آيات من القرآن الكريم

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ

والمسلمون المؤمنون يوالي بعضهم بعضا ويناصره، وأما المنافقون فلا ولاية لهم ولا نصرة بينهم، لا بجلب خير لهم، ولا بدفع شر عنهم، والآية تضمنت إحاطة علم الله بهم، وتوبيخهم على ما كانوا عليه من شرور وآثام، ومواقف وتحركات مشبوهة.
بخل المنافقين
يتميز المؤمن عن المنافق بسخائه وجوده وإنفاقه المال بصدق وإخلاص في سبيل الله ومن أجل إعزاز أمته وإعلاء شأن بلاده ودينه، منتظرا من الله تعالى الثواب الجزيل، وتعويض النفقة، وإخلاف الرزق، أما المنافق الذي لا أثر للإيمان في قلبه، ولا ينتظر من الله الخير، فتراه بخيلا ممسكا المال، يخاف الفقر خوفا شديدا، من غير إحساس بانتمائه للأمة، ولا إسهام في سبيل إعزازها والذود عن حياضها، قال الله تعالى مبينا خصلة البخل المتأصلة في نفوس المنافقين:
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٧٥ الى ٧٨]
وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٧٨)
«١» «٢» [التوبة: ٩/ ٧٥- ٧٨].
ذكر بعض المفسرين كالطبري أن سبب نزول هذه الآية هو ثعلبة بن حاطب، وهو غير صحيح لأن ثعلبة هذا بدري أنصاري، شهد غزوة بدر الكبرى، وناصر النبي والمسلمين نصرا مؤزرا، وممن شهد الله له ورسوله بالإيمان، قال ابن عبد

(١) ما أسروه في قلوبهم من النفاق.
(٢) ما يتناجون به من المطاعن.

صفحة رقم 891

البر: ولعل قول من قال في ثعلبة: إنه مانع الزكاة الذي نزلت فيه الآية غير صحيح، والله أعلم.
وقال الضحاك: إن الآية نزلت في رجال من المنافقين: نبتل بن الحارث وجدّ بن قيس، ومعتّب بن قشير، قال القرطبي: وهذا أشبه بنزول الآية فيهم، إلا أن قوله تعالى: فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً يدل على أن الذي عاهد الله تعالى لم يكن منافقا من قبل، إلا أن يكون المعنى: زادهم نفاقا ثبتوا عليه إلى الممات، وهو قوله تعالى: إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ.
فتكون الآية في بعض المنافقين الذي عاهد الله ورسوله: لئن أغناه الله من فضله، ليصدقن وليكونن من الصالحين الذين ينفقون أموالهم في مرضاة الله، كصلة الرحم والجهاد.
فلما رزقهم الله تعالى، وأعطاهم من فضله ما طلبوا، لم يوفوا بما قالوا، ولم يصدقوا فيما وعدوا، وإنما بخلوا به وأمسكوه، فلم يتصدقوا منه بشيء ولم ينفقوا منه شيئا في مصالح الأمة، كما عاهدوا الله عليه، بل تولوا بكل ما أوتوا من قوة عن العهد وطاعة الله، وأعرضوا إعراضا تاما عن النفقة وعن الإسلام، بسبب تأصل طبع النفاق في نفوسهم.
ولما أمدهم الله بالرزق من فضله وإحسانه، بخلوا بإعطاء الصدقة وبإنفاق المال في الخير، وبالوفاء بما تعهدوا والتزموا، وتولوا مدبرين معرضين عن الإسلام والإيمان والإحسان. فهذه صفات ثلاث لهؤلاء المنافقين: البخل: وهو منع الحق، والتولي عن العهد وتنفيذ الالتزام، والإعراض عن تكاليف الله وأوامره. والعهد الذي كان من المنافقين إنما كان بالنية لا بالقول، فأعقبهم الله تعالى نفاقا في قلوبهم، أي صير عاقبة أمرهم نفاقا دائما في قلوبهم، أي زادهم نفاقا، أو أعقب بخلهم نفاقا، واستمر فيهم

صفحة رقم 892

ذلك النفاق ثابتا متمكنا ملازما قلوبهم إلى يوم الحساب في الآخرة، أي أنهم ماتوا منافقين.
وذكر الله تعالى سببين للموت على النفاق: وهما إخلاف الوعد والكذب، فقال سبحانه: بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ لقد أخلفوا ما وعدوا الله تعالى من التصدق والصلاح، وكذبوا بنقضهم العهد وترك الوفاء بما التزموه. ثم وبخ الله تعالى هؤلاء المنافقين بأن الله يعلم السر وأخفى، ويعلم ما يسرونه من الكلام، وما يتناجون أو يتحدثون به من الطعن في الدين، والله أعلم بما في نفوسهم مما يضمرونه من حقد وكراهية، يعلم كل غيب وشهادة، وكل سر ونجوى، وينطبق عليهم تماما
قوله صلّى الله عليه وسلّم فيما يرويه ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عمر: «ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا: إذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان»
وهذا الحديث وأمثاله في المنافقين الذين كانوا في عصر النبي صلّى الله عليه وسلّم، الذين شهد الله عليهم. وصدور هذه الخصال من بعض المسلمين باعتبار النفاق اللغوي أو الاجتماعي، وأنها معاص لا نفاق في العقيدة، وأن هذه الخصال تشبه أفعال المنافقين.
جزاء المنافقين في الدنيا والآخرة
ينفر المجتمع وأهل الطبع السليم النقي من النفاق والمنافقين، لأن النفاق مرض خبيث وآفة خطيرة تجمع في مضمونها ضعف النفس ولؤم الطبع، وتبييت الغدر ومحاولة الطعن بغيرهم من المجتمع والأفراد، فلا يطمئن لهم إنسان، ولا يحمد لهم فعال، وهم أعداء الباطن والداخل، فيجب الحذر منهم والبعد عنهم، قال الله تعالى واصفا طباعهم:

صفحة رقم 893
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية