
(لهم): لم تكونوا إيانا تعبدون لأنا ما كنا نسمع، ولا نبصر، ولا نعقل، ولا نعلم أنكم كنتم تعبدوننا.
قال مجاهد: تكون يوم القيامة ساعة فيها شدة تنصب لهم آلهتهم التي كانوا يعبدون. فتقول الآلهة: والله ما كنا نسمع، ولا نبصر، ولا نعقل، ولا نعلم أنكم كنتم تعبدوننا. فيقولون: والله لإياكم كنا نعبد، فتقول لهم الآلهة: ﴿فكفى بالله شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ﴾.
وكان مجاهد يتأول الحشر هنا الموت.
قوله: ﴿هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ﴾ إلى قوله ﴿لاَ يُؤْمِنُونَ﴾.
﴿هُنَالِكَ﴾: نصب على الظرف، واللام زائدة، وكسرت لالتقاء الساكنين، والكاف للخطاب. والمعنى: في ذلك الوقت.
ومن / قرأ " تتلو " بتاءين فمعناه: في ذلك الوقت تتبع كل نفس ما قدمت من عمل.

روي عن النبي ﷺ أنه قال: " يَمْثُلُ لكل قوم ما كانوا يعبدون من جون الله سبحانه فيتبعونه حتى يردوا بهم إلى النار. ثم تلا هذه الآية ".
والعرب تقول: فلان " يتلو طريقة أبيه ": أي: يتبع، ومنه قوله: ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾ [هود: ١٧].
وقيل: معنى ﴿تَبْلُواْ﴾ تقرأ. أي: في ذلك الوقت يقرأ كل إنسان ما أسلفه في الدنيا من عمل، أي: يقرأ كتاب حسابه كما قال: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً﴾ [الإسراء: ١٣].
وقال ابن زيد: تتلو: تعاين ما عملت.

ومن قرأ " تبْلو " فمعناه: تختبر كل نفس ثواب ما عملت من خير، أو شر. وتصديق ذلك قوله: ﴿يَوْمَ تبلى السرآئر﴾ [الطارق: ٩]، والقراءتان متقاربتان، لأن من اختبر شيئاً فقد اتبعه ليختبره ومن اتبع شيئاً فهو أقرب الناس إلى اختباره وقراءته ومعاينيه.
قوله: ﴿مَوْلاَهُمُ الحق﴾ يجوز نصب الحق على المصدر المؤكد لردوا، أو لمولاهم. ويجوز نصبه على المدح بمعنى " أغنى " ويجوز الرفع على " هو مولاهم الحق "، والخفض على النهت لله تعالى.
﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ﴾: أي: بطل ما كانوا يفترون، أي: يتخرصون من الأنداد والآلهة. و " ما " والفعل مصدر في موضع رفع بـ (ضَلَّ).

ثم قال تعالى: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السمآء والأرض﴾: أي: من ينزل من السماء الغيث، ومن خلق المصالح التي بها تم معاشكم: من شمس وريح، وحر وبرد. ومن الأرض والنبات، والعيون والمنافع.
﴿أَمَّن يَمْلِكُ السمع والأبصار﴾: أي: يملكها، ويزيد في قواها، أو يسلبكموها ومن يملك الأبصار أن تضيء لكم، أو يذهب بنورها. ومن يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي. قد تقدم ذكرها في آل عمران.
قوله: ﴿وَمَن يُدَبِّرُ الأمر﴾: أي: " أمر السماء والأرض ومن فيهن " ﴿فَسَيَقُولُونَ الله﴾: أي: الذي فعل ذلك الله تعالى فقل له يا محمد: ﴿أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾: أي: " أفلا تخافون عقاب الله سبحانه على شرككم ".
﴿فَسَيَقُولُونَ الله﴾: وقف.
ثم قال تعالى: ﴿فَذَلِكُمُ الله رَبُّكُمُ﴾: أي: ذلكم الله الذي فعل هذه

الأشياء واخترعها هو ﴿رَبُّكُمُ الحق﴾: أي: الذي لا شك فيه.
﴿فَمَاذَا بَعْدَ الحق إِلاَّ الضلال﴾ (المعنى: أي: منزلة بعد الحق إلا الضلال. أي: من ترك الحق حل في الضلال).
﴿فأنى تُصْرَفُونَ﴾ أي: من أين تصرفون عن الحق، وأنتم مقرون بالله سبحانه مخترع جميع هذه الأشياء.
ثم تعبدون من لا يخلق شيئاً، ولا يملك ضراً ولا نفعاً.
﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ الكاف من كذلك في موضع نصب والتقدير: كما صرف هؤلاء عن الحق إلى الضلال ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الذين فسقوا﴾: أي: خرجوا من دين الله سبحانه. ﴿أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾: أن في موضع نصب على معنى بأنهم، أو لأنهم.
وقال الزجاج: يجوز أن تكون في موضع رفع على البدل من الكلمات، وأجاز الأخفش، والفراء في الكسر في أن على الإلزام لترك الإيمان.