آيات من القرآن الكريم

وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا
ﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟ

الشهوة فقد فعل ما تفعل البهائم، وبذلك يكون قد أخفى عمل القوة العاقلة التي اختص بها الإنسان، واندرج فى عداد الحيوان.
ولا شك أنه لا خيبة أعظم، ولا خسران أكبر من هذا المسخ الذي يجلبه الشخص لنفسه بسوء أعماله.
والمحلوف عليه الذي افتتحت به السورة- محذوف للعلم به من نظائره، وكأنه قيل: «وَالشَّمْسِ وَضُحاها... » لينزلنّ بالمكذبين منكم مثل ما نزل بثمود إذ كذبت نبيّها فأصابها العذاب، ودليل ذلك قوله بعد: «كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها» الآيات، فإنها ترشد إلى أن الله يعاقب من يكذب رسله، نحو ما سبق فى سورة البروج.
[سورة الشمس (٩١) : الآيات ١١ الى ١٥]
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥)
شرح المفردات
الطّغوى والطغيان: مجاوزة الحد المعتاد، انبعث: أي قام بعقر الناقة، أشقاها:
أي أشقى ثمود وهو قدار بن سالف، رسول الله: هو صالح عليه السلام، ناقة الله، أي احذروا التعرض لناقة الله، وسقياها: أي شربها الذي اختصها به فى يومها، فعقروها: أي فنحروها، فدمدم: أي فأطبق عليهم العذاب، يقال: دمدم عليه القبر: أي أطبقه عليه، فسواها: أي فسوى القبيلة فى العقوبة فلم يفلت منها أحد، عقباها: أي عاقبة الدمدمة وتبعتها.

صفحة رقم 169

المعنى الجملي
جرت عادة القرآن أن يذكر بعض أخبار الأمم السابقة وما كان منهم مع رسلهم وما قابلوه به من التكذيب والإيذاء، ثم يذكر ما جرت به سنته سبحانه من الإيقاع بالمكذبين، وأخذهم بظلمهم وبما عملوا مع أنبيائهم، ليكون فى ذلك سلوة للرسول ﷺ بأنه لم يلق إلا ما لقى إخوانه الأنبياء، ولم يكابد من قومه إلا مثل ما كابدوا، وليكون فى ذلك تخويف لأولئك المكذبين الذين يعاندون رسول الله ويلحفون فى تكذيبه، بأنهم إذا استمروا على ذلك حاق بهم مثل ما حاق بالأمم السالفة ونالوا من الجزاء مثل ما نالوا.
الإيضاح
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) أي كذبت ثمود نبيّها صالحا بسبب طغيانها وبغيها.
ثم بين أمارة ذلك التكذيب فقال:
(إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها) أي كان انطلاق الأشقى لعقر الناقة والقوم راضون عنه علامة ظاهرة على تكذيبهم لنبيهم الذي جعلها دليل نبوته، وبرهانا على صدق رسالته، وأوعدهم إذا هم تعرضوا لها، وسكوت قومه على ما يفعل دليل رضاهم عن فعله، فكانوا مكذبين مثله.
ثم ذكر ما توعدهم به الرسول على فعلهم فقال:
(فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ: ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها) أي فقال لهم صالح: احذروا ناقة الله التي جعلها آية نبوّتى، واحذروا شربها الذي اختصّت به فى يومها، فلا تؤذوها ولا تتعدوا عليها فى شربها ولا فى يوم شربها، وكان صالح عليه السلام قد اتفق معهم على أن للناقة شرب يوم، ولهم ولمواشيهم شرب يوم، فكانوا يجدون فى أنفسهم حرجا لذلك ويتضررون منه، فهمّوا بقتلها فحذّرهم أن يفعلوا ذلك،

صفحة رقم 170

وخوّفهم عذاب الله وعقابه الذي ينزله بهم إن هم أقدموا على هذا الفعل، لكنهم كذبوه ولم يستمعوا لنصحه كما أشار إلى ذلك بقوله:
(فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها) أي إنهم لم يتورّعوا عن تكذيبه، ولم يحجموا عن عقر الناقة، ولم يبالوا بما أنذرهم به من العذاب وأليم العقاب.
وقد تقدم أن قلنا: إنهم لما رضوا بهذا الفعل نسب إليهم جميعا، وكأنهم صنعوه معه.
ثم بين عاقبة عملهم وذكر ما يستحقونه من الجزاء فقال:
(فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ) أي فأطبق عليهم العذاب، وأهلكهم هلاك استئصال ولم يبق منهم ديّارا ولا نافخ نار، كما أشار إلى ذلك بقوله:
(فَسَوَّاها) أي فسوّى القبيلة فى العقوبة ولم يفلت منها أحد، بل أخذ بها كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم: «وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ».
وقد يكون المعنى- جعل الأرض فوقهم مستوية كأن لم تثر، ودمّر مساكنها على ساكنيها.
(وَلا يَخافُ عُقْباها) أي إن الله أهلكهم ولا يخاف عاقبة إهلاكهم، لأنه لم يظلمهم فيخيفه الحق، وليس هو بالضعيف حتى يناله منهم مكروه، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
والمراد أنه بالغ فى عذابهم إلى غاية ليس فوقها غاية، فإن من يخاف العاقبة لا يبالغ فى الفعل، أما الذي لا يخاف العاقبة ولا تبعة العمل فإنه يبالغ فيه ليصل إلى ما يريد.
وقد علمت أن القصص مسوق لتسلية رسوله بأنه سينزل بالمكذبين به مثل ما أنزل بثمود، ولقد صدق الله وعده، فأهلك من أهلك من أهل مكة فى وقعة

صفحة رقم 171

بدر بأيدى المؤمنين، ثم لم يزل يحل بهم الخزي والعذاب بالقتل تارة وبالإبعاد أخرى حتى لم يبق فى جزيرة العرب مكذّب، ولو سارت الدعوة إلى الإسلام سيرتها فى عهد الصحابة لما بقي فى الأرض مكذب، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
مقاصد هذه السورة
اشتملت هذه السورة على مقصدين:
(١) الإقسام بالمخلوقات العظيمة على أن من طهر نفسه بالأخلاق الفاضلة فقد أفلح وفاز، وأن من أغواها ونقصها حقها بجهالته وفسوقه فقد خاب.
(٢) ذكر ثمود مثلا لمن دسى نفسه فاستحق عقاب الله الذي هو له أهل.

صفحة رقم 172
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية