على الإتيان بمثل هذا القرآن، وبدا لكم الأمر ظاهرا للعيان، فاعلموا أيها الناس علما أكيدا أنه إنما أنزل هذا القرآن على النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم بعلم الله ومبينا لما أراده المولى لعباده من دين قيم، وقانون محكم، وتشريع كامل، وقصص حق لا يمكن أن يعلمه محمد ولا غيره لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا.
واعلموا أنه لا إله إلا هو، ولا معبود بحق سواه.

صفحة رقم 108
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية