آيات من القرآن الكريم

وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ

وقوله: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً (٢٨) يعني فقرًا. وَذَلِكَ لَمَّا نزلت: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا خاف أهل مكة أن تنقطع عنهم الميرة والتجارة. فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً. فذكروا أن تَبَالة «١» وجُرش أخصبتا، فأغناهم الله بِهما وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
وقوله: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ (٣٠) قرأها الثقات «٢» بالتنوين وبطرح التنوين. والوجه أن ينوّن لأن الكلام ناقص (وابن) فِي موضع خبر لعزير. فوجه العمل فِي ذَلِكَ أن تنوِّن ما رأيت الكلام محتاجًا إلى ابن. فإذا اكتفى دون بن، فوجه الكلام ألا ينون. وَذَلِكَ مع ظهور اسم أبي الرجل أو كنيته. فإذا جاوزت ذَلِكَ فأضفت (ابن) إلى مكنى عَنْهُ مثل ابنك، وابنه، أو قلت: ابن الرجل، أو ابن الصالِح، أدخلت النون فِي التام منه والناقص. وَذَلِكَ أن حذف النون إِنّما كَانَ فِي الموضع الَّذِي يُجرى فِي الكلام كثيرًا، فيستخفّ طرحها فِي الموضع الَّذِي يستعمل. وقد ترى الرجل يذكر بالنسب إلى أبيه كثيرًا فيقال:
من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان، فلا يجري كثيرًا بغير ذَلِكَ. وربما حذفت النون وإن لَمْ يتمم الكلام لسكون الباء من ابن، ويستثقل النون إذ كانت ساكنة لقيت ساكنًا، فحذفت استثقالا لتحريكها. قَالَ: من ذلك قراءة القرّاء:
(عزيز ابن الله). وأنشدني بعضهم:

لَتجِدّني بالأميرِ بَرّا وَبالقناة مِدْعَسا مكرّا «٣»
إذا غطيف السلمىّ فرّا
(١) تبالة: بلدة من أرض تهامة فى طريق اليمن. وجرش مخلاف أي إقليم من مخاليف اليمن.
(٢) قرأ بالتنوين من العشرة عاصم والكسائي ويعقوب، وقرأ الباقون بطرح التنوين.
(٣) المدعس: المطاعن. والمكر: الذي يكر فى الحرب ولا يفر.

صفحة رقم 431

وقد سمعت كثيرًا من القراء الفصحاء يقرءونَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ.
فيحذفون النون من (أحد). وقال آخر «١» :

كيْفَ نَومي عَلَى الفراشِ ولَمَّا تشملِ الشامَ غارةٌ شعواءُ
تُذْهل الشيخَ عَن بَنيهِ وَتُبْدِي عَن خِدَامِ العَقِيلةُ العذراء
أراد: عَن خدامٍ، فحذف النون للساكن إذ استقبلتها. وربما أدخلوا النون فِي التمام مع ذكر الأب أنشدني بعضهم:
جارية من قيس ابن ثعلبة كأنها حلْيَةُ سيف مُذْهَبه «٢»
وقال آخر «٣» :
وإلا يكن مال يثاب فإنه سيأتي ثنائي زيدًا ابنَ مُهَلْهِلٍ
وَكَانَ سبب قول اليهود: عُزَيْر ابن الله أن بُخْتَ نَصَّرَ قَتَل كلّ من كَانَ يقرأ التوراة، فأُتِيَ بِعُزَيْر فاستصغره فتركه. فلمّا أحياهُ الله أتته اليهود، فأملى عليهم التوراة عَن ظهر لسانه. ثُمَّ إن رجلا من اليهود قَالَ: إن أبي ذكر أن التوراة مدفونة فِي بستان لَهُ، فاستخرجت وقو بل بها ما أملى عزيز فلم يغادر منها حرفًا.
فقالت اليهود: ما جمع الله التوراة فِي صدر عُزَيْر وهو غلام إلا وهو ابنه- تعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيرا-.
(١) هو عبيد الله بن قيس الرقيات من قصيدة يمدح فيها مصعب بن الزبير ويفتخر بقريش. ويريد بالغارة على الشام الغارة على عبد الملك بن مروان. وقوله: «خدام العقيلة». فى الديوان: «براها العقيلة» والخدام جمع الخدمة وهى الخلخال. والبرى جمع البرة- فى وزان كرة- الخلخال أيضا.
(٢) هذا مطلع أرجوزة للأغلب العجلى. وأراد بجارية امرأة اسمها كلبة كان يهاجيها وانظر الخزانة ١/ ٣٣٢
(٣) هو الحطيئة يمدح زيد الخيل الطائىّ.

صفحة رقم 432

وقوله: وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ. وذُكِرَ أن رجلا دخل فِي النصارى وَكَانَ خبيثًا منكرًا فلبَّس عليهم، وقال: هُوَ هُوَ. وقال: هُوَ ابنه، وقال: هُوَ ثالث ثلاثة. فقال الله تبارك وتعالى فِي قولهم ثالث ثلاثة:
يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قولهم: اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى.
وقوله: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ (٣١) قَالَ: لَمْ يعبدوهم، ولكن أطاعوهم فكانت كالربوبية.
وقوله: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ (٣٢) دخلت (إلّا) لأن فِي أَبيت طَرَفًا من الجحد ألا ترى أن (أبيت) كقولك:
لَمْ أفعل، ولا أفعل، فكانه بمنزلة قولك: ما ذهب إلا زيد. ولولا الجحد إِذَا ظهر أو أتى الفعل محتملا لضميره «١» لَمْ تُجِزْ دخول إلا كما أنك لا تقول: ضربت إلا أخاكَ، ولا ذهبَ إلا أخوك. وكذلك قَالَ الشاعر «٢» :

وهل لِي أُمّ غيرها إِنْ تركتها أَبى اللهُ إِلا أن أكون لَهَا ابنما
وقال الآخر:
إِيَادًا وأَنْمَارها الغالبين إلا صدودًا وإلا ازورارا
أراد: غلبوا إلا صدودًا وإلا ازورارًا، وقال الآخر:
واعتلّ إلا كل فرع معرق مثلك لا يعرف بالتلهوق «٣»
(١) أي لمعناه. فكأن أبى ونحوه متضمن لمعنى لا فهو محتمل لهذا الحرف المضمر.
(٢) هو المتلمس. والبيت من قصيدة له يرد فيها على من عيره أمه، مطلعها:
تعيرنى أمي رجال ولا أرى أخا كرم إلا بأن يتكرما
وهى فى مختارات ابن الشجري.
(٣) التلهوق: التملق. ويقال أيضا للتكلف. [.....]

صفحة رقم 433
معاني القرآن للفراء
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء
تحقيق
أحمد يوسف نجاتي
الناشر
دار المصرية للتأليف والترجمة - مصر
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
ألفاظ القرآن
اللغة
العربية