
إسحاق: (الذي عفي عنه رجل واحد يقال له: مخشي (١) بن حُمير الأشجعي (٢)، أنكر (٣) عليهم بعض ما سمع، وجعل يسير مجانبًا لهم، فلما نزلت هذه الآية بريء من النفاق) (٤).
٦٧ - قوله تعالى: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾، قال ابن عباس: (أي على دين بعض) (٥).
قال أبو علي: (أي بعضهم يلابس بعضا، ويوالي بعضا، وليس المعنى على النسل (٦) والولادة؛ لأنه قد يكون من نسل المنافق مؤمن، ومن نسل المؤمن منافق) (٧).
وقال أبو إسحاق: (هذا يتلو قوله: ﴿وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ﴾ [التوبة: ٥٦] أي ليس المنافقون من المؤمنين) (٨).
(٢) هو: مخشي بن حُمير -مصغرًا- الأشجعي، كان ممن نزل فيه قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ فكان ممن عفي عنه، فقال يا رسول الله: غير اسمي واسم أبي، فسماه عبد الله بن عبد الرحمن، فدعا ربه أن يقتل شهيداً حيث لا يعلم به، فقتل يوم اليمامة ولم يعلم له أثر.
انظر: "السيرة النبوية" ٤/ ٢٠٩، و"الإصابة" ٣/ ٣٩١.
(٣) في (ح): (نكر).
(٤) "السيرة النبوية" ٤/ ٢٠٩.
(٥) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ٤٦٧، والمؤلف في "الوسيط" ٢/ ٥٠٨.
(٦) في (ح): (النسك)، وهو خطأ.
(٧) "الحجة للقراء السبعة" ١/ ١٧٢.
(٨) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٦٠.

وقال غيره من أهل المعاني: (معنى ﴿بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ يضاف إلى بعض بالاجتماع على النفاق (١)، كما تقول للإنسان (٢): أنت مني وأنا منك، أي أمرنا واحد لا ينفصل) (٣)، وقد ذكرنا هذا عند قوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ [النساء: ٢٥].
وقوله تعالى: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ﴾، قال عطاء عن ابن عباس: (يريد: بالنفاق والتثبيط عن الجهاد في سبيل الله، والتكذيب برسول الله -صلى الله عليه وسلم-) (٤)، وقال الضحاك: (يأمرون بالكفر بمحمد) (٥)، ونحوه قال الزجاج (٦).
﴿وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾، قال ابن عباس: (عن اتباع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٧)، وقال عطاء عنه: (الإخلاص لله بنية صادقة) (٨)، وقال الزجاج: (عن الإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم-) (٩). وقال الضحاك: (عن الإسلام وأداء الصدقات إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) (١٠).
(٢) في (ح): (يقول الإنسان).
(٣) لم أجده عند أهل المعاني، وانظر معناه في: "تفسير الرازي" ١٦/ ١٢٦.
(٤) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٦/ ١٨٣١ من رواية علي بن أبي طلحة بلفظ: التكذيب، ورواه الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص ١٩٧ من رواية الكلبي عن أبي صالح عنه بلفظ: (بالكفر ومخالفة الرسول).
(٥) لم أقف عليه.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٦٠.
(٧) رواه الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص ١٩٧ بلفظ: (عن الإيمان وموافقة الرسول).
(٨) رواه بمعناه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٦/ ١٨٣٢ من رواية علي بن أبي طلحة.
(٩) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٦٠.
(١٠) لم أجد من أخرجه فيما بين يدي من المصادر.

وقوله تعالى: ﴿وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾، قال ابن عباس: (عن النفقة في سبيل الله) (١)، وهو قول الحسن (٢) ومجاهد (٣).
وقال قتادة: (لا يبسطونها بخير) (٤)، وقال القرظي: (يقبضون أيديهم عن كل خير) (٥).
وقال الزجاج: (أي: لا يصدقون ولا يزكون) (٦).
والأصل في هذا أن (٧) المعطي يمد يده ويبسطها بالعطاء، فقيل لمن بخل ومنع: قد قبض يده، وقد ذكرنا هذا المعنى (٨) مستقصى في (٩) قوله: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ [المائدة: ٦٤] (١٠).
(٢) ذكره الماوردي في "النكت والعيون" ٢/ ٣٧٩، وابن الجوزي في "زاد المسير"
٣/ ٤٦٧.
(٣) رواه ابن جرير ١٠/ ١٧٤، وابن أبي حاتم ٦/ ١٨٣٢، وابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ كما في "الدر المنثور" ٤/ ٢٣٣.
(٤) رواه ابن جرير ١٤/ ٣٣٨، وابن أبي حاتم ٤/ ٦٥ أ، وبنحوه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢/٢٨٣.
(٥) لم أجد من ذكره فيما بين يدي من المصادر.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٦٠.
(٧) ساقط من (ى).
(٨) ساقط من (ى).
(٩) في (ى): (عند).
(١٠) انظر النسخة (ج) ٢/ ٦١ ب وقد قال في هذا الموضع: (قوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾: [قال ابن عباس في رواية عطاء: (يريد الإمساك عن الرزق) وقال في رواية الوالبي: ليسوا يعنون بذلك أن يده موثقة، ولكن يقولون: إنه بخيل أمسك ما عنده).. قال الفراء: (أرادوا ممسكة عن الإنفات والإسباغ علينا).