آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ۙ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ

(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) أي إن الإنسان إذا أصابه من الضر ما يشعر فيه بشدة ألم أو خطر على نفسه كغرق ومسغبة وداء عضال دعانا ملحّا فى كشفه عند اضطجاعه لجنبه أو قعوده فى كسر بيته أو قيامه على قدميه حائرا فى أمره، ولا ينسى حاجته إلى رحمة ربه مادام يشعر بمسّ الضر ويعلم من نفسه العجز عن النجاة منه، وقدم من هذه الحالات الثلاث ما يكون الإنسان أشد عجزا وشعوره بالحاجة إلى ربه أقوى ثم التي تليها ثم التي تليها.
(فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) أي فلما كشفنا عنه ضره الذي دعانا إليه حال شعوره بعجزه عن كشفه بنفسه أو بغيره من الأسباب- مرّ ومضى فى طريقه التي كان عليها من الغفلة عن ربه والكفر به كأن الحال لم تتغير ولم يدعنا إلى شىء ولم نكشف عنه ضرا.
(كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي مثل هذا الطريق من معرفة الله والإخلاص فى دعائه وحده فى الشدة، ونسيانه والكفر به بعد كشفها، زين للمشركين من طغاة مكة وغيرهم ما كانوا يعملون من أعمال الشرك، حتى بلغ من عنادهم للرسول ﷺ واستهزائهم بما أنذرهم من عذاب أن استعجلوه به فقالوا اللهم ربنا أمطر علينا حجارة من السماء.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٣ الى ١٤]
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤)
تفسير المفردات
القرون: الأمم، واحدها قرن، وهم القوم المقترنون فى زمن واحد،
وجاء فى الحديث الشريف «خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم»
والخلائف: واحدها خليفة، وهو من يخلف غيره فى شىء، وننظر: نشاهد ونرى.

صفحة رقم 75

المعنى الجملي
بعد أن أبان سبحانه فى الآيات السالفة أنهم كانوا يتعجلون العذاب، وذكر أنه لا صلاح لهم فى إجابة دعائهم، ثم ذكر أنهم كاذبون فى هذا الطلب إذ لو نزل بهم الضر جأروا وتضرعوا إلى الله فى كشفه وإزالته.
بين هنا ما يجرى مجرى التهديد، وهو أنه تعالى قد ينزل بهم عذاب الاستئصال كما حدث للأمم قبلهم حتى يكون ذلك رادعا لهم وزاجرا عن هذا الطلب.
الإيضاح
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) الخطاب إلى قوم النبي ﷺ وأهل وطنه مكة، أي ولقد أهلكنا كثيرا من الأمم قبلكم بسبب ظلمهم.
والآية بمعنى قوله «وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً» وهلاك الله للأمم بالظلم ضربان:
(١) ضرب بعذاب الاستئصال للأقوام الذين بعث الله تعالى فيهم رسلا لهدايتهم بالإيمان والعمل الصالح كقوم نوح وعاد وثمود، فعاندوا الرسل فأنذروهم عاقبة الجحود والعناد بعد مجيئهم بالآيات الدالة على صدقهم.
(٢) ضرب بعذاب هو مقتضى سنته تعالى فى نظم الاجتماع البشرى، فالظلم مثلا سبب لفساد العمران وضعف الأمم، ولاستيلاء القوية على الضعيفة كما قال «وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ» - وهو إما ظلم الأفراد لأنفسهم بالفسوق والإسراف فى الشهوات المضعفة للأبدان المفسدة للأخلاق، وإما ظلم الحكام الذي يفسد بأس الأمة ويهن من قوتها.
(وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي أهلكناهم لما ظلموا بالتكذيب وقد جاءتهم رسلهم بالبينات الدالة على صدقهم.

صفحة رقم 76

(وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) أي وما كان من شأنهم ولا من مقتضى استعدادهم أن يؤمنوا لأنهم قد مرنوا على الكفر وصار ديدنهم حب الشهوات واللذات من الجاه والرياسة والظلم والفسق والفجور.
(كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) أي ومثل هذا العذاب الشديد وهو الاستئصال نجزيه لكل قوم مجرمين.
وفى هذا وعيد شديد لأهل مكة على تكذيبهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
(ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي ثم جعلناكم خلائف فى الأرض من بعد أولئك الأقوام بما آتيناكم فى هذا الدين من أسباب الملك والحكم، إذ فى شريعتكم ما به سعادة الأمة فى دينها ودنياها.
وفى الآية بشارة لهذه الأمة بأنها ستخلفهم فى الأرض إذا آمنت به واتبعت النور الذي أنزل معه كما قال «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» ولقد صدق الله وعده فملكهم ملك الأكاسرة والقياصرة والفراعنة وكثير من الأمم غيرها.
(لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) أي لنرى ماذا تعملون فى خلافتكم فنجازيكم به بمقتضى سنتنا فيمن قبلكم، كما قال «لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» وجاء فى الأثر «إن الدنيا خضرة حلوة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون» وقال قتادة:
صدق الله ربنا، ما جعلنا خلفاء إلا لينظر إلى أعمالنا، فأروا الله من أعمالكم خيرا بالليل أو النهار.
وفى ذلك إيماء إلى أن هذه الخلافة منوطة بالأعمال حتى لا يغتروا بماسينالونه ويظنوا أنه باق لهم وأنهم يتفلتون من سننه تعالى فى الظالمين.

صفحة رقم 77
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية