آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ

الفاعل (١)؛ لأن ذكر الفاعل قد تقدم وهو الله -عز وجل-، في قوله: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ﴾.
وذكر عن بعض المفسرين (٢): أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث حين قال: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ﴾ [الأنفال: ٣٢] الآية، يدل على صحة هذا قوله: ﴿فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾، يعني الكفار الذين لا يخافون البعث.
١٢ - قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ﴾ أي: مضطجعا على جنبه؛ ولهذا المعنى عطف عليه بالحال، كقوله: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا﴾ [آل عمران: ٤٦] فنسق ﴿وَكَهْلًا﴾ على ﴿فِي الْمَهْدِ﴾؛ لأن معناه: ويكلم الناس صغيرًا وكبيرًا، قال ابن الأنباري: وهذا كما يقول القائل إنا بخير وكثير صيدنا، فيعطف (كثيراً) على الباء، إذ تأويلها: إنا مخصبون (٣).
قال ابن عباس: إذا أصاب الكافر ما يكره من فقر أو مرض أو بلاءً أو شدة أخلص في الدعاء مضطجعًا كان أو قائمًا أو قاعدًا (٤)، وإنما يريد جميع حالاته؛ لأن الإنسان لا يخلو من هذه الحالات.
قال أبو إسحاق: وجائز أن يكون: وإذا مس الإنسان الضر لجنبه أو

(١) كتاب "السبعة" ص ٣٢٣، "إرشاد المبتدي" ص ٣٦٠، " النشر" ٢/ ٢٨٢، وقد وافقه يعقوب كما في المصدرين الأخيرين.
(٢) هو: مقاتل بن سليمان كما في "تفسيره" ١٣٨ ب، "تفسير القرطبي" ٨/ ٣١٥.
(٣) لم أجده.
(٤) ذكره المؤلف في "الوسيط " ٢/ ٥٤٠، وبنحوه ابن الجوزي في "زاد المسير" ٤/ ١٢، والفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص ٢٠٩.

صفحة رقم 137

مسه قاعدًا أو مسه قائمًا دعانا (١)، والمعنى: وإذا مسَّ الإنسان الضر في حال من الأحوال دعانا، قال أبو بكر: وفي هذا القول عندي بُعد؛ لأن إزالة ألفاظ القرآن إلى معنى غامض يُتطلب لها مكروهة؛ إذِ استعمال الظاهر إذا لم يدعُ إلى الغامضِ ضرورةٌ أولى (٢).
قال: ومما يزيد هذا القول فسادًا أنّ اللام في قوله (لجنبه) إذا انتصب بـ (مس) لم يجز أن يدخل بين (دعانا) وما يتعلق به كتعلق الصلة، والفاء في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا﴾ يتصل ما (٣) بعدها بـ (دعانا) وغير جائز أن تقول: دعوت فأجابني عبد الله فأحسن)، من قِبَل أنّ (أحسن) ينعطف على أجابني، فدخول منصوب الأول بينهما لا وجه له (٤).
وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ﴾ [قال ابن عباس: فلما كشفنا عنه] (٥) مرضه مرّ طاغيا على ترك الشكر (٦).
وقال الفراء: استمر على طريقته الأولى قبل أن يصيبه البلاء (٧).
وقال الزجاج: مرّ في العافية على ما كان عليه قبل (٨) أن يبتلى ولم

(١) اهـ. كلام أبي إسحاق الزجاج، انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٩.
(٢) ساقط من (م).
(٣) في (ى): (بما)، وهو خطأ.
(٤) لم أجد مصدره، وانظر: "التبيان في إعراب القرآن" ص ٤٣٤، فقد ضعف أبو البقاء أيضاً قول الزجاج المذكور.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ح).
(٦) ذكره المؤلف في "الوسيط" ٢/ ٥٤٠ مختصرًا، و"زاد المسير" ٤/ ١٢ بلا نسبة.
(٧) "معاني القرآن" ١/ ٤٥٩.
(٨) ساقط من (ى).

صفحة رقم 138

يتعظ بما ناله (١)، وهذا بيان عن حال الجاهل (٢) من الإعراض عما يجب عليه من الشكر على كشف الضر الذي نزل به.
وقوله تعالى: ﴿كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾، قال الأخفش: ﴿كَأَنْ لَمْ﴾ يريد: كأنه لم، فخففت، ومثله: ﴿كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا﴾ (٣) [يونس: ٤٥]، وهذا مثل ما ذكرنا في (أن) الخفيفة في مواضع، وقال الحسن: نسي ما دعى الله فيه، وما صنع الله به (٤) فيما كشف عنه من ذلك النبلاء (٥).
وقال صاحب النظم في هذه الآية: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ﴾: (وإذا) موضوعة للمستقبل، ثم قال: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا﴾ وهذا واجب ماضٍ، فهذا النظم محمول على الاشتراك من أن المعنى فيه: إنه هكذا كان فيما مضى، وهكذا يكون في المستأنف، فدل ما فيه من [الفعل المستأنف على ما فيه من المعنى المستأنف، وما فيه من] (٦) الماضي على الماضي (٧).
وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، قال المفسرون: [يقول: كما زُين لهذا الكافر الدعاء عند البلاء والإعراض عند الرخاء، زُين للمسرفين عملهم (٨)، والمعنى: زُين للمسرفين عملهم تزيينًا

(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٩.
(٢) في (ى): (الجاهلية).
(٣) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٣٦٩.
(٤) في (م): (فيه).
(٥) ذكره المؤلف في "الوسيط" ٢/ ٥٤٠، ولم أجده عند غيره.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ح).
(٧) ذكره بنحوه الرازي في "تفسيره" ١٧/ ٥٢، وأبو حيان في "البحر المحيط" ٥/ ١٣٠.
(٨) انظر: "تفسير الثعلبي" ٧/ ٧ ب، والبغوي ٤/ ١٢٤، وابن الجوزي ٤/ ١٣.

صفحة رقم 139
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية