آيات من القرآن الكريم

وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ

قَالَ: فَلَمَّا أَتَيْتُ عُمَرَ بِالْكِتَابِ، زَادَ فِيهِ: وَلَا نَضْرِبُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، شَرَطْنَا لَكُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِنَا وَأَهْلِ مِلَّتِنَا، وَقَبِلْنَا عَلَيْهِ الْأَمَانَ، فَإِنْ نَحْنُ خَالَفْنَا فِي شَيْءٍ مِمَّا شَرَطْنَاهُ لَكُمْ وَوَظَفْنا عَلَى أَنْفُسِنَا، فَلَا ذِمَّةَ لَنَا، وَقَدْ حَلَّ لَكُمْ مِنَّا مَا يَحِلُّ مِنْ أَهْلِ الْمُعَانَدَةِ وَالشِّقَاقِ.
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١) ﴾
وَهَذَا إِغْرَاءٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ الْكُفَّارِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لِمَقَالَتِهِمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ الشَّنِيعَةَ، والفِرْية عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَأَمَّا الْيَهُودُ فَقَالُوا فِي العُزَير: "إِنَّهُ ابْنُ اللَّهِ"، تَعَالَى [اللَّهُ] (١) عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَذَكَرَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشُّبْهَةَ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، أَنَّ الْعَمَالِقَةَ لَمَّا غَلَبَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَتَلُوا عُلَمَاءَهُمْ وسَبَوا كِبَارَهُمْ، بَقِيَ الْعُزَيْرُ يَبْكِي عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَذَهَابِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ، حَتَّى سَقَطَتْ جُفُونُ عَيْنَيْهِ، فَبَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ مَرّ عَلَى جَبَّانَةٍ، وَإِذِ (٢) امْرَأَةٌ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ وَهِيَ تَقُولُ: وَامُطْعِمَاهُ! وَاكَاسِيَاهُ! [فَقَالَ لَهَا وَيْحَكِ] (٣) مَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ قَبْلَ هَذَا؟ قَالَتْ: اللَّهُ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ! قَالَتْ: يَا عُزَيْرُ فَمَنْ كَانَ يُعلم الْعُلَمَاءَ قَبْلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: اللَّهُ. قَالَتْ: فَلِمَ تَبْكِي عَلَيْهِمْ؟ فَعَرَفَ أَنَّهُ شَيْءٌ قَدْ وُعظ بِهِ. ثُمَّ قِيلَ لَهُ: اذْهَبْ إِلَى نَهْرِ كَذَا فَاغْتَسِلْ مِنْهُ، وصَلِّ هُنَاكَ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنَّكَ سَتَلْقَى هُنَاكَ شَيْخًا، فَمَا أَطْعَمَكَ فَكُلْهُ. فَذَهَبَ فَفَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، فَإِذَا شَيْخٌ فَقَالَ لَهُ: افْتَحْ فَمَكَ. فَفَتَحَ فَمَهُ. فَأَلْقَى فِيهِ شَيْئًا كَهَيْئَةِ الْجَمْرَةِ الْعَظِيمَةِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَرَجَعَ عُزَير وَهُوَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالتَّوْرَاةِ، فَقَالَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَدْ جِئْتُكُمْ بِالتَّوْرَاةِ. فَقَالُوا: يَا عُزَير، مَا كُنْتَ كَذَّابا. فَعَمَدَ فَرَبَطَ عَلَى إِصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِهِ قَلَمًا، وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِإِصْبَعِهِ كُلِّهَا، فَلَمَّا تَرَاجَعَ النَّاسُ مِنْ عَدُوّهم وَرَجَعَ الْعُلَمَاءُ، وَأُخْبِرُوا بِشَأْنِ عُزَيْرٍ، فَاسْتَخْرَجُوا النُّسَخَ الَّتِي كَانُوا أَوْدَعُوهَا فِي الْجِبَالِ، وَقَابَلُوهَا (٤) بِهَا، فَوَجَدُوا مَا جَاءَ بِهِ صَحِيحًا، فَقَالَ بَعْضُ جَهَلَتِهِمْ: إِنَّمَا صَنَعَ هَذَا لِأَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ.
وَأَمَّا ضَلال النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ فَظَاهِرٌ؛ وَلِهَذَا كَذَّب اللَّهُ سُبْحَانَهُ الطَّائِفَتَيْنِ فَقَالَ: ﴿ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ أَيْ: لَا مُسْتَنَدَ لَهُمْ فِيمَا ادَّعَوْهُ سِوَى افْتِرَائِهِمْ وَاخْتِلَاقِهِمْ، ﴿يُضَاهِئُونَ﴾ أَيْ: يُشَابِهُونَ ﴿قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ﴾ أَيْ: مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ، ضَلُّوا كَمَا ضَلَّ هَؤُلَاءِ، ﴿قَاتَلَهُمُ اللَّهُ﴾ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَعَنَهُمُ اللَّهُ، ﴿أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ ؟ أَيْ: كَيْفَ يَضِلُّونَ عَنِ الْحَقِّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيَعْدِلُونَ إلى الباطل؟

(١) زيادة من ت، ك.
(٢) في ت، د: "وإذا".
(٣) زيادة من ت، د، أ.
(٤) في ت، د، ك: "وقابلوه".

صفحة رقم 134

[وَقَوْلُهُ] (١) ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرَّ إِلَى الشَّامِ، وَكَانَ قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأُسِرَتْ أُخْتُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، ثمَّ منَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُخْتِهِ وَأَعْطَاهَا، فَرَجَعَتْ إِلَى أَخِيهَا، ورَغَّبته فِي الْإِسْلَامِ وَفِي الْقُدُومِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمَ عَدِيّ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ رَئِيسًا فِي قَوْمِهِ طَيِّئٍ، وَأَبُوهُ حَاتِمٌ الطَّائِيُّ الْمَشْهُورُ بِالْكَرَمِ، فتحدَّث النَّاسُ بِقُدُومِهِ، فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِ عَدِيّ صَلِيبٌ مِنْ فِضَّةٍ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمْ. فَقَالَ: "بَلَى، إِنَّهُمْ حَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ، وَأَحَلُّوا (٢) لَهُمُ الْحَرَامَ، فَاتَّبَعُوهُمْ، فَذَلِكَ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ". وَقَالَ (٣) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَدِيُّ، مَا تَقُولُ؟ أيُفرّك (٤) أَنْ يُقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ؟ فَهَلْ تَعْلَمُ شَيْئًا أَكْبَرَ مِنَ اللَّهِ؟ مَا يُفرك؟ أَيُفِرُّكَ أَنْ يُقَالَ (٥) لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ فَهَلْ تَعْلَمُ مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ"؟ ثُمَّ دَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ، وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، قَالَ: فَلَقَدْ رأيتُ وَجْهَهُ اسْتَبْشَرَ ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ" (٦)
وَهَكَذَا قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُمَا فِي تَفْسِيرِ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ إِنَّهُمُ اتَّبَعُوهُمْ فِيمَا حَلَّلُوا وَحَرَّمُوا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: اسْتَنْصَحُوا الرِّجَالَ، وَتَرَكُوا (٧) كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ.
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا﴾ أَيْ: الَّذِي إِذَا حَرَّمَ الشَّيْءَ فَهُوَ الْحَرَامُ، وَمَا حَلَّلَهُ حَلَّ، وَمَا شَرَعَهُ اتُّبِعَ، وَمَا حَكَمَ بِهِ نُفِّذَ.
﴿لَا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أَيْ: تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عَنِ الشُّرَكَاءِ وَالنُّظَرَاءِ وَالْأَعْوَانِ وَالْأَضْدَادِ وَالْأَوْلَادِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.

(١) زيادة من أ.
(٢) في ت، د، ك: "وحللوا".
(٣) في ت، د، ك: "وقال له".
(٤) في أ: "أيسرك".
(٥) في أ: "ما نقول أيسرك".
(٦) سنن الترمذي برقم (٣٠٩٥) وتفسير الطبري (١٤/ ٢٠٩ - ٢١١) من طريق عبد السلام بن حرب عن غطيف بن أعين عن مصعب بن سعد عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وقال التِّرْمِذِيُّ: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حديث عبد السلام بن حرب وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث".
(٧) في د: "ونبذوا".

صفحة رقم 135
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية