آيات من القرآن الكريم

كَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ

فيما أريد بيان ما عليه المشركون من خطأ وسخف وما ينتظرهم من هوان وعذاب بسبيل حملهم على الارعواء والارتداع.
وهذه هي المرة الثانية التي يحكي فيها جمع المشركين مع شركائهم يوم القيامة وتنصل هؤلاء منهم حيث حكي ذلك لأول مرة في سورة الفرقان التي مرّ تفسيرها. وقد استلهمنا من آية سورة الفرقان أن الشركاء المعنيين هم الملائكة وقد تلهم الآية التي نحن في صددها هذا أيضا. لأن الشركاء يستشهدون الله على كذب المشركين ويتنصلون منهم. وواجب المسلم أن يؤمن بما أخبر به القرآن من المشهد الأخروي في هذه الآية وأمثالها مع استشفاف الحكمة من ذكره مرارا، والمتبادر أن من هذه الحكمة تسفيه المشركين وجعلهم يتيقنون من عدم جدوى شركهم بهم عند الله ليرتدعوا ويرعووا ويتوبوا والله أعلم.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٣١ الى ٣٦]
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣١) فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢) كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥)
وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦)
. (١) فأنّى تصرفون: فأين تذهبون وتنصرفون في تفكيركم الخاطئ.
(٢) فسقوا: تمردوا وعصوا وانحرفوا.
(٣) فأنّى تؤفكون: بمعنى «فأنى تصرفون».
(٤) يهدّي: يهتدي.

صفحة رقم 464

معاني الآيات واضحة، وقد احتوت الأولى والرابعة والخامسة منها أمرا للنبي ﷺ بتوجيه أسئلة استنكارية إلى المشركين عن المتصرف في الكون المدبر لكل أموره الخالق الرازق القادر على إخراج الحي من الميت والميت من الحي، المبدئ المعيد الهادي إلى الحق، وعما إذا كان من شركائهم من يقدر على ذلك، كما احتوت تقريرا بواقع الأمر من اعترافهم بأن الله عز وجل هو وحده الذي يقدر على ذلك ويفعله، وتقريعا لهم على انصرافهم مع ذلك عن مستلزمات هذا الاعتراف وعدم تقواهم الله تعالى ووقوفهم منه موقف الجاحد وإشراكهم معه في الاتجاه والخضوع شركاء عاجزين عن أي شيء من ذلك.
واحتوت الآية الثانية تقريرا ربانيا مباشرا بأن الله الذي يعترفون بشمول قدرته ومطلق تصرفه هو الرب الحق وأن ما دونه هو الضلال المحض.
واحتوت الآية الثالثة تقريرا مماثلا بأن كلمة الله بعدم الهداية والإيمان إنما تحق على الفاسقين.
واحتوت الآية السادسة تقريرا مماثلا كذلك بأن المشركين لا يستندون في شركهم إلى عقل ومنطق وإنما يسيرون وراء الظن الذي لا يغني عن الحق شيئا.
وقوة الإفحام والإلزام في الآيات ملموسة، وقد ازدادت بكون المشركين لا ينكرون أن الله تعالى هو الرب الأعظم الخالق الرازق المدبر، كما تشير إليه الآية الأولى صراحة وتلهمه الآيات التالية لها.
ولا يروي المفسرون فيما اطلعنا عليه رواية خاصة في نزول الآيات، والمتبادر أنها متصلة بالسياق السابق الذي ظل يحكي مواقف المشركين وعنادهم ويقرعهم وينذرهم، ويلحظ فقط أنها انتقلت من الحكاية إلى توجيه الخطاب مباشرة إليهم مما جرى عليه النظم القرآني كثيرا، ومن المحتمل مع ذلك أن تكون هذه الآيات وما قبلها في صدد مواقف مناظرة وحجاج وجاهية بين النبي ﷺ والمشركين.

صفحة رقم 465

تعليق على جملة يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ
ولقد قال المفسرون «١» في تأويل جملة يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ إن الحي هو ما كان فيه نسمة الحياة المتغذية النامية والميت ما لم يكن كذلك. وعلى هذا فالنواة والبذرة والنطفة والبيضة ميتة يخرج الله منها أنواع الحيوان والنبات الحية، ويخرج من هذه الأنواع تلك الأنواع الميتة.
وإلى هذا فقد ذكروا ما تكرر تقريره في آيات عديدة مرّ بعضها من أن الله ينزل الماء على الأرض الميتة فيحييها بعد موتها كظاهرة من مظاهر مدى هذه الجملة وتأويلها.
والجملة القرآنية على كل حال في صدد تقرير ما يشاهده الناس وتستوعبه أذهانهم للتنويه بقدرة الله تعالى ولسنا نرى والحالة هذه ضرورة لمحاولة التوفيق بين ما جاء في الآيات وتأويلات المفسرين القدماء لها وبين ما عرف فينا عن عالم الأحياء لأن ذلك ليس من أهداف الآيات القرآنية على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة مماثلة.
ولقد ذكر المفسرون فيما ذكروه من وجوه تأويل الجملة خروج الكافر من صلب المؤمن وخروج المؤمن من صلب الكافر على مجاز كون الكافر بمثابة الميت والمؤمن بمثابة الحي. ونحن نرى في هذا تكلفا وبعدا عن مدى الجملة التي تكررت في القرآن بصيغ متقاربة والتي هي أكثر اتساقا وتوافقا مع التأويلات السابقة.
تعليق على جملة كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ
والآية الثالثة وهي تقرير أن كلمة الله حقت على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون

(١) انظر تفسير الآيات وتفسير آيات سورة آل عمران [٣٧] وسورة الأنعام [٩٥] التي فيها نفس الجملة في تفسير المنار والخازن والطبرسي وابن كثير.

صفحة رقم 466
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية