آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ۙ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ

فيدعوه لكشف ما تعرض له من ضرّ، ولكنه سرعان ما ينسى ربه، ولا يكون وفيا لفضل الله عليه، فإذا نجا وكشف الله عنه الضر، استمر على كفره ولم يشكر ولم يتّعظ.
٤- وكما زيّن للإنسان الدعاء عند البلاء، والإعراض عند الرخاء، زيّن للمشركين أعمالهم من الكفر والمعاصي، وهذا التزيين يجوز أن يكون من الله بخذلانه وتخليته، ويجوز أن يكون من الشيطان بوسوسته. وإضلال الشيطان:
دعاؤه إلى الكفر.
سنة الله في إهلاك الأمم الظالمة الكافرة واستخلاف خلائف بعدهم
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٣ الى ١٤]
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤)
الإعراب:
لَمَّا ظَلَمُوا لَمَّا: ظرف لأهلكنا لِيُؤْمِنُوا اللام لتأكيد النفي.
وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ عطف على ظَلَمُوا، أو حال من واو ظَلَمُوا بإضمار:
قد.
كَيْفَ تَعْمَلُونَ كيف: معمول تَعْمَلُونَ ومنصوب به.
البلاغة:
كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ وضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على كمال جرمهم وأنهم أعلام فيه.

صفحة رقم 123

لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ في النظر استعارة تمثيلية، حيث شبه حال العباد مع الله، بحال رعية مع حاكمها، في إمهالهم للنظر في أعمالهم، وأستعير المشبّه به للمشبه للتقريب والتمثيل، لكن ليس كمثل الله شيء. وأستعير لفظ النظر للعلم الحقيقي الذي لا يتطرق الشك إليه، وشبه هذا العلم بنطر الناظر وعيان المعاين.
المفردات اللغوية:
الْقُرُونَ الأمم، جمع قرن: وهم القوم المقترنون في زمان واحد. مِنْ قَبْلِكُمْ يا أهل مكة وأمثالكم. لَمَّا ظَلَمُوا بالشرك والتكذيب. بِالْبَيِّناتِ الدلالات الواضحات الدالة على صدقهم. كَذلِكَ مثل ذلك الجزاء: وهو إهلاكهم بسبب تكذيبهم للرسل وإصرارهم عليه بحيث تحقق أنه لا فائدة في إمهالهم. نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ الكافرين.
ثُمَّ جَعَلْناكُمْ يا أهل مكة. خَلائِفَ جمع خليفة وهو من يخلف غيره في الشيء أي استخلفناكم فيها بعد القرون التي أهلكناها استخلاف من يختبر. لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فيها، أتعملون خيرا أو شرا، فنعاملكم على مقتضى أعمالكم، وهل تعتبرون بالأمم السابقة، فتصدقوا رسلنا.
وننظر: نشاهد ونرى.
المناسبة:
بعد أن أبان الله تعالى أنهم كانوا يتعجلون العذاب، وأوضح أنه لا فائدة في إجابة دعائهم، ثم ذكر أنهم كاذبون في هذا الطلب إذ لو نزل بهم ضر، تضرعوا إلى الله تعالى في إزالته وكشفه، بيّن هنا ما يجري مجرى التهديد: وهو أنه تعالى قد ينزل بهم عذاب الاستئصال، كما أنزله في الأمم السابقة، ليكون ذلك رادعا لهم عن مطلبهم تعجيل العذاب.
التفسير والبيان:
يخاطب الله تعالى أهل مكة ويخبرهم بأنه أهلك كثيرا من الأمم قبلهم بسبب ظلمهم وتكذيبهم الرسل فيما جاءوهم به من البينات والحجج الواضحات، كما قال: وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا، وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً [الكهف ١٨/ ٥٩] وهلاك تلك القرى والأمم بالظلم: إما بعذاب الاستئصال لأقوام

صفحة رقم 124

الرسل الذين كذبوا بهم مثل قوم نوح وعاد وثمود، وإما بإضعافهم واستيلاء الأمم القوية عليهم بسبب ظلم الأفراد بالفسق والفجور أو ظلم الحكام.
لقد أهلكناهم لما كذبوا بالبينات الدالة على صدق رسلهم، وما كانوا ليؤمنوا، أي وما كانوا يؤمنون حقا، وهو تأكيد لنفي إيمانهم، وأن الله قد علم منهم أنهم يصرون على الكفر، وأن الإيمان مستبعد منهم. والمعنى: أن السبب في إهلاكهم تكذيبهم الرسل، وعلم الله أنه لا فائدة في إمهالهم بعد أن ألزموا الحجة ببعثة الرسل.
كذلك.. أي مثل ذلك الجزاء أي الإهلاك، نجزي كل مجرم. وهذا وعيد شديد لأهل مكة على إجرامهم بتكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
ثم خاطب الله الذين بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلّم بقوله: ثُمَّ جَعَلْناكُمْ أي جعلناكم خلفاء في الأرض بعد تلك القرون التي أهلكنا، لننظر أتعملون خيرا أم شرا، وننظر طاعتكم لرسولنا واتباعكم له.
وفي هذا بيان بأن أمة الإسلام ستكون لها الخلافة في الأرض إذا لازمت الطاعة واتبعت هدي القرآن: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ، كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
[النور ٢٤/ ٥٥] وقد تمت هذه فملكوا ملك كسرى وقيصر وفرعون وكثير من الأمم. وجاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من النساء».
والخلافة منوطة بالأعمال الصالحة، لا بمجرد الوراثة للصفة الإسلامية.

صفحة رقم 125

فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى المبادئ التالية:
١- إن إهلاك الأمم الظالمة قديما وحديثا إنما يكون بسبب الظلم، والظلم:
إما الكفر والشرك، وإما طغيان الأفراد أو الحكام.
٢- هذه الآية تخويف ووعيد لأهل مكة الكفار ولأمثالهم على تكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فالله قادر على إهلاك الأمة التي تكذب محمدا صلى الله عليه وسلّم، ولكن حكمته اقتضت إمهالهم لعلمه بأن فيهم من يؤمن، أو يخرج من أصلابهم من يؤمن. وهكذا حال الأمم الحالية، نرى في كل أمة اتجاها إلى إيمان الآلاف منهم بعقيدة الإسلام ونظامه.
٣- هذه الآية ترد على أهل الضلال القائلين بخلق الهدى والإيمان.
٤- الاستخلاف في الأرض منوط بالعمل الصالح، فالله يستخلف قوما بعد آخرين لينظر كيف يعملون، خيرا أو شرا، فيعاملهم على حسب عملهم. وبما أن الله يعلم ما سيكون في المستقبل في كل أنحاء الكون ومن المخلوقات، فيكون المقصود إقامة الدليل الحسي والمادي المشاهد على الناس من خلال أعمالهم الواقعية، لذا قال المفسرون كالرازي:
ليس معنى الآية بأن الله تعالى ما كان عالما بأحوال الخلق قبل وجودهم، وإنما المراد منه أنه تعالى يعامل العباد معاملة من يطلب العلم بما يكون منهم، ليجازيهم بحسبه، كقوله: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك ٦٧/ ٢].

صفحة رقم 126
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية