آيات من القرآن الكريم

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﱿ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ

وخبطهم في الضلال يعاقبهم الله على الكفر والإعراض بالختم على قلوبهم والختم بالنار عليهم، وإذ كفروا بسورة فقد زاد كفرهم فذلك زيادة رجس إلى رجسهم، وقوله: أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ الآية، قرأ الجمهور «أو لا يرون» بالياء على معنى أو لا يرى المنافقون، وقرأ حمزة «أو لا ترون» بالتاء على معنى أو لا ترون أيها المؤمنون، فهذا تنبيه للمؤمنين، وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب والأعمش «أو لا ترى» أي أنت يا محمد.
وروي عن الأعمش أيضا أنه قرأ «أو لم تروا».
وذكر عنه أبو حاتم «أو لم تر»، وقال مجاهد يُفْتَنُونَ معناه يختبرون بالسنة والجوع، وحكى عنه النقاش أنه قال مرضة أو مرضتين، وقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة: معناه يختبرون بالأمر بالجهاد، والذي يظهر مما قبل الآية ومما بعدها أن الفتنة والاختبار إنما هي بكشف الله تعالى أسرارهم وإفشائه عقائدهم، فهذا هو الاختبار الذي تقوم عليه الحجة برؤيته وترك التوبة، وأما الجهاد أو الجوع فلا يترقب معهما ما ذكرناه، فمعنى الآية على هذا فلا يزدجر هؤلاء الذين تفضح سرائرهم كل سنة مرة أو مرتين بحسب واحد ويعلمون أن ذلك من عند الله فيتوبون ويتذكرون وعد الله ووعيده، وأما الاختبار بالمرض فهو في المؤمنين وقد كان الحسن ينشد:

أفي كل عام مرضة ثم نقهة فحتى متى حتى متى وإلى متى
وقالت فرقة: معنى يُفْتَنُونَ بما يشيعه المشركون على رسول الله ﷺ من الأكاذيب، فكأن الذي في قلوبهم مرض يفتنون في ذلك، وحكى الطبري هذا القول عن حذيفة وهو غريب من المعنى.
قوله عز وجل:
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٢٧ الى ١٢٩]
وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٧) لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩)
الضمير في قوله بَعْضُهُمْ عائد على المنافقين، والمعنى وإذا ما أنزلت سورة فيها فضيحة أسرارهم نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ على جهة التقريب، يفهم من تلك النظرة التقرير: هل معكم من ينقل عنكم؟
هل يراكم من أحد حين تدبرون أموركم؟ وقوله تعالى: ثُمَّ انْصَرَفُوا معناه عن طريق الاهتداء. وذلك أنهم حين ما يبين لهم كشف أسرارهم والإعلام بمغيبات أمورهم يقع لهم لا محالة تعجب وتوقف ونظر، فلو اهتدوا لكان ذلك الوقت مظنة ذلك، فهم إذ يصممون على الكفر ويرتبكون فيه كأنهم انصرفوا عن تلك الحال التي كانت مظنة النظر الصحيح والاهتداء، وابتدئ بالفعل المسند إليهم إذ هو تعديد ذنب على ما

صفحة رقم 99

قد بيناه، وقوله: صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ يحتمل أن يكون دعاء عليهم، ويحتمل أن يكون خبرا أي استوجبوا ذلك بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ أي لا يفهمون عن الله ولا عن رسوله، وأسند الطبري في تفسير هذه الآية عن ابن عباس أنه قال: لا تقولوا انصرفنا من الصلاة فإن قوما انصرفوا فصرف الله قلوبهم، ولكن قولوا قضينا الصلاة.
قال القاضي أبو محمد: فهذا النظر الذي في هذه الآية هو إيماء، وحكى الطبري عن بعضهم أنه قال: نظر في هذه الآية في موضع قال، وقوله تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ مخاطبة للعرب في قول الجمهور وهذا على جهة تعديد النعمة عليهم في ذلك، إذ جاء بلسانهم وبما يفهمونه من الأغراض والفصاحة وشرفوا به غابر الأيام، وقال الزجّاج: هي مخاطبة لجميع العالم، والمعنى لقد جاءكم رسول من البشر والأول أصوب، وقوله: مِنْ أَنْفُسِكُمْ يقتضي مدحا لنسب النبي ﷺ وأنه من صميم العرب وشرفها، وينظر إلى هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم»، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «إني من نكاح ولست من سفاح» معناه أن نسبه ﷺ إلى آدم عليه السلام لم يكن النسل فيه إلا من نكاح ولم يكن فيه زنى، وقرأ عبد الله بن قسيط المكي «من أنفسكم» بفتح الفاء من النفاسة، ورويت عن النبي ﷺ وعن فاطمة رضي الله عنها، ذكر أبو عمرو أن ابن عباس رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله ما عَنِتُّمْ معناه عنتكم ف ما مصدرية وهي ابتداء، وعَزِيزٌ خبر مقدم، ويجوز أن يكون ما عَنِتُّمْ فاعلا ب عَزِيزٌ وعَزِيزٌ صفة للرسول، وهذا أصوب من الأول والعنت المشقة وهي هنا لفظة عامة أي ما شق عليكم من كفر وضلال بحسب الحق ومن قتل أو أسار وامتحان بسبب الحق واعتقادكم أيضا معه، وقال قتادة: المعنى عنت مؤمنيكم.
قال القاضي أبو محمد: وتعميم عنت الجميع أوجه، وقوله: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ يريد على إيمانكم وهداكم، وقوله: رَؤُفٌ معناه مبالغ في الشفقة، قال أبو عبيدة: الرأفة أرق الرحمة، وقرأ «رؤف» دون مد الأعمش وأهل الكوفة وأبو عمرو ثم خاطب النبي صلى الله عليه وسلم، بعد تقريره عليهم هذه النعمة فقال: فَإِنْ تَوَلَّوْا يا محمد أي أعرضوا بعد هذه الحال المتقررة التي من الله عليهم بها فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ معناه وأعمالك بحسب قوله من التفويض إلى الله والتوكل عليه والجد في قتالهم، وليست بآية موادعة لأنها من آخر ما نزل، وخصص الْعَرْشِ بالذكر إذ هو أعظم المخلوقات، وقرأ ابن محيصن «العظيم» برفع الميم صفة للرب، ورويت عن ابن كثير، وهاتان الآيتان لم توجدا حين جمع المصحف إلا في حفظ خزيمة بن ثابت، ووقع في البخاري أو أبي خزيمة، فلما جاء بهما تذكرهما كثير من الصحابة، وقد كان زيد يعرفهما ولذلك قال: فقدت آيتين من آخر سورة التوبة ولو لم يعرفهما لم يدر هل فقد شيئا أم لا، فإنما ثبتت الآية بالإجماع لا بخزيمة وحده، وأسند الطبري في كتابه قال: كان عمر لا يثبت آية في المصحف إلا أن يشهد عليها رجلان، فلما جاء خزيمة بهاتين الآيتين قال: والله لا أسألك عليهما بينة أبدا فإنه هكذا كان صلى الله عليه وسلم.

صفحة رقم 100

قال القاضي أبو محمد: يعني صفة النبي ﷺ التي تضمنتها الآية، وهذا والله أعلم قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مدة أبي بكر حين الجمع الأول وحينئذ فقدت الآيتان ولم يجمع من القرآن شيء في خلافة عمر، وخزيمة بن ثابت هو المعروف بذي الشهادتين، وعرف بذلك لأن رسول الله ﷺ أمضى شهادته وحده في ابتياع فرس وحكم بها لنفسه صلى الله عليه وسلم، وهذا خصوص لرسول الله ﷺ وذكر النقاش عن أبيّ بن كعب أنه قال أقرب القرآن عهدا بالله تعالى هاتان الآيتان لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ إلى آخر الآية.

صفحة رقم 101
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية