وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وكما يكونون بعد الاختلاف فى آخر الزمان فى عهد عيسى عليه السلام على ما فى بعض الروايات ولكن لم يشأ ذلك لما علم انهم ليسوا باهل لذلك فلم يكونوا امة متفقة على الحق يقول الفقير وقع الاتفاق فى أول النشأة الانسانية ثم آل الأمر الى الاختلاف بمقتضى الحكمة الالهية الى عهد عيسى عليه السلام ويعود فى زمانه على ما كان عليه قبل. ففيه اشارة الى اتحاد سر الأزل والابد فافهم جدا. واما الاختلاف الواقع قبل آدم فغير معتبر لكونه من غير جنس الناس وكذا بعد عيسى عليه السلام لكونه بعد انقطاع الولاية المطلقة وانتقالها الى نشأة اخرى وَلا يَزالُونَ اى الناس مُخْتَلِفِينَ فى الحق ودين الإسلام اى مخالفين له كقوله تعالى وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ او على أنبيائهم كما قال عليه السلام (ان الله بعثني رحمة للعالمين كافة فادوا عنى رحمكم الله ولا تختلفوا كما اختلف الحواريون على عيسى فانه دعاهم الى الله مثل ما أدعوكم اليه) وفى الاية اثبات الاختيار للعبد لما فيها من النداء على انهم صرفوا قدرتهم وإرادتهم الى كسب الاختلاف فى الحق فان وجود الفعل بلا فاعل محال سواء كان موجبا او لا وهو جبر متوسط وقول بين القولين وذلك لان الجبرية اثنتان متوسطة تثبت كسبا فى الفعل كالاشعرية من اهل السنة والجماعة وخالصة لا تثبته كالجهمية وان القدرية يزعمون ان كل عبد خالق لفعله لا يرون الكفر والمعاصي بتقدير الله تعالى فنحن معاشر اهل السنة نقول العبد كاسب والله خالق اى فعل العبد حاصل بخلق الله إياه عقيب ارادة العبد وقصده الجازم بطريق جرى العادة بان الله يخلقه عقيب قصد العبد ولا يخلقه بدونه فالمقدور الواحد داخل تحت القدرتين المختلفتين لان الفعل مقدور الله من جهة الإيجاد ومقدور العبد من جهة الكسب يقول الفقير قوله تعالى وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ونحوه لا ينافى الاختيار لان ذلك بالنسبة الى فناء العبد فى الحق ولا كلام فى ان المؤثر على كل حال هو الله تعالى: كما قال المولى الجامى قدس سره
حق فاعل وهر چهـ جز حق آلات بود
تأثير ز آلت از محالات بود
هستى مؤثر حقيقى است يكيست
باقى همه أوهام وخيالات بود
إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ استثناء متصل من الضمير فى مختلفين وان شئت من فاعل لا يزالون اى الا قوما هداهم الله بفضله الى الحق فاتفقوا عليه ولم يختلفوا فيه اى لم يخالفوه وَلِذلِكَ اى وللرحمة بتأويل ان مع الفعل خَلَقَهُمْ الضمير لمن قاله ابن عباس اى خلق اهل الرحمة للرحمة كما خلق اهل الاختلاف للاختلاف: وفى المثنوى
چون خلقت الخلق كى يربح على
لطف تو فرمود اى قيوم وحي
لا لان تربح عليهم جودتست
كه شود زو جمله ناقصها درست
عفو كن زين بندگان تن پرست
عفو از درياى عفو اوليترست
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ اى وجب قول ربك للملائكة او حكمه وهو لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ اى من عصاتهما أجمعين او منهما أجمعين لا من أحدهما فهو لتأكيد العموم للنوعين والثلان هما النوعان المخلوقان للاختلاف فى دين الله الموصوفان بكفران نعم الله
صفحة رقم 202
ونسيان حقه وهما سيان فى الحكم فلا شقياء الجن ما لا شقياء الانس من العقاب واعلم ان الناس فى الأديان على اربعة اقسام سعيد. بالنفس والروح فى لباس السعادة وهم الأنبياء واهل الطاعة. والثاني شقى بالنفس فى لباس الشقاوة وهم الكفرة المصرون. والثالث شقى بالنفس فى لباس السعادة مثل بلعم بن باعورا وبرصيصا وإبليس. والرابع سعيد بالنفس فى لباس الشقاوة كبلال وصهيب وسلمان فى أوائل أمرهم ثم بدل الله لباسهم بلباس التقوى والهداية فاصل الأصول هو العناية الازلية والهداية الالهية والسعادة الاصلية قال فى الاحياء المانع من الوصول عدم السلوك والمانع من السلوك عدم الارادة والمانع من الارادة عدم الايمان وسبب عدم الايمان عدم الهداية انتهى
قرب تو بأسباب وعلل نتوان يافت
بى سابقه فضل ازل نتوان يافت
قال فى التأويلات النجمية وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً فى طلب الحق وَلا يَزالُونَ الخلق مُخْتَلِفِينَ فى الطلب فمنهم من طلب الدنيا ومنهم من طلب الآخرة ومنهم من طلب الحق إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ فاخرجهم بنور رحمته من ظلمة طبيعتهم الجسمانية والروحانية الى نور طلب الربوبية فلا يكونون طلابا للدنيا والعقبى بل يكونون طلاب جمال الله وجلاله وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ اى ولطلب الله تعالى خلقهم وأكرمهم بحسن استعداد الطلب ورحمهم على توفيق الطلب وفضلهم على العالمين بفضيلة الوجدان وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ فى الأزل إذ قال (هؤلاء فى الجنة ولا أبالي وهؤلاء فى النار ولا أبالي) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ اى من الأرواح المستهلكة المتمردة وهم إبليس واتباعه وَالنَّاسِ وهم النفوس الأمارات بالسوء أَجْمَعِينَ كلهم من الفريقين المعرضين عن الله تعالى وطلبه انتهى: قال المولى الجامى قدس سره
يا من ملكوت كل شىء بيده
طوبى لمن ارتضاك ذخرا لغده
اين بس كه دلم جز تو ندارد كامى
تو خواه بده كام دلم خواه مده
: وقال المغربي قدس سره
نيست در باطن ارباب حقيقت جز حق
جنت اهل حقيقت بحقيقت اينست
فاذا عرفت حقيقة الحال وسر هذا الكلام فجرد همتك من لباس علاقة كل حال ومقام وصر وأصلا الى الله حاصلا عنده وهو غاية المرام وَكُلًّا مفعول به لنقص وتنوينه عوض عن المضاف اليه المحذوف اى كل نبأ وخبر نَقُصُّ عَلَيْكَ نخبرك به مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ بيان لكل او صفة لما أضيف اليه كل لا لكلا لان الفصيح وصف المضاف اليه ومن للتبعيض ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ بدل من كلا او صفة لما أضيف اليه والأظهر ان يكون المضاف اليه المحذوف فى كلا المفعول المطلق لنقص اى كل اقتصاص اى كل اسلوب من اساليبه نقص عليك من انباء الرسل. وقوله ما نثبت به فؤادك مفعول نقص اى ما نشد به قلبك حتى يزيد يقينك ويطيب به نفسك وتعلم ان الذي فعل بك قد فعل بالأنبياء قبلك والإنسان إذا ابتلى بمحنة وبلية فرأى جماعة يشاركونه فيها خف على قلبه بليته كما يقال البلية إذا عمت خفت وطابت قال القاشاني رحمه الله فى شرح التائية للقلب وجه الى الروح يسمى فؤادا وهو محل الشهود كما قال سبحانه ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ووجه الى النفس يسمى صدرا وهو محل صور العلوم والقلب عرش
صفحة رقم 203