القاسية «وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (٧٠) فاستحقوها جزاء وفاقا، فاحذروا أيها السّامعون أن يصيبكم ما أصابهم إن فعلتم فعلهم أو أصررتم عليه، ولم تتوبوا في زمن تقبل فيه التوبة، راجع الآيتين ٢٧ و ٢٨ من سورة النّساء المارة
قال تعالى بمقابل الآية السّالفة «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» والفرق بين هذه الجملة والجملة المصدرة به الآية السّالفة هو أن اتفاق المؤمنين كان على تقوى من الله ورضوان بتوفيق الله وهدايته، لا بمقتضى هوى النفس والطّبيعة الخبيثة كالمنافقين والكافرين المشار إليهم فيها، الّذين كانت موافقتهم بعضهم لبعض بتقليد رؤسائهم، فلهذا قال بحقهم بعضهم من بعض، وبحق المؤمنين أولياء بعض «يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» فيما بينهم أنفسهم وبين غيرهم راجع الآية ١١٣ الآتية «وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ» الّذين هذا شأنهم «سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (٧١) في تدبير أمور عباده، لا بشوب تدبيره نقص ولا خلل، ومن عزته أنه لا يمتنع عليه من أراده، فلا يغالب ولا يتابل «وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ» وهذه بمقابل الآية السّابقة عد (٦٧) «جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ» زيادة على مساكنهم في جناتهم، لأن عدن دار الأصفياء عند الله تعالى، وهؤلاء بلا تشبيه كالمترفين من أهل الدّنيا عندهم تصور في بلادهم وقصور في مصايفهم.
واعلم أن مرجع العطف في هذه الآية إلى تعدد الوعود لكل واحد أو للجميع على سبيل التوزيع، أو إلى تغاير وصفه، أولا بأنه من جنس ما هو أبهى الأماكن التي يعرفونها، فتميل إليه طباعهم أول ما يقرع أسماعهم، وصفه بأنه محفوف بطيب عار عن شوائب الكسورات التي لا تخلو عنها أماكن الدّنيا، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، ثم وصفه بأنه دار إقامة وثبات في جوار رب العالمين لا يقربهم فيها فناء ولا تغير، ثم وعدهم بما هو أكبر من ذلك وأعظم وهو الزيادة الأخرى المبينة بقوله عند قوله «وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ» من ذلك كله ومن كلّ شيء، لأنه غاية المقصود ونهاية المطلوب «ذلِكَ» العطاء الجزيل والعطف الجليل «هُوَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»
(٧٢) في الآخرة لا فوز أعظم منه، والخير الكثير الذي لا أفضل منه. روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنّة يا أهل الجنّة، فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول هل رضيتم، فيقولون وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، فيقول ألا (أداة لاستفتاح الكلام وتختص بالمستقبل وتكون للطلب بلين ورفق وضدها هلا الكائنة للعنف والشّدّة وتدخل على الماضي والمستقبل) أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط بعده عليكم أبدا. قال تعالى «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ» وشدّد بالجهاد والإرهاب «عَلَيْهِمْ» في الدّنيا أنت وأصحابك بمعونتنا ونصرنا «وَمَأْواهُمْ» عندنا في الآخرة «جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» (٧٣) هي لأهلها قال ابن مسعود دلّت هذه الآية والدّلائل السّمعية على أن جهاد الكفار بالسيف وجهاد المنافقين بالحجة، والآية عامة لم يذكر فيها كيفية الجهاد، فلا بد من دليل واضح يقيدها بما قاله ابن مسعود ويصرفها عن ظاهرها، وإلّا فلا دليل فيها يخصصها بما قاله، وإنما عدل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن قتل بقية المنافقين لا لأنه علم من هذه الآية أن جهادهم بالحجة، بل لأن من تكلم بالكفر سرا وجحده علنا وقال إني مسلم يحكم بإسلامه في الظّاهر شرعا، والله يتولى السّرائر، وإلّا لفسد الكون، قال تعالى (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) الآية (٩٣) من سورة النّساء المارة، وقال صلّى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد أشققت قلبه؟ راجع تفسيرها، ولولا هذه الآية والحديث لفتك بكثير من المسلمين بحجة أنهم كافرون باطنا، أو أنهم أسلموا ليخلصوا أنفسهم من القتل، ويأبى شرع الله ذلك، ولقائل أن يقول إن من المنافقين ممن علم الله ورسوله بأنهم يموتون على نفاقهم كعبد الله بن سلول وثعلبة الآتي ذكرهما، فلماذا لم يقتلهم رسول الله؟ فالجواب عن هذا أنه لا يقتلهم حرمة للشرع المعمول بظاهره لآخر الزمان ولئلا يتذرع بعض الولاة أو غيرهم بذلك فيقتل من يشاء ويترك من يشاء بتلك الحجة، ولقد أجمعت الأمة على أنه لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه دفعا لما يترتب على ذلك من المفاسد، ومن هذا الباب
قوله صلّى الله عليه وسلم صلّوا خلف كلّ بر وفاجر، وجاهدوا مع كلّ بر وفاجر. الحديث، لقطع باب الفتنة حيث يتطرق النّاس إلى الطّعن بكل من يكرهون، وانظر لقوله تعالى «يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ».
مطلب في فضايح المنافقين وإسلام بعضهم وما قيل في الأيام وتقلباتها والصّحبة وفقدها.
قال ابن عباس كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم جالسا في ظل شجرة فقال إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعين الشّيطان، فإذا جاء فلا تكلموه، فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق، فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال تشتمني أنت وأصحابك، فأنكر، قال فأحضر أصحابك، فانطلق فأتى بأصحابه فحلفوا بالله ما قالوا وما فعلوا، فتجاوز عنهم، فأنزل الله هذه الآية تكذيبا لهم، وقد أعلمه الله بهم وبما قالوه «وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا» لأنهم أرادوا اغتيال حضرة الرّسول وهم المار ذكرهم في الآية ٦٥، وإنما جاء ذكرهم هنا لأنه تعالى عدد في هذه السّورة أحوال المنافقين المتنوعة في الأقوال والأفعال وقصّها على رسوله وأصحابه على ملأ النّاس ففضحهم فضاحة كبرى لدى الخاص والعام، حتى بلغ أخبارهم وفضائحهم أهل البوادي والقرى، فلم تبق لهم قيمة ولا عبرة عند أحد «وَما نَقَمُوا» هؤلاء الاثنا عشر رجلا الّذين كمنوا له على الطّريق ليغتالوه والّذين أنكروا عليه أعماله الطيبة التي لا يعرفون مغزاها، وأفعاله الكريمة التي يجهلون مرماها، وعابوا عليه شمائله الشّريفة حسدا ونجاسة «إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ» فجعلوا موضع شكرها كفرا وجحودا، وعملوا بضد ما هو واجب عليهم، لأنهم كانوا قبل مقدم الرّسول صلّى الله عليه وسلم المدينة في ضنك عيش وعداوة شديدة فيما بينهم وذل كبير بين مجاوريهم، فوسع الله عليهم ببركة رسوله وألف بينهم، وأظفرهم بأعدائهم، وجعل لهم عزة ومكانة بين النّاس وعلى معنى الآية قول الشّاعر:
ما نقم النّاس من أمية إلّا | أنهم يحلمون إن غضبوا |
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم | بهنّ فلول من قراع الكتائب |
وهذا من كرم أخلاقه صلّى الله عليه وسلم ومن شأنه الكرام الّذين تأسوا به، أدام الله الكرام.
الكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس، وأين هم الآن، يا حسرتاه!
ولما شاب رأس الدّهر حزنا | لما قاساه من فقد الكرام |
أقام يميط عنه الشّيب غيظا | وينثر ما أماط على الأنام |
ألا إن أخلاق الفتى كزمانه | فمنهن بيض في العيون وسود |
فلا تحسدن يوما على فضل نعمة | فحسبك عارا أن يقال حسود |
مضى زمن وكان النّاس فيه | كراما لا يخالطهم خسيس |
فقد دفع الكرام إلى زمان | أخسّ رجالهم فيهم رئيس |
تعطلت المكارم يا خليلي | فصار النّاس ليس لهم نفوس |
مواساة بين الأحبة وقد استغنى كلّ بنفسه، فلا يسأل جار عن جاره، ولا صديق عن صديقه، ويتبجح كلّ بنفسه، وأين النّاس من قول الإمام الشّافعي رحمه الله:
وتركي مواساة الأخلاء بالذي... حوته يدي ظلم لهم وعقوق
وإني لأستحي من الله أن أرى... بحالي اتساعا والصّديق مضيق
وقد صار الأصدقاء كما وصفهم القائل:
كم من صديق مظهر نصحه... وفكره وقف على عثرتك
إياك أن تقربه أنه... عون مع الدّهر على كربتك
ولهذا قال علي كرم الله وجهه لابنه الحسن إياك ومصاحبة الفاجر، فإنه يبيعك بالتافه، وإياك ومصادقة الكذاب، فإنه كالسراب يقرب عليك البعيد ويبعد عنك القريب، وهؤلاء إخوان هذا الزّمن، فلا حول ولا قوة إلّا بالله القائل «وَمِنْهُمْ» الّذين يظهرون خلاف ما يبطنون «مَنْ عاهَدَ اللَّهَ» أمام رسوله وأكد ميثاقه بالقسم فقال «لَئِنْ آتانا» الله تعالى شيئا «مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ» منه بما فضل عن حاجتنا في طرق الخير والبر «وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ» (٧٥) فيه بأن نخرج صدقة كاملة عن طيب نفس ولا نبخل بما يمن به علينا «فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ» كلّه فلم يعطوا منه شيئا حتى الزكاة المعروفة، ونقضوا عهدهم الموثق بالأيمان ونكثوه ولم يوفوا بشيء منه «وَتَوَلَّوْا» عن طاعة الله ورسوله «وَهُمْ مُعْرِضُونَ» (٧٦) عنهما ولم يلتفتوا إلى تعاليمهما ولهذا «فَأَعْقَبَهُمْ» الله «نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ» بأن ورثهم البخل ومكنّه فيهم وجعله مستمرا ثابتا فيها «إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ» في الآخرة وحرمهم من التوبة «بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ» من التصدق إذا أغناهم وقد وفى الله تعالى وهم نكثوا به «وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ» (٧٧) في قولهم لحضرة الرّسول ووعدهم له بالتصدق والصّلاح قال تعالى «أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ» مع بعضهم من الطّعن بحضرة الرّسول وقولهم فيما بينهم سرا ما الصّدقة إلّا أخت الجزية أو هي غرامة وضعها علينا «وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» (٧٨) لا يخفى عليه شيء مما أسروه وأعلنوه، ومن هؤلاء المنافقين ضرب آخروهم «الَّذِينَ يَلْمِزُونَ»
يعيبون ويطعنون «الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ» المتبرعين بها غير المفروضة عليهم، يريدون عبد الرّحمن بن عوف وعاصم بن عدي من الأغنياء إذ تصدق الأوّل بأربعة آلاف درهم في يوم واحد، والآخر بمائة وسق من تمر فبارك الله لهما، حتى أن بلغت تركة عبد الرّحمن لزوجاته من النّقد فقط مئة وستين ألف درهم «وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ» أي الفقراء الّذين يتصدقون بالقليل ويعنون بهم أبا عقل الأنصاري وأمثاله، إذ تصدق بصاع من تمر، ومنهم من تصدق بدرهم، فقالوا تصدق الأولان رياء وسمعة وعابوا الآخرين على قلة صدقتهما، وهم لا يتصدقون بقليل ولا كثير، قاتلهم الله ما ألعنهم وأخسّهم.
روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود البدوي قال: لما نزلت آية الصّدقة كما نحمل على ظهورنا، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا هذا مرائي، وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا إن الله لغني عن صاع، فنزلت هذه الآية «فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ» فيقولون هؤلاء الأغنياء لا عقول لهم، إذ يبذرون أموالهم، وهؤلاء الفقراء لا عقول لهم إذ يتصدقون وهم محتاجون، وصاروا يهزأون بالفريقين، فوبخهم الله بقوله «سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ» وأهانهم وأذلهم وجازاهم على فعلهم هذا الذم والهوان في الدّنيا «وَلَهُمْ» في الآخرة «عَذابٌ أَلِيمٌ» (٧٩)، وللمتصدقين ثواب عظيم، لأنهم لم يتصدقوا إلّا لمرضاة الله طلبا لثوابه، وكلّ متصدق يتصدق على قدر طاقته قال صلّى الله عليه وسلم تصدقوا ولو بشق تمرة. وجاء في حديث آخر فضل درهم ألف درهم، في تصدق فقير بدرهم وغني بألف، لأن الغني يتصدق عن سعة، والفقير عن حاجة. وقال تعالى (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) الآية ٩ من سورة الحشر المارة. وقال تعالى (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) الآية ٩ من سورة الدّهر المارة أيضا.
مطلب قصة ثعلبة وما نتج عنها وحكم وأمثال في البخل والطّمع والجبن وغيرها:
وخلاصة القصة هو أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري جاء ذات يوم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا، فقال صلّى الله عليه وسلم ويحك يا ثعلبة،
قليل يؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه، ثم أتاه بعد ذلك فكرر مقالته، وقال والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالا لأعطين كلّ ذي حق حقه، فقال له أما لك أسوة في رسول الله، والذي نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معي ذهبا وفضة لسارت. ثم أتاه الثالثة فكرر مقالته، فقال والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالا لأعطين كلّ ذي حق حقه، فقال صلّى الله عليه وسلم: اللهم ارزق ثعلبة مالا.
فاتخذ غنما فنمت حتى ضاقت بها المدينة، فتركها ونزل واديا منها، وصار يصلي الظهر والعصر مع الرّسول، وبقية الأوقات في محل غنمه، ثم تباعد بها عن المدينة فصار لا يشهد إلّا الجمعة مع حضرة الرّسول بالمدينة، ثم تباعد بها حتى صار لا يشهد جماعة ولا جمعة، فذكره رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالوا إن غنمه نمت حتى صارت لا يسعها واد، فتباعد بها عن المدينة، فقال يا ويح ثعلبة، حيث ألهته غنمه عن حضور الصلوات مع حضرة الرّسول، فحرم من مشاهدته ومن ثواب الجمعة والجماعة وفضيلة المسجد بسبب ما طلبه، وهذا ما كان يتوخاه حضرة الرّسول فيه، فسوّفه مرارا ليعدل عن طلبه ولم ينجح به، فدعا له فكان من أمره ما كان، ولما حان جمع الصّدقات بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم من يأخذ الصّدقة وكتب لهما ما يجب أخذه، وقال لهما مرّا على ثعلبة ورجل من بني سليم فخذا صدقاتهما، فجاءا ثعلبة وأقرآه كتاب رسول الله، فقال ما هذه إلّا جزية، عودا علي إذا فرغتما، فجاءا السلمي وقد سمع ما قاله ثعلبة، فقام وأعطاهما خيار ماله، وقال لهما إن نفسي طيبة بذلك، وبعد أن جمعا صدقات النّاس وعادا بها مرا عل ثعلبة، واستقرأهما كتاب رسول الله ثانيا وقال ما هذه إلّا أخت الجزية، اذهبا حتى أرى رأيي، فلما أقبلا على رسول الله، قال لهما قبل أن يتكلّما يا ويح ثعلبة، وهذه معجزة منه صلّى الله عليه وسلم، إذ أخبره الله بما وقع منه، وقاله لعمال الصّدقة ثم أخبراه بما فعل، فأنزل الله هذه الآيات، فذهب رجل من أقاربه فأخبره بما نزل فيه، فأتى رسول الله وكلفه أن يقبل صدقة، فقال قد منعني ربي من قبولها، فطفق يحثو التراب على رأسه، فقال صلّى الله عليه وسلم قد أمرتك فلم تطعني. فلما قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتى بصدقته إلى أبي بكر فلم يقبلها، فلما ولي عمر أتاه بها فلم يقبلها أيضا وكذلك